كتب : محمد حبوشة
على الرغم من الاعترضات سواء من جانب العائلة الملكية في بريطانيا أو مطالبة وزير الثقافة بوضع عبارة (قصة من خيال المؤلف)، حتى لاتبدو أحداثه واقعية تتأثر بها الأجيال الجديدة وتعتبرها أحداثا حقيقية، فإن مسلسل الدراما الملكية The Crown، حظى بتقييمات مرتفعة من قبل النقاد، قبل عرضه موسمه الخامس رسميا عبر الشبكة الأمريكية، وهو ما يعد استكمالا لنجاح المواسمى الأربعة الأولى من المسلسل التى لقيت استحسان الكثيرين لسردهم أدق التفاصيل فى الحياة الملكية البريطانية وإن مس الحياة الشخصية للملكة (إليزابيث الثانية) نفسها، ولذا يشار إلى أن البعض يصنف مسلسل (التاج) ضمن أفضل المسلسلات في تاريخ الدراما، حيث حصد الكثير من التكريمات العالمية، وسيطر في 2021 على جوائز (جولدن جلوب)، كما نال جائزة إيمي لأفضل مسلسل درامي.
المسلسل، رغم أن مواسمه الماضية حققت نسب مشاهدة مرتفعة، وتصدرت المراكز الأولى في عدد المشاهدات، لكن الموسم الخامس يحمل عددا من العناصر التي ستجعله الموسم الأكثر إثارة علي الإطلاق، البداية تأتى مع استعداد قصر باكنجهام البريطانى، للتحرك لحماية سمعة الملك تشارلز الثالث، ملك بريطانيا، من تصوير أحداث مسلسل The Crown، حول تفاصيل زواجه المرير وطلاقه من الأميرة ديانا، وعلاقته مع الملكة كاميلا، فى الموسم الخامس، حيث تركز الدراما الملكية الشهيرة على طلاق أمير وأميرة ويلز آنذاك فى موسمها الأخير، والذى بدأ عرضه فى 9 نوفمبر الحالي.
ويتناول (التاج) في موسمه الخامس أيضا حياة العائلة المالكة بمزيج من الحقائق والدراما، ويدور هذا الجزء حول اشتعال القصر الملكي وشعور الأمير (دومينيك ويست) بالاستياء من وضعه في القصر الملكي، خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، وما سمي بحرب ويلز، والمعروفة أيضا بالانفجار الداخلي العلني لزواج أمير وأميرة ويلز آنذاك، حيث يتناول محاولة الأمير تشارلز إقناع الملكة بالتنازل عن العرش، وكانت هذه الفترة مشتعلة بالأحداث في القصر، كما يعرض قصة (الأميرة ديانا) وهى تتصل بأحد البرامج التلفزيونية لكي تعبر عن رفضها للنظام الملكي في بريطانيا في أحد الاستطلاعات حول الموضوع على التلفاز الذي انتهى بنتيجة الثلثين إلى الثلث لمصلحة الملكية.
هذا المزج يجذب ملايين المشاهدين للسلسلة، ولكنه في الوقت نفسه يسبب قلقا مستمرا للقصر، كما يتناول الموسم الخامس الفترة الزمنية الممتدة من عام 1991 إلى قبل وفاة الأميرة ديانا بقليل في عام 1997، مرورا بالعام المروع – كما أسمته الملكة – الذي شهد طلاق ثلاثة من أولادها الأربعة، ومهما كان موقفك من الملكية في بريطانيا، فإن (التاج) ينجح في إثارة نقاش محتدم حولها.
كما أن ظهور الملكة (إليزابيث الثانية) في الموسم الخامس، سيكون بمثابة بث روح الملكة الأكثر شهرة في المملكة من جديد بأحداث وفاتها كانت أسطورة وبالتالي سيكون ظهور شخصيتها خلال الأحداث ظهورا مميزا، فيما كشفت مصادر ملكية بريطانية أن الأمير (ويليام) دوق كامبريدج (محبط) من تسويق مسلسل (The Crown) لوجود مقابلة مراسل شبكة بي بي سي (مارتن بشير) المثيرة للجدل مع والدته الأميرة الراحلة ديانا ضمن أحداث الموسم الجديد، والتي يعتقد أنها (لا شرعية) ولا يجب بثها مرة أخري، وفقا لصحيفة ديلي ميل البريطانية.
