كتب : أحمد السماحي
ها نحن نكابد حزنا ثقيلا في وداع الموسيقار المبدع محمد سلطان، الذي رحل عنا منذ ساعات قليلة، وها نحن نضع كلمة (كان) بكل مرارتها قبل الحديث عنه حين نذكر اسمه من الآن فصاعدا، كان الراحل نبيلا يملأ الوجود صدقا ونبلا ويعامل الجميع على طريقة فرسان الزمن القديم وبشهامة أهل الريف مع أنه كان إسكندرانيا وليس قرويا، لكنها روح مصر تعطي الأمانة والوفاء والحب لكل من تشاء، وها نحن جميعا نكابد حزنا لا مثيل له ونحن نضطر اضطرارا قاسيا لتبادل العزاء في فقده، ولو كان موجودا بيننا لحمل عنا جميعا كل هذه الأحزان بكلمة منه، بابتسامة على شفتيه، بقلبه الذي يتسع للجميع بمحبته.
بكى عشاق الأنغام خلال الساعات الماضية موسيقارا كبيرا منحته السماء سحر الموهبة ينفذ بها إلى أعماق النفوس يبث فيها الحب ويؤجج فيها أنبل العواطف والأحاسيس، بكوا مفجر المشاعر الذي يسهر آلاف العاشقين في رفقة ألحانه تؤنس وحدتهم، وهم يسمعونها فتغسل بالأمال بائسهم ويغرس البسمة على شفاه محزونهم.
ربطت بيني وبين الراحل العظيم صداقة وطيدة يعلمها كل من حولي، وكان الصديق الذي أقتحم حياتي بالحب والذي يصافح نظراتي بالتفاؤل وكلماتي بالرشد والنصيحة، تاريخ مليئ بالخير كله والحب كله، أحب الناس وبادله الناس حبا بحب، أحب وطنه فلحن من أجله ولم يكن في تلحينه مدفوعا من أحد بل لم يلحن إلا ما يؤمن به، لهذا كان كل لحن من ألحانه مؤثر في كل من يستمع إليه.
سبق الراحل برامج اكتشاف المواهب واكتشف لنا مجموعة من الأصوات الرائعة التى زينت حياتنا الغنائية بأروع النغمات وأعذبها من هذه الأصوات (هيام هلال، سميرة سعيد، محمد ثروت، نادية مصطفى، مدحت صالح، أماني) وغيرهم، فضلا عن دعمه لكل ما هو جميل وأصيل.
على مدى صداقتنا أجريت معه العديد من الحوارات كان آخرها في بوابة (شهريار النجوم) في شهر فبراير العام الماضي، حيث نشرنا له حوارا فنيا وإنسانيا طويلا من خمس أجزاء كان من أهم عناوينها الآتي:
* أغنيات المهرجانات ستستمر طالما لا يوجد تيار من الغناء الراقي.
* يوجد جهل فى الإعلام والثقافة، وعدم إدراك لقيمة وحضارة مصر.
* أمي حلمت وهى حامل بأنها ستنجب ولدا، وسيكون شبيه بـ (عبدالوهاب)، وعندما قصت رؤياها على والدي سخر منها وقال لها ضاحكا : (بطلي تخاريف)!
* ما يميز طفولتي الطيبة والخجل والانطواء، وكنت أدندن بصوتي عندما تطفأ الأنوار.
* عشقت (محمد عبدالوهاب) فى صغري، وقابلته بالبيجاما.
* أول أغنية قمت بتلحينها وغنائها كانت لإذاعة الإسكندرية بعنوان ( قلبي عليك، روحي في ايديك) وحضر تسجيلها الموسيقار (محمد عبدالوهاب).
* قدمت كل ألوان الغناء كالقصيدة والأغنية الطويلة والقصيرة والموشح.
* قمت بتصعيد (عمر خورشيد ومجدي الحسيني) على المسرح وخطفهما بعد ذلك (أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ!).
* رغم جمال وعظمة صوت (سعاد محمد) لكنني كنت أشعر إنها مطربة تغني ما يعرض عليها فقط، ليس لديها وجهة نظر!
* خفت من زعل (فايزة أحمد) فلحنت (أوعدك) لسعاد محمد!
* أغنية (مشتريكي ما تبيعيش) تعبر عن قصة زعلي من فايزة أحمد، و(أيوه تعبني هواك) أبكت صوت الكروان.
* الشاعر(صالح جودت) كان بمثابة أبي الروحي وله فضل كبير علي.
* نزار قباني أبدى إعجابه بألحاني وطلب مني أن نتعاون فى قصيدة (رسالة من إمرأة).
* عمر بطيشة أعتبره أحد إكتشافاتي وإنسان على خلق ومهذب، وكانت بداية تعاوننا أغنية (زمان غريب يا زمان).
* مجدي نجيب وسمير الطائر قيمتهما كشاعرين أكبر بكثير من شهرتهما!
* فايزة لم تكن إمرأة ذات جمالا مبهر ولا صارخا أو مثيرا، لكنها كانت تمتلك جمالا روحانيا رائعا.
* أخشى أن أظلم (كروان الشرق) إذا قلت إنها كانت السبب فى انفصالنا، أو أظلم نفسي إذا قلت إننى السبب فما حدث بيننا (حاجة بتاعة ربنا)!.
* فخور بأني عشت عصرعبدالناصر والسادات غني لي (العيون الكواحل)، ومبارك لم يكن فنانا والسيسي لديه حس فني خطير!
* الإعلام الذى أعرفه وأحبه هوالذى يصلح ولايهدم، لكن مانراه حاليا فيه هدم لقيم ورموز.
* عندما تزوجت (فايزة أحمد) طلبت مني أن نعمل معا أفلام غنائية لكنني رفضت وندمت فيما بعد على عدم سماع نصيحة كروان الشرق!
رحم الله الموسيقار الكبير محمد سلطان الذي رحل بجسده لكن أعماله ستبقى معانا إلى مالانهاية.