كتب : أحمد السماحي
كان الموسيقار النبيل محمد سلطان الذي رحل عن حياتنا خلال الساعات الماضية ابتسامة على شفاه الحياة، وكانت ابتسامته تتسع لكل الناس، وقلبه يتسع لحب الإنسانية، وكلماته تتسع للخير والحب والأمل، قدم عشرات من الألحان التى عكس بعضها شخصيته الراقية التى أحبت الحياة حتى الأعماق، في أحد المرات وأنا أجلس معه في شقته الأنيقة التى تطل على النيل في حي (جاردن سيتي) سألته هل يوجد لحن استعصى عليك ولم يخرج للنور رغم إعجابك بالكلمات؟!، ففكر ثواني وقام من المكان الذي نجلس فيه وبعد دقائق عاد ومعه العود وورقة وقال لي هذه الكلمات، وبدأ يقرأ لي الكلمات التى تقول:
آه يا شتا، فات كام يا شتا
ورجعت تاني يا شتا
فاكر إيديك، فاكر عينيك
فاكر وبيفكرني بيك صوت المطر
آخر ميعاد
آه يا شتا، يا أبوالليالي الحلوة
إمتى راح تعود إشتقت والله
والمطر غسل الشوارع من جديد
اشتقت المشية الجميلة، كل ليلة والله ليك
بشوف إيدي بتحاوط إيديك
تحت القناديل اللي تعكس صورتي
وياك في خيالنا على مية المطر
اللي فوق السكة مشتاقة لكلامنا
والناس بتجري وتستخبى من المطر
وأنا وأنت ناسيين أننا تحت المطر
آه يا شتا
وبعد أن انتهي الموسيقار الراحل (محمد سلطان) من قراءة كلمات الأغنية حكي لي قصتها فقال: الشاعر الذي رسم بالكلمات هذه الصورة هو نفسه الذي قدم لي من قبل (الأيام، وحبيب الأربعاء، ونور لي يا قمر) الشاعر (علي الباز)، ويومها وكنا في نهاية الستينات قرأت (فايزة أحمد) الكلام مرة واثنين وكان من عاداتها إذا ما أعجبتها أغنية أن تقرأها وكأنها تغنيها، ثم تقول بين مقطع وآخر (آه يا سلام).
وسألتني: إيه رأيك يا محمد في الصورة اللي رسمها (الباز) دي؟ فقلت لها: حلوة بس؟! فقالت لي : بس إيه؟! فقلت لها: بس عاوز أقدمها للناس في صورة جديدة، بطريقة جديدة، الناس كلها عارفة أن الأغنية كلمات حلوة ولحن جميل، دي الأغنية في العرف الشائع، لكن أنا عاوز حاجة ثانية، وسألتني فايزة: عاوز إيه؟! قلت لها : مش عارف بالضبط سيبيني أفكر، وبعد عودتي من بيروت أشتغل على اللحن.
وبالفعل سافرت بيروت، وانشغلت (فايزة) بألحانها مع الموسيقار (محمد عبدالوهاب)، وبعد عودتي من بيروت رجعت وبدأت ألحن الأغنية لكن كان اللحن يستعصى على، وكل ما لحنت (كوبليه) أتركه فترة، وأنشغل في أمور الحياة، وبعض الألحان الأخرى، وعندما أتذكر كلمات (آه يا شتا) خاصة عندما يزورونا فصل الشتاء أمسك العود وأبدأ في التلحين لكن أجد نفسي غير راض عن ما أنجزته رغم إعجاب (فايزة) بما لحنته.
وسألتني (فايزة): عايزة تعمل إيه؟! قلت لها: بحلم بأن ألحن الأغنية على طريقة الفيلم السينمائي، أي أكتب لها مقدمة موسيقية كتلك التى تصاحب أسماء الأبطال، ثم أقدم الأغنية مجرد كلمات منغومة، في حين تلعب الموسيقى دور الموسيقى التصويرية، أي لن يكون هناك (لازمة) موسيقية بين المقاطع، ولاتوقف بين الأبيات وإنما غناء متصل له أنغام خلفية هادئه تصاحبه.
ونالت الفكرة إعجاب (فايزة أحمد) لكنني انشغلت عن تنفيذ هذه الفكرة، ومرت الأيام والشهور ونسيت كلمات الأغنية، إلى أن ذكرتني أنت بها بسؤالك عن اللحن الذي استعصى عليك.
رحم الله صديقي الموسيقار المبدع محمد سلطان صاحب القلب الذي لم ينبض بغير الحب والحنان.