بقلم الأديب الكبير : حجاج أدول
قامت هوليوود بتحويل عدد من أهم الروايات والمسرحيات العالمية، إلى أفلام استعراضية، مثل (البؤساء وسيدتي الجميلة وروميو وجوليت) أكثر من مرة وربما أشهرها (قصة الحي الغربي، والساحر العظيم في بلاد أوز) .. إلخ.. هذا في هوليوود الأمريكية وبوليوود الهندية، وإن كان فيلمنا المصري (خللي بالك من زوزو) لم ينطلق مكانيا إلى لجّة البحار مثل فيلم (ماما ميّا)، وروعة أعالي الجبال مثل (صوت الموسيقى)، ولم يقترب من فتنة مدينة لندن مثل (سيدتي الجميلة)، إلا أن (خللي بالك من زوزو) ومخرجه حسن الإمام استطاعوا أن يوظفوا الأماكن البسيطة في القاهرة، رغم ضعفها بالنسبة للأفلام الهوليودية، ويستغلوا الإمكانات المادية رغم هزالها بالنسبة للأفلام المشار إليها، لينتجوا للنور فيلما رائعا، ينير العقول ويجلي الصدور، ويشرح القلوب ويفرفش النفوس.
عام 1972، أي بعد هزيمة 1967 التي قلبت موازين وتوازنات المنطقة، ثم مرور سنوات شاقة خلال بطولات حرب الاستنزاف التي أخذت مراحل، وكل مرحلة لها سمتها البطولية، تلك الحرب التي قالت لنا: نحن لم ننهزم، نحن خسرنا معركة بالغة الأهمية، لكن الحرب لم تنته بعد، حرب الاستنزاف قالت لنا: نحن مازلنا متواجدون، حرب أنعشت النفوس المُتْعَبة ونعنشت قتاليا الآمال الخابية في الشعب كله، وخاصة في قلوب وعقول الجنود، ثم انتهت حرب الاستنزاف في أغسطس 1970، انتهت بقبول (مبادرة روجرز) وزير خارجية أمريكا وقتها، مبادرة أوقفت تطورات حرب الاستنزاف فتمكنت مصر من بناء خط الصواريخ الشهير، والذي كان له دور هام في حرب أكتوبر 73، وهي في حد ذاتها ملحمة تستحق كتب لإبراز بطولاتها.
استمرت أجواء الحرب غالبة وسُحب القلق من كثافتها تغطي سماء مصر وتقلق وتحير نفوس المصريين، فجرح الهزيمة كان بالغ العمق، وخسف حلم الناصرية كان وما يزال له تداعيات بالغة العمق بالغة الألم، وفي خضم كل هذا الهم إذا بالموهوب حسن الإمام عام 1972، يخرج علينا بفيلم مبهج هز مصر بزلزال فني بقوة 9 درجات بمقياس ريختر!، فيلم نثر عبق ورود وألوان تفاؤلية أنعشت النفوس المُتْعَبة، ونعنشت فنيا الآمال الخابية، فيلم كان فرعا فنيا من إصرار الشعب على مواصلة القتال، القتال في كل الميادين، فيلم يقول: نحن هنا، نحن لم نمت، نحن لم ولن نندثر. إنه فيلم استنزاف لجبال اليأس التي كانت رازحة على صدور الناس، فيلم أكد أننا مازلنا على قيد الحياة، مازلنا نتنفس ولم يقتلنا عدونا، نحن مازلنا قادرين على الضحك، فقدنا معركة لكن الحرب مازالت مستمرة، إنه العمق الحضاري التليد والذي دفع الفنانين لإنتاج هذا الفيلم، وحشد الشعب حوله ومعه، إنه الفيلم الاستعراضي الغنائي الرائع (خللي بالك من زوزو) ومن الذي كتبه؟، القصة لحسن الإمام، والمعد للسينما هو محمد عثمان، والذي كتب السيناريو والحوار والأغاني والاستعراضات، هو العبقري متعدد المواهب صلاح جاهين.
قيل بعد انتصار أكتوبر: (عبرنا الهزيمة)، القائل فيما أظن هو الأديب توفيق الحكي،. ويمكننا أن نقول أنه بعد عرض فيلم (خللي بالك من زوزو) عبرنا الكآبة، (خللي بالك من زوز) فيلم منعش متفائل في مجموعه محفز للحياة، منشط لتحدي لليأس وطارد للبؤس من النفس، فيلم استعراضي مبهر رغم بساطته وعفويته وببساطته وعفويته وصل للجميع، للمتقعرين والمتباسطين، رفضته القلة وقبلته الكثرة.
في سبعينيات القرن العشرين، كان الفيلم الغنائي الراقص والذي نجح نجاحا ساحقا، فيلمنا (خللي بالك من زوزو)، الفيلم الذي لم يتخطاه أي فيلم من وقتها وحتى الآن، هذا رغم أن بطلته (سعاد حسني) ليست مطربة أساسا، ولا أساسها هو الرقص!، لكنها ممثلة متعددة المواهب عابرة للتصنيفات، غنت بما يناسبها فأبدعت ورقصت وتفوقت على أشهر الراقصات، فإذا كان لكل راقصة أسلوب خاص، فسعاد ليس لها أسلوب خاص، سعاد تخضع الرقص لمتطلبات الشخصية الدرامية، وموقفها من المشهد والفيلم إجمالا.
وإذا بالفيلم يفرح الناس وهم الحزانى، يبهجهم وهم التعساء البائسون، يضحكهم وهم اليائسون، تماما كما صرح صلاح جاهين في أغنيته (الدنيا ربيع: الشجر الناشف بقى ورور) في فيلم (أميرة حبي أنا)، إنه دور من أدوار الفيلم المبدع، أن يساعد على (وَرْوَرَة) الحال المصري الجاف المتخشب نتيجة لعار الهزيمة الحار فيحول الجاف الناشف لوِرْوِرْ مُزْهْزَة، وقد كان.