كتب : أحمد السماحي
طار فترة وساعده فى هذا أن أكثر من صديق كان يساهم فى نفخ البالون حتى كاد البالون أن ينفجر، لكن لأنه يحمل الأصالة والموهبة فسرعان ما رجع لقواعده سالما، والحكاية ببساطة – وكما جاءت أحداثها فى مجلة (الشبكة) اللبنانية أن (بليغ حمدي) هاجم كل ملحنيين مصر بعد النجاح الساحق الذي حققته أغنيته (الحب كله) لأم كلثوم عام 1971، وكثرة الطلب عليه من مطربات ومطربيين مصر والعالم العربي، يومها هاجم (بليغ) الكل في لحظة طيران في السماء، ويومها خرج العملاق (رياض السنباطي) عن صمته ورد على الملحن الشاب وقال (برعم قد يكون له مستقبل!) ورد (محمد الموجي) أيضا.
وبالمصادفة كان الموسيقار النبيل (محمد سلطان) وزوجته كروان الشرق (فايزة أحمد) في لبنان، ويومها اصطحبته (فايزة) وذهبا إلى مقر مجلة (الشبكة) وقابلا الكاتب الصحفي (جورج إبراهيم الخوري) وطلبت منه (فايزة) نشر ما سيذكره (محمد سلطان) للرد على (بليغ حمدي) وبالفعل استمع (الخوري) وكتب ما ذكره له (سلطان) ونشر الموضوع عام 1972 تحت عنوان (بليغ حمدي يسرق محمد سلطان) جاء فيه الآتي:
(كنت أحسب الملحن الوسيم الهادئ محمد سلطان فنانا معقود اللسان، وكنت أعتقد أن الطبيعة عقدت لسان فمه لتستعيض عنه بلسان ألحانه الذي طال واستطال حتى لف عنق الإذاعات العربية كلها، بل كنت أظن أن هذا الملحن الفنان جبان هانت عليه نفسه فهان على زملائه تجاهله، ولكني كنت أستدرك ظني عندما أتذكر أن (محمد سلطان) هو زوج (فايزة أحمد) وهل يكون جبانا من يجرؤ على الزواج من مطربة كبيرة، قديرة اسمها (فايزة أحمد) واضحة وصريحة ولا تسكت عن الظلم؟! كلا بالطبع إذن ما به هذا الشاب الحليوة السكر زيادة الذي اتحف المكتبة الموسيقية بلحنه الخير الرائع (خليكوا شاهدين)!.
وأدار (الخوري) حوارا لطيفا مع (سلطان) في حضور (فايزة أحمد) ومن ضمن الأسئلة التى سألها ما رأيك في بليغ حمدي؟
تردد سلطان في الرد وسرح فقالت له فايزة: مالك سكت ليه ما تقول؟.. ما تتكلم؟ قال لها: سأقول وسأتكلم ولكني لا أعرف من أين أبدأ؟
فقال له الخوري : إبدأ من فنه!
فقال سلطان: بليغ يعتبر أن ألحانه يجب أن تتبعثر في الأسواق وتغنى على أصوات جميع المطربين والمطربات معتقدا أنه بهذه الطريقة يكون الملحن الأوحد، يعتقد ذلك حتى ولو كان إفراطه في الألحان يجبره على الرجوع إلى منبع الفولكلور وري ألحانه بالجمل الفولكلورية، أو اللجوء إلى معين غيره واقتباس الجمل الموسيقية منه، أو العودة إلى قاعدة أغانيه القديمة ليبعثها من جديد ويجترها على حناجر عشرة مغنيين ومغنيات، لذلك تلاحظ أن كل أغانيه وكأنها أغنية واحدة.
الخوري: لفت نظري حكاية الاقتباس فهل اقتبس منك بليغ جملة موسيقية معينة؟
سلطان: اقتبس مني عدة جمل موسيقية!
الخوري : ماهي؟
سلطان: عد على أصابعك أولا مقطع (وفي عز الكلام سكت الكلام) في أغنية (زي الهوى) لعبدالحليم حافظ، مقتبس من مقطع (كلمني عن بيتنا الطيب واللقمة الحلال) من أغنية (مال علي مال) التى لحنتها لفايزة.
ثانيا: مقطع (خايف ومشيت وأنا خايف) من أغنية (زي الهوى) أيضا، مقتبس من مقطع (على وردة في جنينة نقشنا اسمنا) من أغنية (آخد حبيبي يا بلاش) التى لحنتها لفايزة.
ثالثا: مقطع (وماتطلعوش في العالي يا سلام) من أغنية (ردوا السلام) لعفاف راضي، مقتبس من مقطع (قلت أنا عايزة حبك أنت أعمل ايه بالمال) من أغنية (مال على مال) لفايزة.
رابعا: أن دخول الكورال في أغنية (ليلة من ليالي فاتونا) لنجاة، مقتبس من دخول الكورال نفسه في أغنية (قدك المقياس يا عمري) التى لحنتها لمحرم فؤاد.
خامسا: مقطع التسليم الموسيقي لكوبليه (سمه ما شئت) في أغنية (حبيب الأربعاء) لفايزة، اقتبسه بليغ ووضعه في التسليم بمقدمة (ليلة من ليالي) لنجاة بصرف النظر عن أن روح الأغنية، أغنية (ليلة من ليالي) مأخوذة كلها من طريقتي في استخدام الكورال بالجواب في (قدك المياس) و(صعبان علينا) و(مال علي مال).
سادسا: الدخول في أغنية (على كفي) لفهد بلان مقتبس من مقطع (طول ما أنت في العالي) من أغنية (بالي معاك بالي) لفايزة.
سابعا: مقطع (آه يا خوفي من آخر المشوار) من أغنية (موعود) لعبدالحليم حافظ مقتبس من مقطع (آه آه من حبايبي) من موشح (العيون الكواحل) لفايزة.
الخوري: هذا الاقتباس ألا يطاله قانون حقوق المؤلفين والملحنيين وناشري الموسيقى؟
سلطان: طبعا يطاله ولكني لا أتهم لأقاضي، بل لأقول أن أي لحن في الدنيا عبارة عن فكرة، ومعظم أفكار بليغ ليست من تفكيره.
الجدير بالذكر أنه بعد شهر من نشر هذا الحوار أدار (جورج إبراهيم الخوري) حوار مع (بليغ حمدي) وسأله : محمد سلطان اتهمك بسرقة بعض أجمل جمل أغانيه فما ردك؟
فقال بليغ حمدي بكل هدوء: هناك لخبطة في التواريخ بالنسبة للأخ سلطان، ومن منا وضع موسيقاه قبل الآخر!
الخوري : بس كده؟
بليغ حمدي : كفاية كده!