كتب : أحمد السماحي
عاش الموسيقار الراحل محمد سلطان حياته مخلصا لشيئ واحد هو الفن والموسيقى تحديدا، لم يخلص لشيئ آخر، ولم يعط أبدا أي جهد جدي أو حقيقي إلا للموسيقى، أعطى الغناء العربي ألحان عذبة ممتعة أمتعت كل من استمع إليها، وسوف تظل تمتع لوقت مقبل من سيستمع إليها، فهو من القلائل الذين عرفوا كيف يستخدمون الكورال، وأول ملحن استخدم الأورج في التخت الشرقي في قصيدة (يا حبنا) عام 1967، واشتهر بالإقلال من اللوازم الموسيقية أثناء الغناء وبتقصير الجمل الغنائية وبتغييرها بسرعة مع الحفاظ على وحده الإنسجام فيها أي (الهارموني).
رحل محمد سلطان وانسابت الروح القوية التى مكنته من الصمود ومقاومة وتحدي تيار الإسفاف والهبوط والتدني الحادث الآن ومنذ سنوات في الأغنية المصرية، انسابت الروح من الجسد الواهن الذي هده المرض والزمن ومشاق الرحلة، ارتاح الجسد الذي كابد كثيرا وخرجت الروح تصعد إلى بارئها.
أمس اتصلت بي نجمة مصر الكبيرة (نبيلة عبيد) التي ربطت بينها وبين الموسيقار الراحل صداقة طويلة وهى في حالة إنهيار كامل ولم تتمالك نفسها وقالت والدموع تسبق كلماتها فقدت برحيل (محمد سلطان) الأخ والصديق الطيب الحنون الذي ربطت بيننا عشرة وصداقة طويلة منذ كان زوجا للمطربة الكبيرة فايزة أحمد، وبرحيله فقدت آخر الأصدقاء الذين كانوا على اتصال دائم بي، ليطمئنوا عن أحوالي.
وأضافت نجمة مصر الأولى: كان (سلطان) أشبه بفرسان الزمن الجميل نبيلا، وشهما، طيب القلب محب للناس وللخير، كان حساسا إزاء الغير إلى أبعد حد، يضايقه أن يحرج أحدا أو يمس مشاعره، إنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الصدق والنقاء وفنانا بكل ما يحمل من مشاعر وأحاسيس، كان رحمة الله متمتعا بنعمة من نعم الله سبحانه وتعالى وهى نعمة الابتسامة العذبة والتسامح والعفو، (إبن ناس) غني النفس، شبعان بالعاطفة، محكوم بالقناعة، لم اسمعه يوما يشكو من أي شيئ حتى وهو يمر ببعض الأزمات، لم أره يوما متذمرا غاضبا في يوم من الأيام إلا من أحوال الغناء وأوضاعه غير المعدولة.
وواصلت نجمتنا الكبيرة التى قدمت لنا روائع سينمائيةلا تنسى، حديثها مع (شهريار النجوم) وأثناء حديثها انهمرت دموعها بقوة وتركتها تبكي حتى تخفف الدموع من حرارة الفجيعة، لأنني مؤمن بكلمات الشاعر الذي قال: (إنما يطاق الحزن الذي يلد الدمع، ولا يطاق الحزن العقيم) وقالت: كل الأحباب بيروحوا كل فترة يخطف الموت مني صديقا عزيزا على قلبي، وأنا حزينة، حزينة على فقد (محمد سلطان) الأخ والصديق الذي قدم لي موسيقى تصويرية لإثنين من أهم وأحب أفلامي إلى قلبي وهما (الراقصة والسياسي) و(سمارة الأمير)، وحقق من خلال ما قام بتأليفه من موسيقى نجاحا باهرا، ومازالت الجماهير تحب تسمع ما قدمه من موسيقى.