بقلم : بهاء الدين يوسف
قبل أيام قليلة كشفت أمينة متحف في مدينة (دوسلدورف) الألمانية عن مفاجأة صاخبة أن لوحة للفنان التجريدي الهولندي (بيت موندريان) معلقة بالمقلوب في كل المتاحف التي عرضت فيها منذ أن ظهرت للنور قبل 78 عاما، وأن أحدا من عباقرة المتاحف والفنون ونقاد الفن التشكيلي الرفيع لم ينتبه لهذا الخطأ (العبيط).
وكشفت أمينة المتحف أنها عرفت الخطأ بالصدفة حين رأت صورة للوحة حين عرضت في عام 1944 وكانت معروضة في وضعها الصحيح، إلا أنها حين عرضت في متحف الفن الحديث بمدينة نيويورك تم عرضها بالمقلوب، ثم استمر الوضع حين انتقلت اللوحة للعرض في متحف دوسلدورف الألماني، وبعد بحث وتحري اهتدى المهووسون بالفن التجريدي إلى أن الخطأ ربما يكون سببه أن توقيع الفنان الهولندي الشهير في عالم الفن التجريدي كان على ظهر اللوحة وليس على وجهها، وهو عذر أراه أقبح من الذنب (ولا مؤاخذة)، ويؤكد لي ما ذهبت إليه منذ سنوات طويلة أن العديد من نقاد الفن التشكيلي والعديد من كبار متذوقيه الذين لا يبخلون على اقتناء أعمال كبار الرسامين بعشرات الملايين من الدولارات لا يفهمون محتوى تلك الأعمال ولا يقدرونها في الحقيقة، لكن الأمر بالنسبة لهم شكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية.
تذكرني الواقعة بأخرى حدثت قبل 20 عاما تقريبا حين كنت أعمل في دولة الإمارات العربية، وحدث أن قام زميل صحفي مصري يعمل في مجلة أسبوعية تصدر من دبي بتحقيق تسبب في ضجة عنيفة في الوسط الثقافي الإماراتي، حين جعل قردا يشخبط على لوحة بأقلام ألوان زيتية، ثم حمل اللوحة التي أبدعها القرد وقرر أن يدور بها على عدد من نقاد الثقافة والفن التشكيلي المعروفين في الإمارات في ذلك الوقت ليستطلع آرائهم في اللوحة ومعانيها التي تخفى على الرجل العادي، لكنه قام بتعديل بسيط ليشعل حماس هؤلاء النقاد، حين أفهمهم أن من رسم اللوحة هو شيخ مهم في الإمارات لكنه لن يستطيع البوح باسمه، والشيخ في دولة الإمارات يعني أنه منتسب لعائلة حاكمة في أي من الإمارات السبعة التي تتكون منها الدولة العربية الشقيقة.
كما توقع الزميل لم يخذل النقاد (المحترمون) إبداع (الشيخ قرد) وراح يزايدون على بعضهم في تمجيد اللوحة واكتشاف المعاني الظاهرة والخفية والدلالات غير المحسوسة والإيحاءات التي لا ترى بالعين المجردة في شخبطة الشيخ الفنان، ولم يكتشف أي من هؤلاء النقاد مدى زيفهم و سفاهتهم إلا بعد نشر التحقيق على عدة صفحات في المجلة التي نفذ توزيعها بسبب الفضيحة التي اهتم القراء بمتابعة تفاصيلها.