بقلم : محمد شمروخ
لولا أن الافتراض سيبدو عبثيا لظننت أن أجهزة الأمن المصرية هى التى أوعزت بما يدعى ثورة 11/11، بل ودعمت خفية هذه الدعاوى لتثبت لجماعة الإخوان ومن معها أنها قادرة على استخدامهم لدعم الاستقرار في مصر!
كيف ؟!
لأن فشل الدعوة نتيجته المحققة هى التأكيد على تمسك الشعب بقيادته وأنه مهما بدا حانقا بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة إلا أنه لم يزل متمسكا ببقاء السيسي!
أليس هذا هو الاستثمار النموذجى لغباء الخصوم بتحقيق مصلحة من خلالهم لا يمكن تحقيقها بمساعدة أوفى الأصدقاء؟!
ولماذا؟!
أما إجابة لماذا هذه فليست لسبب واحد، بل لعدة أسباب، أولها: أن هذه الدعوة إلى ثورة 11/11 دائما هى بمثابة الهدية الخفية التى يصر خصوم الرئيس عبد الفتاح السيسي على تقديمها إليه على طبق من ذهب كل مرة!
وثانيها: أن الدعوة تحدث حالة من الاستنفار بين أجهزة الدولة لاسيما الجهاز الأمنى، فيعتبر بمثابة تدريبات عملية على مواجهة المخاطر والاستعداد لمواجهة الطوارئ مع نفض غبار التراخى الملازم للاستقرار وتجديد الهواء من جراء تصور عدم وجود خطر داهم.
إنها تدريبات عملية تلجأ إليها الدول لتحريك الدماء في عروق الدولة!
وثالثها: وهو أهمها أن فشل الدعوة للثورة بهذا الشكل المخزى للداعين إليها يزيد من تمسك الشعب بالرئيس السيسي ورفض أى مظاهر لاحتجاجات جماهيرية ضده، مع إيمان الجماهير نفسها بحق الاحتجاج!
ورابعها: أنه برهان عملى على انعدام التأثير الإخوانى مع بقية خصوم السيسي، داخلياً وخارجياً في الجماهير إلى درجة أن أتباعهم المباشرين أو المتعاطفين معهم لا يستجيبون لدعاواهم، وغاية ما يفعلونه هو أنهم يدعمون دعواتهم في العالم الافتراضي ببوستات وتويتات تصير بلا معنى عند أول اختبار!
وهذه الدعوة الأخيرة وإن لم يثبت أنها خرجت من الإخوان مباشرة، ولكنهم كعادتهم تحمسوا لها ثم ما لبثوا أن تبنوها وجعلوها همهم الأول ليلقوا بكل أوراق اللعب فيها.
ولأن الحكومة (حافظاهم ودارسة حركاتهم وأساليبهم) فإنها تعرف تماماً اتجاهات لعبهم وتستدرجهم إلى الخسارة بعد أن تلقى في روعهم أنهم سوف يحصدون كل المكاسب تحت تأثير ما يمكن أن نسميه (التخدير الثورى) الذي يصور لهم ما بعد الثورة التى يثقون ثقة عمياء في نجاحها، وأنها سوف تعيدهم إلى المشهد مرة أخرى.
لكن هل يمكن أن يكون الإخوان ومؤيدوهم بهذه السذاجة؟!
أجيبك بأنه في البداية يمكن أن يكون الأمر على سبيل إلقاء حجر في المياه الراكدة، لكن شيئاً فشيئا تتراقص في الضباب الكثيف أشباح الأمل في العودة، تحت تأثير ذلك التخدير الثورى.
كما أن تلك الدعاوى مطلوبة أيضا لدى حلفاء الإخوان من التيارات الأخرى، للأسباب نفسها وهى أيضاً مبرر وجودهم لدى الدول التى تستخدمهم للضغط على مصر واللعب بهم كورقة من أوراق اللعب السياسي.
في الوقت نفسه تبدو كنوع من تسطير الكشوف وتسديد الخانات لإثبات أن نشاطهم من فوق أراضيها، بالإضافة للحماية والإيواء والتمويل، له ما يقابله من محاولات تكدير الأجواء في مصر لإفساد المشهد العام، خاصة في ظل حدث عالمى مثل (مؤتمر المناخ) الذي سيؤكد مكانة مصر الدولية وقدراتها على الاستضافة والتنظيم والإدارة، وهو ما سيرسخ إلى أن الأوضاع غي مصر مستقرة، وهذا بالضبط هو ما يؤكد أن محاولات زعزعة الاستقرار بالدعوات الثورية المتوالية التى لا تكف جماعة الإخوان وحلفاؤها عن ترديدها ستذهب سدى، وستكتشف تلك الدول أنه لا تأثير لهم وبالتالى فمكوثهم فيها بغير فائدة مرتجاة، بل إن وجودهم قد أدى لخسرانهم علاقات مع مصر كدولة مستقرة وقوية استطاعت حكومة وشعبا أن تتصدى لتلك الدعوات.
