بقلم : علا السنجري
الحكايات التي تكتمل فيها كل عناصر النجاح من حيث القصة والحبكة الدرامية والحوار السلس الذي يأخذك من حدث إلى آخر وتتابع زمني بين الماضي والحاضر، وغموض البدايات يجعل المشاهد في حالة فضول و جدل لفك طلاسم لغز الحكاية ومعرفة القاتل الحقيقي من خلال سبق الأحداث بالتوقعات، خاصة إذا كانت تدور أحداثها حول جريمة قتل.. هنا تتحول الحكاية إلى دراما واقعية وتصبح البطلة متهمة.
تدور الأحداث في دراما (المتهمة) حول (نورهان) التي تتهم بقتل زوجها بعد حادث سيارة تعرضت له وهى تهرب من موقع الجريمة، وفي المستشفى تكتشف أنها فقدت الذاكرة ويجب ترحيلها إلى السجن، تهرب في سيارة تاكسي تخص (رضا/ علي الطيب)، الذي يجد نفسه متورطا معها لاثبات برائتها، ومن خلال التحقيقات نكتشف أن (نورهان) نشأت في ملجأ للايتام، وتعرضت لحادث حريق في المولد الخاص بقرية زوجها، ليختفي بعده أخوه مريض التوحد (رشيد/ مارك حجازي) ، ولا أحد يعرف طريق له، وأصبحت بعد الحريق مريضة نفسية وفاقدة للذاكرة بشكل جزئي، تتناول أدوية تسبب لها هلاوس، كما يتضح أن لزوجها أخ توأم توفي في حريق أتوبيس، وكان على خلاف مع (شريف/ عادل كرم) دائم بسبب أن والدهما حرمه من الميراث وكتبه باسم شريف، مما يثير الشبهات لدى الضابط (هشام/ محمد دياب)، حيث أن كل الحوادث قضاء وقدر في وقت قصير، ويبحث في أمر جثة (مراد) أخو (شريف) التوأم ، ويعرف أن (شريف) زوجها متزوج من صديقتها (سارة/ مها نصار).
عم زوجها شريف ويدعى (عزالدين / رشدي الشامي) نجده يحاول إتمام بيع بيت البلد لاحتوائه على كنوز مدفونة، ويتعامل مع اثنان من المشرحة هما (عبود ومليجي)، اللذان يتآمران معه لإخفاء أدلة وخطف (نورهان)، لكن المكان يحترق، و تتمكن من الهرب وتصل إلى (سارة) التي تحاول أن توهم نورهان أنهم معا اتفقوا على (قتل شريف)، لكن الطب الشرعي يجد بصمة لمراد في مكان مقتل شريف وجثة في بئر بجوار بيت عبود، ليتضح في نهاية الأمر أن عم شريف (عزيز) اتفق مع سارة على أن يقوموا بتبديل شريف بشقيقه التوأم مراد ليستولوا علي ثروته، وقاموا بخطف (شريف) لحظة الحريق، وتم حبسه، فيما تعامل شقيق زوجها التؤام (مراد) على إنه زوجها قبل أن تكتشف الأمر.
عم (شريف) دبر كل هذا انتقاما من أبيه وأخيه لحرمانه من الميراث، وطمعا في بيت القرية الذي يحتوي على آثار مدفونة، وتبين في الأحداث أن (شريف) تم قتله هو الآخر في اليوم الذي قتل فيه شقيقه وتم تبديل الجثث في المشرحة، فيما قامت (سارة) بقتل عم شريف بعدما حاول قتلها، وتم الحكم على (سارة) بالسجن عشر سنوات إلا أن إصابتها بحالة عقلية جعلها تقضي العقوبة في مستشفى للأمراض النفسية، بينما سافرت (نورهان) الي الخارج برفقة (رشيدأ ولم ينكشف أمرها، لكن المفاجأة الحقيقية في النهاية أن (نورهان) هى التي حرضت (سارة) على قتل (شريف) حين اكتشفت أنه (مراد) وقامت بتسجيل الواقعة لتظهر أنها بريئة، لكنها في الحقيقة متهمة.
القصة فيها إبداع وابتكار لـ (تامر نادي) وهو أيضا المخرج، فجاءت المعالجة البصرية للمشاهد ومواقع التصوير بمنتهى الاتقان تتناغم مع الأحداث وتقنع المتابع جيدا في نسيج درامي متطور مهتم بكل التفاصيل، تلك التفاصيل التي رسمت كل شخصية تجعل المشاهد لا يستبعد أحد من الشك في كونه القاتل، ورغم التوقع للأحداث أحيانا، لكن النهاية جاءت غير متوقعة.
