بقلم : محمود حسونة
جاء العالم كله إلى مصر باحثاً من على أرضها عن حلول لقضية التغير المناخي التي تهدد بهلاك البشرية، والتي جعلت من الحياة في مناطق متفرقة على الكوكب جحيماً، بعد أن لاحقت الكوارث الناجمة عن الانبعاثات الكربونية والاحترار المناخي للبشر والحجر والزرع، وبدّلت لون مناطق في أوروبا من أخضر إلى أصفر صحراوي.. جاء العالم ولحقته وسائل الإعلام العالمية التي أرسلت 4500 صحافي من دول مختلفة لتنقل لجمهورها من مدينة شرم الشيخ على مدار الساعة أنشطة (كوب 27) وتصريحات الرؤساء والخبراء عن رؤيتهم للأزمة، والقرارات التي يتوافق عليها الجميع لإنقاذ الكوكب والبشرية من مهددات المناخ القاتلة.
جاء العالم بإعلامه، وبعض إعلاميينا لا يرون، لا يسمعون، لا يستوعبون، وواصلوا مساعيهم المتكررة لاستثارة الرأي العام المصري وشغله بالغث من القضايا، وهو ما يعبر عن أن هؤلاء خارج التغطية، إما لأنهم يعملون وفق أجندات خاصة وإما أنهم لا يبحثون سوى عن إثارة الجدل العقيم بشأن أمور ليست عاجلة، ولا هى فوق مستوى ما يحدث في شرم الشيخ، وإما نتيجة رغبتهم في صرف انتباه الناس عن القضية الأهم عالمياً وقيادة مصر العالم في البحث عن حلول لها، وهى قضية التغير المناخي، وأياً كانت الأهداف والدوافع فإنها تعبر ليس عن جهل ولكن عن دهاء وخبث.
عمرو أديب، الذي يعتبر نفسه نجم الإعلام الأول في مصر، تعامل مع مؤتمر المناخ تعامله مع مختلف القضايا، وقدمه كفقرة في برنامجه الحكاية على قناة (إم بي سي – مصر)، وفي ذات اليوم الذي افتتح فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي وأنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة قمة الرؤساء في مؤتمر المناخ بحضور 120 من الملوك والرؤساء، لم يجد عمرو أديب في هذا الحدث العالمي الأهم ما يستحق أن يخصص الحلقة عنه، واستضاف خلاله المطرب (أحمد سالم) أو كما يطلقون عليه (المطرب النقاش)، محاولاً إثارة الرأي العام ضد إدارة دار الأوبرا المصرية التي رفضت أن يشارك مع أصالة في حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية، وضد الملحن حلمي بكر الذي كان (كما يقولون) وراء هذا القرار، ولم تكن حلقة الاثنين الماضي التي خصص عمرو أديب جزءاً منها لأحمد سالم وأزمة دار الأوبرا معه، ولكنه خصص لهذه (القضية) مساحة في حلقة الأحد، يوم افتتاح مؤتمر المناخ أيضاً.
هى ليست قضية ولا أزمة، ولكن عمرو أديب حاول أن يخلق منها قضية، وفشل، حيث أن تفاعل الناس مع هذا الأمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي كان محدوداً جداً، وربما لأن كل الفئات لا ترى أن هذا هو الوقت المناسب لافتعال أزمة من قرار عادي اتخذته إدارة تعي دورها وتدرك أن هذا الشاب يحتاج إلى الكثير من التدريب حتى يقف على خشبة مسرح الأوبرا.
المعروف للجميع أن الوقوف على مسرح الأوبرا كان، ونتمنى أن يظل حلم كبار المطربين، ومن المعروف أن دَوْر الأوبرا تقديم الفن الرفيع، والحفاظ على التراث الغنائي الذي نتباهى به جميعنا في ظل الهجمة الشرسة لأغاني المهرجانات، وفي ظل تسيد الابتذال في الغناء، ومن حق الأوبرا التي لم تسمح حتى اليوم للنجم الكبير (عمرو دياب) بالغناء فيها، وهو الذي ملأ الدنيا غناءً وإبداعاً وشهرة وتقدم صفوف النجومية في مصر والعالم العربي على مدار ما يقرب من 40 عاماً، أن تقول لا للمطرب النقاش.
الأمر ليس فيه طبقية كما يروج البعض، وليس فيه تقليل من شأن هذا المطرب لأنه يعمل نقاشاً، فالقرار لم يكن منعاً أبدياً ولكنه منع مؤقت، وإذا كان هذا الشاب موهوباً سيأخذ فرصته وسوف يغني على مسرح الأوبرا عاجلاً أو آجلاً .
استمعت إلى صوت (أحمد سالم) عبر اليوتيوب، وأقر أنه أعجبني، وأنه بالفعل موهوب، ولكن يحتاج إلى تدريب وتوجيه كما أقر بذلك خبراء الغناء والموسيقى عبر برنامج أديب، ومنهم الفنان الكبير هاني شاكر، والموسيقار هاني شنودة الذي قرر تبنيه فنياً، ولذا فإن قرار منعه من الغناء في الأوبرا كانت وراءه أسباب موضوعية بعيداً عن التأويلات المثيرة ومحاولة افتعال أزمات غير موضوعية في وقت لا تنقصنا فيه أزمات.
استضافة (أحمد سالم) لم تكن بريئة، رغم أنه شاب موهوب وحاول أن لا يتورط في هذه الأزمة المفتعلة، ولو أنه انساق وراءهم كان يمكن أن يضره ذلك ولا ينفعه، وقد أثبت أنه عصي على الاستدراج إلى معارك وهمية، وأثبت أنه يمتلك مقومات المطرب بعد أن يحصل على التدريب اللازم، ويكفينا أنه لا يخجل من كونه نقاشاً بل يتفاخر بمهنته ومهنة والده، وليس من الأدعياء الذين يحاولون الهروب من حقيقتهم ويرون في بعض المهن انتقاصاً لهم.
الموهوب الحقيقي سوف تفتح له موهبته الأبواب المغلقة، والحديث عن الطبقية وراءه أهداف خبيثة، وأحمد سالم سيغني ويشتهر بموهبته وليس باستخدامه وسيلة لافتعال الأزمات والبحث عن حكاية من قبل أصحاب الحكايات المثيرة والأجندات التي لم تعد خفية على أحد.
mahmoudhassouna2020@gmail.com