كذلك أثير الجدل حول عرض الفيلم الوثائقي للأمير (هارى) وزوجته (ميجان ماركل)، حيث وقع الثنائى اتفاقية مع شبكة (نتفليكسNetflix) في عام 2020، قدرت قيمتها بحوالي 112 مليون جنيه إسترلينى، لتقديم محتوى أصلي يعرض على شبكة البث الشهيرة، من أفلام وثائقية وبرامج تلفزيونية للأطفال، ووفقا لموقع صحيفة Page Six، فإن شبكة نتفليكس أرادت البدء في عرض الأفلام الوثائقية الجديدة عن حياة الأمير هاري وزوجته ميجان ماركل بعد انتهاء عرض الموسم الخامس من مسلسل The Crown، وهو ما طرح سؤالا: كيف سيكون رد فعل الأمير اتجاه المنصة بعد التعاقد؟
كما يكشف الموسم الخامس تفاصيل قصة حب (الأميرة ديانا ودوي الفايد)، وتم الكشف عن كواليس تصوير بعض المشاهد، وعرض هذه القصة علي شاشة تشاهدها الملايين يمثل عرض القصة الأكثر إثارة على الاطلاق في العائلة المالكة، والتي لم يكشف حتي الآن تفاصيل نهايتها بعدد وفاة الأميرة ديانا والتي دفن معها سر الحادث، وأيضا يتناول (التاج) في موسمه الحالي مكالمة (تشارلز) إلى (كاميلا) في عام 1989، التي تم تسجيلها وبيعها للصحافة بواسطة مشغل راديو هاوي، ولا شك أن الملك الجديد لن يسعد لقيام (نتفليكس) بإعادة طرح الموضوع مرة أخرى، ويقول (تشارلز) في التسجيل الذي نشرته صحيفة (صنداي بيبول) في عام 1993، إنه يريد أن (يعيش داخل سروالك) بالتالي يود العودة في حياة أخرى بهيئة (تامباكس) التي تعني (سدادة قطنية)، لكن بالمجمل تبرز هذه الحلقة من (التاج) المودة والعاطفة التي سادت بين كاميلا وتشارلز.
ووفقا لصحيفة (الديلي ميل) البريطانية فإن الموسم الجديد وصفه الكثيرون بأنه مزيج من الخيانة والشر والمرض، ويعمل فريق عمل الجزء الخامس من مسلسل The Crown، على إعادة إنشاء اليخت الملكي البريطاني، كنسخة طبق الأصل من السفينة الشهيرة، من أجل تصوير أحداث المسلسل التي تدور حول العائل المالكة، وحسب موقع (الديلي ميل) تمت إعادة بناء السطح العلوي للسفينة، الذي نقل أفراد العائلة المالكة إلى أكثر من 600 رحلة وارتباطات أجنبية خلال 43 عاما في الخدمة، كما كشفت الصور التي نشرت عن إعادة تشكيل مدخل قصر باكنجهام، والباب الأمامي، وأيضا شارع داونينج ستريت، هو أشهر شارع في قلب لندن بإنجلترا، يطل عليه منزل رئيس الوزراء، ومنزل وزير المالية.
مسلسل The Crown، هو المسلسل الذى تنضم لجزئه الجديد كل من (إليزابيث ديبيكى) لتقديم دور الأميرة ديانا فى مرحلة ما بعد الانفصال عن الأمير تشارلز، الذى سيلعب دوره (دومينيك ويست)، فيما تلعب (إيميلدا ستونتون) دور الملكة إليزابيث، و(ليزلى مانفيل) تقدم شخصية الأميرة مارجريت، بينما يجسد الممثل الشاب أمير المصري شخصية الملياردير المصري ورجل الأعمال (محمد الفايد) في شبابه، ووالد (دودي الفايد) صديق الأميرة ديانا، فيما يجسد الممثل الشاب (مؤمن هشام) شخصية (علي الفايد) شقيق رجل الأعمال المصري محمد الفايد، كما يجسد الممثل الشاب خالد عبدالله البريطاني ذو الأصول المصرية شخصية دودي الفايد، الذي لقى مصرعه مع الأميرة ديانا في حادث سيارة عام 1997، ويجسد الممثل الشاب (أحمد غزي) بالجزء الخامس من المسلسل شخصية الملياردير السعودي الشهير (عدنان خاشقجي) في مرحلة شبابه.
كثيرة هى الانتقادات التي طالت مسلسل (التاج)، ومن الانتقادات التي وجهت له، الأداء العاطفي للأميرة ديانا، الذي جاء ضعيفا حسب ما وصفته شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأميركية في تقرير لها عن المسلسل، من حيث الجودة والفكرة العاطفية على خلاف الأجزاء السابقة من العمل، كما جاء من ضمن الانتقادات أن المسلسل اهتم اهتماما كبيرا بالأميرة (ديانا) ومشكلاتها، ومع السرد الفني للعمل نجد أن عددا من الحكايات تبدو موضع شك، طبقا لما ذكره الموقع.
من ناحية أخرى، رأى تقرير لـ (هيئة الإذاعة البريطانية – بي بي سي) أن المسلسل يسعى إلى التلفيق وتدليس الحقائق، وذلك من خلال تخيل المشاهد التي تأتي من أحداث حقيقية لن يمكن أن يطلع عليها أحد إلا عن طريق سلسلة تاريخية لم يكشف حتى الآن عنها بشكل رسمي، ومن ثم جاءت متخيلة دراميا وهو ما يعد تلفيقا، واستدل الموقع من خلال أحداث الحلقات الأولى في الجزء الخامس على التلفيق المتعمد في أحداث العمل – كما وصفه التقرير – من خلال مؤامرة تنازل الملكة عن العرش، بالإضافه إلى صدمة استطلاع أجرته صحيفة (صنداي تايمز) البريطانية، أشار – على ما يبدو – إلى أن النظام الملكي كان تحت مثل هذا التهديد، وهو ما دفع الأمير تشارلز إلى التحرك ضد والدته، وأن هذا الأمر غير حقيقي.