ولا جدوى للترويج بفشل الثورة بمزاعم القمع الأمنى للشعب وأن 110 ملايين مصري يرتعدون خوفا من نظام الحكم القمعى الذي يحكم بلادهم!
بالطبع فالنظام الذي يتمكن من قمع شعب سبق أن أشعل ثورتين في ثلاثين شهرا منذ يناير 2011 وحتى يونيو 2013، لهو نظام يستحق أن يدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية!
هذا فضلا عن أن هذا الزعم هو وصم للشعب بالجبن والتخاذل والتفريط في كرامته، فما الذي منع الشعب من الاستجابة لدعوات الإخوان بالثورة وهم على يقين أنه لو خرج لفرض إرادته بهذا الخروج؟!
فهل ارتضى شعب بهذا القمع ولم يخرج بالملايين لإسقاط النظام الحاكم؟!
لكن الناس في بلادى قد أدركوا الخدعة جيدا وسبق أن ذاقوا وبال ما سبق أن دعا إليه هؤلاء وأولئك، كما أن الدعوة غير خاف بأنها دعوة انتقامية لإفساد المشهد.
كذلك يدرك كل حلفاء الإخوان أن حلم العودة مع التسليم بلاواقعيته وعدم قابليته للتحقق يبدو كذلك مغرقا في العبثية لأن الجميع يدركون أن أسوأ سيناريو ينتظر الإخوان هو عودتهم للحكم!
غير أنهم لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدى أمام مؤتمر صارت فيه أمم العالم ضيوفا مكرمين على مصر وها هم يشهدون توافد خصوم مصر الظاهرين والمستتريين إلى شرم الشيخ.
كيف لهم – مثلا – احتمال ظهور آبي أحمد؟!
كيف يمكن تحمل عودة قطر وضخها المليارات في السوق المصرية؟!
أنى لهم تحمل خروج رئيس وزراء بريطانيا (وقفاه يقمر عيش) بعد فشله في الوفاء بوعده أو تنفيذ وعيده، مع فشل مساعيه للإفراج عن سجين مصري يحمل جنسيتهم؟!
وهل يستوعبون هذا الالتفاف الأفريقي حول مصر؟!
وأهم شيء أنهم أخطأوا الفهم فظنوا أن تضجر الجماهير بالشكوى من موجات الغلاء المعيشي يعنى أن المصريين يمكن أن يغامروا باستقرار بلادهم مهما كلفهم من ثمن.
11/11 أثبت وعي المصريين وإصرارهم على استقرار بلادهم.
11/11 أثبت أن الإخوان لم يفهموا طبيعة هذا الشعب.
11/11 كان بمثابة تجديد ثقة في السيسي ولو كان من بين مجددى الثقة من لا يرضيهم بعض ما يجرى على الساحة، فليس معنى أننى غير راض عن بعض ما يجرى هو أنى ألجأ للخيار الشمشونى لهدم المعبد فوق رؤوس الجميع!
لقد نجح الشعب المصرى في الاختبار بجدارة وأثبت أن وعى المواطن الكادح أعلى من وعي بعض النخبويين الذين هيأ لهم خيالهم المريض أن الدعوة ستجد من يلبيها، ولما خذلهم غروب شمس 11/11 اتهموا الشعب بالسلبية والجبن والتخاذل مع أنهم هم أنفسهم لم يتركوا مساكنهم تحت تأثير حالة نخبوية مريضة لا توصف إلا بأنها (رجاء الخوف وخوف الرجاء).
حقا يستحق بسطاء هذا الشعب أن يسجل في التاريخ وعيهم بما يحاك لبلادهم، فمازال البسطاء هم الأغلبية الساحقة القادرة على الفعل وهم القوة الحقيقية للدفع الى الأمام أو التقهقر للخلف، لذلك كان صمتهم في 11/11 رسالة صارخة إلى العالم كله بأن اتركوا مصر للمصريين، فهم وحدهم أصحاب حق التغيير في هذا البلد ولن يسمحوا لأحد أن يعبث بهم.
تلك هى الهدية الكبرى التى أتاح لها الإخوان السبيل رغماً عن أنوفهم، لكى تصل إلى السيسي، لكن على غير ما يشتهون.
وقد وصلت!