تامر نادي كمخرج احتفظ بإيقاع العمل متماسك، فلا يشعر المشاهد بأي ملل ،حتى النهاية جاءت موفقة إلى حد ما.
أتقن فريق السيناريو البناء الدرامي للقصة من حيث تسلسل الأحداث وترابطها الزمني والحوار ممتاز بلا ملل أو إسهاب وربط الأحداث والشخصيات بخلفيتها الدرامية متشابكة ومتماسكة، لتؤكد تفاصيل القصة والحفاظ على الإيقاع السريع.. شابوه لكل من (أحمد فوزي و مريان هاني وسمر بهجت ونادين نادر ود.محمد جاب الله).
يكمل نجاح العمل باقي العناصر الفنية مثل (الإضاءة والديكور والتصوير الداخلي والخارجي) والأخير تميز بتكوين جمالي من خلال حركة الكاميرا ذات الإيقاع السريع، وإجادة استخدام مشاهد (الفلاش باك) بدون تشتيت، كما نجح في استخدام المؤثرات البصرية بشكل جيد، الموسيقى رائعة ومعبرة، والأزياء مناسبة للأحداث، كذلك الأداء التمثيلي وتعبيرات الوجه.
الأداء التمثيلي قمة في النجاح لجميع المشتركين في العمل وإظهار النضج الفني لكل منهم خاصة (درة) التي قدمت دورا رائعا بمصداقية كبيرة من خلال انفعالات صادقة وإتقان التفاصيل بلا مكياج أو ملابس مبالغ فيها، فقد تمكنت من الشخصية رغم تعودها على الأدوار الرومانسية، أجادت هنا أيضا أدوار الأكشن و الإيقاع السريع بمجهود رائع من الأداء الحركي والمرونة الجسدية، ومن ثم تمكنت من الشخصية بتلقائية، نجحت (درة) في تقديم مزيج من لحظات ثبات وإنهيار وحنين ومحاولات للتذكر ومشاعر متناقضة، وقد جسدت كل ذلك على نحو احترافي.
(علي الطيب)، في كل دور يؤكد أنه موهوب، فهو يطور من أدواته التمثيلية ليصل لنضج فني كبير في هذا العمل، و(محمد دياب) أثبت أنه ليس موهبة غنائية فقط، بل أيضا موهبة تمثيلية، أما (مها نصار) فقدمت دور بانفعالاته النفسية المركبة، وتفوقت أمام زملائها في كل مشاهدها، ربما على عكس الفنان (رشدي الشامي) الذي كان أدائه تقليديا ونمطيا في بداية الحلقات، لكنه مع تطور الأحداث للشخصية عاد للأداء الذكي للعم ذو النفسية السوداوية من أخوه الذي حرمه من الميراث.
قدم (مارك حجازي) شخصية مريض التوحد بشكل مختلف عما قدم من قبل بخصوصية متفردة ، كذلك (أسامة أبو العطا) في دور المحامي، والذي استطاع لفت الأنظار إليه بادائه الممزوج بالكوميديا ليجعل المشاهد ينتظر دوره.
(محمد عبد العظيم) قدم دور (عبود) بنجومية كبيرة فقد أبهر المشاهدين بأدائه القوي للشخصية ليفرض خطوات جديدة إلى المزيد من الابداع في تاريخه الفني، كذلك محمود غريب في دور (مليجي).. نضج فني كبير ليجسد بخبرته أداء الشخص الشرير بإتقان كبير، ليشكل كل من محمد عبد العظيم و محمود غريب ثنائي تمثيل فائق الجودة، وكذلك أداء كل من (عاطف عمار وعماد الطيب و كريم العمري) جاء جيدا، وكذلك (غادة طلعت) اتقان للبنت ذات الأصول الشعبية التي تقف بجوار المظلوم.
الفنان عادل كرم أداء متزن بين شخصيتين مختلفين (شريف ومراد)، أداء هادي بانفعالات بسيطة ومحسوبة بدقة دون مبالغة، وذلك على الرغم من أن اللهجة الأصلية كانت مؤثرة قليلا في طريقة حديثه، لكن تم تبرير ذلك دراميا بأن والدة البطل من أصل لبناني.
يحسب للعمل ميزة كبيرة من الظهور المميز لكل من الفنان (أسامة عباس وماجدة منير) والفنان محمد التاجي (الكيوتي) ليؤكدوا أن النجاح ليس بعدد المشاهد أو حجم الدور، بل بثقل الموهبة والأداء.
(المتهمة).. عمل درامي راق مكتمل العناصر للحبكة الدرامية، كما أنه عمل غير تقليدي يسعى للتجديد في البناء الدرامي والسرد، مزيج بين التشويق واللحظات الإنسانية في خلطة فنية رائعة.