جدير بالذكر أن الأجزاء الأربعة الأولى للعمل برغم كل الانتقادات التي وجهت لها إلا أنها حققت نجاحا، وحصدت أكثر من 20 جائزة إيمي و5 من جوائز الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتليفزيون (BAFTA)، ومن المقرر عرضه في نوفمبر 2022 على منصة نتفليكس ضمن سلسلة أعمالها الأصلية، وكما هو معروف فإنThe Crown دراما تاريخية، يرصد حياة العائلة المالكة بإنجلترا في عهد الملكة (إليزابيث الثانية) منذ الأربعينيات من القرن الماضي حتى عام 2000، وهو من تأليف بيتر مورغان، مقتبسا عن فيلمه (Queen The – 2006) ومسرحيته (The Audience -2013) وإنتاج Left Bank Pictures و Sony Pictures Television لصالح نتفليكس، والمسلسل يضم مجموعة كبيرة من النجوم العالميين، من بينهم (كلير فوي) الفائزة بجائزة إيمي كأفضل ممثلة عن دورها في أول موسمين من المسلسل، و(أوليفيا كولمان) الفائزة بالأوسكار كأفضل ممثلة عن دورها في فيلم The Favourite، والمرشحون للأوسكار (هيلينا بونهام كارتر، جيليان أندرسون، جوناثان برايس).
وفي النهاية أستطيع القول: إنه رغم كل الانتقادات التي وجهت لهذا المسلسل الذي يخلط بين السيرة الذاتية للأسرة الملكية البريطانية، واستعراض لأحداث وقعت في فترة تولى الملكة (إليزابيث الثانية) العرش، حيث كانت الملكة الدستورية لأربع عشرة دولة من مجموع ثلاثة وخمسين من دول الكومنولث التي ترأستها، كما ترأست كنيسة إنجلترا الأنجليكانية، منذ 6 فبراير 1952 حتى وفاتها في 8 سبتمبر 2022، إلا أنني لا أخفي إعجابي الشديد من خلال مشاهدة الأجزاء الأربعة السابقة، وما شاهدته أيضا من حلقات الموسم الخامس، فقد كنت أشاهد حلقات هذا المسلسل بشغف شديد حيث ينقلنا عبر الديكور المتقن والملابس واللكنة الإنجليزية التي تناسب كل المراحل التاريخية التي مرت بها الأحداث، فضلا عن موسيقى تصويرية آسرة.
ولاشك أنني كنت ومازلت أمام حبكة الدرامية فائقة الجودة، من حيث الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في حياة ساكني قصور العائلة المالكة أو غيرها من أماكن التنزه والاستراحات، وقضاء لحظات تجمع ما بين السخونة خارج إطار القصر والبرودة التي تسكنه بالداخل.. هى إذا دراما تتأرجح بين الواقع والخيال في مزج متجانس لم تفلت فيه لحظة واحدة على مستوى صدق الأداء، وبراعة التمثيل وجودة الإخراج، وإبهار الإضاءة ناهيك عن المونتاج والديكور والموسيقى التصويرية، فإنك ستصاب حتما بمتعة التصوير للطبيعة الساحرة المسكونة بشحنات عاطفية مبررة تارة، ومستنكرة تارات أخري، لكنها إجمالا تعكس جمال الطبيعة في إنجلترا، وعلى برودة المشاعر والأحاسيس لكنك تشعر بزخم درامي يدفع للبهجة والمتعة الخاصة التي تحفز على متابعة المشاهدة.
ليتنا نتعلم في دراماتنا العربية من هذا المسلسل الذي نجح في استمالة كثير من الجماهير حول الكرة الأرضية وليس الإنجليز فقط على جناح الحرفية والإتقان، رغم أنه تعرض للنقد في كل لحظة ودقيقة أثناء عرض مواسمه الأربعة الأولى، وكذلك الحال في موسمه الخامس الحالي، لكن يبقى الجدل الذي أثاره سواء من النقاد في الصحافة البريطانية أو من جانب العائلة المالكة أو الجمهور العادي، هو نوع من الجدل المحبب الذي يثري صناعة الدراما الإنجليزية، على عكس ما يحدث في دراماتنا العربية التي بمجرد إبداء ملاحظات على الحلقات الأولى من جانب جمهور (السوشيال ميديا) سرعان ما يتهم بالجهل وعدم تقدير جهود فريق عمل ظل سنوات يعمل على مسلسل (الضاحك الباكي نموذجا)، لننظر إلى الجانب المشرق في النقد والتحليل، لا أن نكون ضيقي الأفق وينتابنا نوع من غرور أعمي البصر والبصيرة، ففي النهاية نحن نتقبل الجيد من الدراما الحقيقية ونلفظ كل ما هو ردئ وسيئ بالاحتكام للذائقة السليمة.