رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب : يا … ضرائب المبدعين !

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

تبلغ قيمة الضرائب التى يدفعها المصريون كل عام حوالى 75 % من ميزانية الدولة و التى قدرت فى العام المالى 20/21 بنحو 1.288 ترليون جنيه ، كان نصيب الضرائب منها 965 مليار جنيه ، و هذا الرقم لا يتوقف عن الزيادة كل عام ، حيث من المتوقع انه تخطى حاجز الترليون جنيه عام 21/22 بما يمثل 15 % من الناتج القومى . فالدولة استطاعت خلال 7 سنوات – 7 فقط – زيادة قيمة الضرائب بنسبة 250 % ( نعم الرقم الذى قرأته صحيحا : مائتين و خمسون بالمائة )، فى حين أن الدولة – وفقا لميزانيتها العامة – لا تزيد إيراداتها غير الضريبية عن ثلث الإيرادات الضريبية و هذه الإيرادات مرشحة للانخفاض نتاج للأزمة العالمية . و لم تستهدف الدولة زيادة إيراداتها غير الضريبية بنفس النسبة على مدار الأعوام السابقة.

و المواطن يدفع ستة أنواع من الضرائب المباشرة و غير المباشرة ، فالضرائب المباشرة هى ضرائب الدخل سواء كانت على دخول الأفراد او الشخصيات الاعتبارية. وتخضع لضريبة الدخل المهن الحرة مثل (الطبيب والمهندس والمحامي والصحافي) وغيرها . و تفرض الدولة  على المرتبات والأجور ضريبة كسب العمل، أما ضريبة الأرباح على النشاط التجاري والصناعي فيخضع لها أصحاب المحلات التجارية أو الورش الصناعية أو الشركات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب المنشآت الفردية والمستوردين والحرفيين إلى جانب الضرائب العقارية.

أما الضرائب غير المباشرة فتنقسم إلى نوعين رئيسين: أولهما ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات ، و الثاني هو الضرائب الجمركية المفروضة على السلع المستوردة من الخارج . هذا عدا ما تستقطعه الدولة من خلال ما يسمى بالرسوم والدمغات و الطوابع المخصص إيرادها لجهات محددة . فعلى سبيل المثال لا الحصر تبلغ قيمة الضريبة المفروضة على تجديد رخصة السيارة 30 جنيه فقط ، بينما تبلغ أحد البنود التى تدفعها من أجل اتمام تجديدها ، مبلغ 750 جنيه تحت مسمى رسم تنمية موارد دولة إلى جانب رسوم متعددة و طوابع كثيرة تفرضها الدولة ، ليبلغ إجمالى ما تدفعه ما يتعدى 1000 جنيه مضافة على ضريبة قيمتها 30 جنيها !!!

ضريبة الدخل العام .. يدفع فاتوزتها المواطنون

و خلال سعى الدولة لزيادة إيرادات الضرائب استحدثت أمرين :

الأول هو نظام إلكترونى يضمن دخول جميع الأنشطة و الخدمات داخل المنظومة الضريبية للدولة للقضاء على الاقتصاد الأسود ( الاقتصاد الموازى لاقتصاد الدولة ) الذى يتم بعيدا عن النظام الضريبى لها ولا تستفيد منه الخزينة العامة و يقدر حجمه بحوالى 2 تريليون جنيه ، و تقدر الضرائب المستحقة عنه بأكثر من 330 مليار جنيه تضيع بين (مصانع بير السلم و الأسواق العشوائية و الباعة الجائلين و المهربين ، وصفحات البيع على وسائل التواصل الاجتماعى)، لذا لجأت الحكومة لذلك النظام الإلكترونى ، و قررت أن تمنع التعامل من نهاية هذا العام مع من لم يسجل نفسه داخل ذلك النظام الذى يعرف باسم (الفاتورة الإلكترونية).

و لا أحد بالطبع يلوم الدولة على إجراءاتها لمكافحة الاقتصاد الموازى أو الأسود ، ولكن موظفى الدولة و هم ينفذون تلك الإجراءات لا يفرّقون بين الحالات التى يجب أن يتم فيها تطبيق النظام و الحالات التى لا يجوز فيها تطبيقه.

ضريبة القيمة المضافة غير قانونية على المبدعين

إن قرار الدكتور رئيس مجلس الوزراء و منشور وزير المالية الذى ينص على أن (يلتزم الجهاز الإدارى للدولة بالتعامل بالفاتورة الإلكترونية و أنه يحظر التعاقد مع أى من الموردين أو المقاولين أو مقدمى الخدمات أيا كان نوعها إلا إذا كان مسجلا فى منظومة الفاتورة الالكترونية) قرار تطبقه بعض الجهات الإنتاجية الحكومية على المهن الحرة من الفنانين و الكتاب و الموسيقيين و غيرهم ، برغم أنهم ليسوا موردين و لا مقاولين و لا مقدمى خدمات بل هم مبدعون لا يملكون شركات لها أختام و توقيع رسمى إلكترونى حتى يمكنهم التسجيل فى نظام الفاتورة الإلكترونية !!

