بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
في المقالة الماضية تعرفنا علي ذكريات الفنان الكبير (عبد الوارث عسر) حول مشاركته في التمثيل وكتابة السيناريو لفيلم (زينب)، واليوم لدينا معلومات طريفة ومسهبة عن هذه القصة التي تحولت إلى أفلام سينمائية، ومن المعروف في تاريخ السينما المصرية وفي مرحلتها الصامتة هى تجربة فيلم (زينب) الذي أخرجه (محمد كريم) وعرض في سينما متروبول في 12 عام 1930، وكانت هذه هى أول مرة يظهر في السينما فيلم مأخوذ عن رواية أدبية، فقصة (زينب) كانت أول قصة مصرية تنشر كتبها الدكتور محمد حسين هيكل، الكاتب السياسي المعروف عندما كان يدرس القانون في فرنسا عام 1910 ونشرها في كتاب عام 1914، ولكنه لم يكتب اسمه عليها بل كتب على الغلاف (مناظر وأخلاق ريفية) بقلم مصري فلاح.
وكان (محمد كريم) قد قرأ قصة (زينب) وهو يدرس في ألمانيا وأعد السيناريو ليخرجها على الشاشة ولكنه لم يجد منتجا واحدا يقبل أن ينتجها بحجة أن أحداثها تدور في الريف وأشخاصها هم فلاحون وأن الجمهور لن يحب أن يتفرج على فيلم في قرية ريفية، وأخيرا لجأ (كريم) إلى صديقه (يوسف وهبي) صاحب (فرقة رمسيس) وعرض عليه موضوع إنتاج الفيلم الذي لن يتكلف أكثر من خمسمائة جنيها فقط فوافق يوسف وهبي.
ولم تكن هناك ستوديوهات للسينما في مصر في ذلك الوقت وكانت الكاميرا تدار باليد وكانت الإضاءة تتم بواسطة مرايا ألصقت عليها قطعة من قماش من التل الأبيض (تشبه الناموسية) أو بواسطة لوحات كبيرة مغطاة بالورق المفضض تعكس أشعة الشمس علي وجوه الممثلين، وفي هذا الفيلم الصامت استخدم (محمد كريم) لأول مرة في السينما (الكاميرا كرين) لتصوير لقطة من أعلي ولتصوير هذه اللقطة كان المصور يجلس على قاعدة كبيرة من الخشب على حافتها سلطت الكاميرا إلى أسفل، واستغرق تصوير هذه اللقطة العلوية ثلاث ساعات وتكلفت 11 جنيها، واستغرق تصوير الفيلم كله سنتين.
ولم يكن التصوير فيها يجري كل يوم بل إن عدد أيام التصوير لم يزد علي 64 يوما لأنه كان ينتظر تغيير الفصول والجو حسب أحداث القصة، فمثلا في مشهد واحد تظهر (زينب) مع حبيبها الفلاح الفقير (إبراهيم) يجلسان تحت شجرة جميز كبيرة وسط الحقول في فصل الربيع، وفي مشهد آخر وفي نفس المكان نري (زينب) وحدها تعيسة حزينة وحيدة تجلس بدون حبيبها لأنها أصبحت رغم إرادتها زوجة لشخص آخر أكثر ثراء.
وهنا نري الطبيعة في صورة مختلفة، نجدها في فصل الخريف فأغصان الأشجار أصبحت عارية وكل ما كان أخضرا يانعا وجميلا أصبح داكنا وقبيحا، وفي هذا الفيلم قدم (محمد كريم) فكرة مبتكرة وهى تقديم مشهد واحد ملون وهو مشهد (زينب) عندما ذهبت إلى السوق لتشتري ملابس ملونة وحلي استعدادا للفرح، وقد صور هذا المشهد كله على فيلم عادي أبيض وأسود ثم أرسل الفيلم إلى باريس لتلوينه باليد في معامل باتيه، وكان طول هذا المشهد 400 متر تكلف تلوين المتر الواحد جنيها كاملا، أي أن هذا المشهد وحده كلف المنتج ربع ميزانية الفيلم تقريبا.
أما قصة (زينب) نفسها فهى تدور أحداثها في قرية مصرية، وهى قصة حب فقد أحبت الفتاة الفقيرة (زينب) شابا قرويا فقيرا هو (إبراهيم)، ولكن أهلها زوجوها من شاب آخر أكثر ثراء وهو (حسن) ولم تكن تحبه، وكانت زينب قد قنعت برؤية حبيبها (إبراهيم) أمام عيونها في القرية وتقابله أحيانا في السر، ثم استدعى حبيبها (إبراهيم) للخدمة العسكرية فعانت (زينب) من ابتعاده عنها معاناة شديدة لدرجة المرض والتزمت الفراش مريضة ثم فاضت روحها من شدة المرض في الوقت الذي كان حبيبها (إبراهيم) يقف كجندي مراسلة علي باب الضابط وهو يشعر بألم لا يعرف سببا له ولا حقيقته.
وعندما نتحدث اليوم عن مدرسة الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية فإننا ننسي أن السينمائي المصري كان يصور أفلامه في الشوارع والحقول وفوق اسطح البيوت منذ 40 سنه لسبب بسيط هو أننا لم يكن لدينا حينذاك ستوديوهات لعمل الأفلام وتصويرها، كان محمد كريم هو أول مخرج مصري أظهر القرية المصرية علي الشاشة، فقد تم تصوير فيلم (زينب) في عام 1928 في قرى محافظات الشرقية والقليوبية والفيوم، وقد استخدم (محمد كريم) عددا كبيرا من الفلاحين الحقيقيين في هذه القري في تمثيل المجاميع في الفيلم، ولم يكن الفلاحون فقط هم الذين يمثلون لأول مرة بل إن كل أبطال الفيلم وهم (بهيجة حافظ وزكي رستم وسراج منير ودولت أبيض وعلوية جميل) كانوا أيضا يقفون أمام الكاميرا لأول مرة.
وحقق فيلم (زينب) الصامت عند عرضه في سينما متروبول في 12 أبريل عام 1930 نجاحا كبيرا، وقد أذهل هذا النجاح أصحاب شركات الإنتاج وكانوا جميعا من الأجانب الذين كانو يضعون العراقيل أمام تنفيذ الفيلم بحجة أن المتفرجين لن يقبلوا فيلما تجري أحداثه في الريف، وبعد نجاح فيلم (زينب) قام الدكتور هيكل بنشر قصة (زينب) في كتاب وكتب عليه اسمه صريحا، وكانت قصة (زينب) هى القصة الوحيدة التي ظهرت على الشاشة مرتين، مرة في فيلم صامت عام 1930 ومرة في فيلم ناطق عام 1952.
وعندما ظهرت الأفلام الملونة حاول (محمد كريم) أن يعيد إخراج قصة (زينب) للمرة الثالثة في فيلم ملون ، وفي مرحلة الفيلم الصامت لم يكن إخراج الفيلم هو المشكلة ولكن كانت المشكلة هى في التوزيع، فلم تكن هناك شركات توزيع بل كانت هناك شركات إنتاج فقط.
لكن كيف تم توزيع فيلم (زينب) بعد عرضه الأول في سينما متروبول عام 1930؟، لقد تم نشر إعلان في (مجلة الصباح) في نوفمبر 1930 يقول: (إلى حضرات أصحاب ومديرى دور السينما بالقطر المصري، كل من يريد استثمار هذا الفيلم العظيم فليخابر – صديق أحمد – متعهد الحفلات المعروف، المخابرة يوميا بمطبعة الرغائب بشارع محمد علي بدار المؤيد بمصر).