و إذا كانت أحد أهداف الفاتورة الاليكترونية: إنشاء أكواد موحدة للسلع تراجعها الجهات المختصة بصفة منتظمة لكى تتأكد من مطابقتها للمواصفات، فهل من الممكن إنشاء أكواد موحدة للتمثيل أو الغناء أو الفنون التشكيلية ؟، و من الجهة التى ستضع المواصفات القياسية له ؟، و كيف ستطبقها ؟، و متى يتم قياسها ؟

بالإضافة الى أن وجود بطاقة ضريبية للمهن الحرة شرط للتعاقد مع أى فنان ، فلماذا المزيد من القيود و الهدف من الفاتورة متحقق ؟، بل إن الفاتورة الإلكترونية تنافى روح القوانين المنظمة للملكية الفكرية ، فتلك القوانين لا تعتبر الإبداع سلعة من الممكن بيعها و شرائها ، بل هو منتج إبداعى يمكن للغير استغلاله لفترة محددة و محدودة  مقابل مبلغ يتفق عليه الطرفان ، و الإصرار على استخدام فاتورة فى الأمور الإبداعية يعنى أنه تم بيع المصنف ، و ليس حق استغلاله فقط ، و هو ما يتنافى مع القانون . و على جانب آخر ليس (التمثيل و الغناء  و الإخراج) مادة ملموسة للبيع ، بل هو نتاج فكرى إبداعى فهل تصدر له فاتورة ؟

الأمر الثانى الذى استحدثته الدولة لزيادة إيراداتها الضريبية هو تطبيق ضريبة القيمة المضافة على أصحاب المهن الحرة . ففي عام 2016 تم إصدار قانون القيمة المضافة وهى ضريبة غير مباشرة تفرض على معظم توريدات السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها ، و المستهلك النهائي هو من يتحمل تكلفة هذه الضريبة في حين يقوم المنتج بتحصيلها واحتسابها وسدادها للحكومة، و هى من أكثر ضرائب الاستهلاك شيوعا فى كل دول العالم .

كيف يمكن تطبيق الفاتورة الإلكترونية على الإبداع واعتبره سلعة؟!

ثم فوجئنا بتطبيق تلك الضريبة على المبدعين !! ، فى البداية قيل إنها ستطبق على من يتجاوز دخله نصف مليون جنيه سنويا ، ثم فوجئنا مؤخرا بطلب أن يسجل الجميع أنفسهم فى تلك الضريبة و تقديم إقرار شهرى لها و سداد مستحقاتها فوريا و لا أحد يدرى ما علاقة ضريبة استهلاكية بالابداع ؟ أو لماذا يدفعها المبدع فى حين أنها ضريبة يتحملها المستهلك ؟ ، و لماذا يتولى المبدع تحصيلها ( دونا عن كل أنواع الضرائب ) من جهة الإنتاج التى يتعامل معها و يتولى توريدها للحكومة ، فى حين أن الجهات الحكومية المتعاملة مع المبدعين ترفض إضافة قيمتها على أجورهم كى يقوموا بتسديدها ، و هنا يتحمل المبدع سداد ضريبة الدخل و سداد ضريبة القيمة المضافة التى لم تسددها له جهة الإنتاج ؟

و فى معظم دول العالم يتم رد قيمة الضريبة المضافة للسائح عند مغادرته !! ، و فى كل الدول التى تفرضها سواء تحت نفس المسمى أو تحت اسم ( ضريبة المبيعات )، فيتم التسوية بين الشركات فيما تدفعها كل منها لتلك الضريبة . أما فى مصر و نتاجا لتطبيقها على الأفراد فليس هناك تسويات تتم فى حساباتها . فلا أحد يفهم على أى أساس تم فرضها ، بل إنها مشكوك فى دستوريتها حيث رفعت نقابة المحامين قضية أمام المحكمة الدستورية و لم يبت فيها حتى الآن برغم صدور رأى هيئة المفوضين و لكنه ليس رأيا ملزما للمحكمة.

إن الحكومة فى سعيها لزيادة إيراداتها الضريبية يجب أن تكون أكثر عدلا و أكثر إنصافا فى تطبيقها لتلك الضرائب و أيضا أكثر منطقية و أن تحاول سد تلك الثغرات و إصلاح العوار الواضح فى التطبيق ، فالضرائب العادلة و المنطقية تحث المواطن على دفعها مهما زاد دخله ، أما الضرائب التى تطبق دون النظر لمدى منطقيتها وأسلوب تحصيلها فتصيب المواطن بالإحباط.

و كم أتمنى ان يتعرض (الحوار الوطني) لمثل هذه الموضوعات بمنتهى الصراحة والموضوعية لنعرف ( راسنا من رجلينا )، هل نحن فى دولة تسعى لنشر الثقافة والوعى و تقف بجوار المبدع و تشجعه أم لا ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.