بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
توقفنا مع الفنان الكبير (عبد الوارث عسر) عند بعض الأحداث التي حدثت له أثناء اشتغاله بالتأليف المسرحي، أما عن عمله هو شخصيا بالتمثيل فقد أدهشنا بقوله إنه لم يمثل في حياته ألا أدوار الرجل العجوز المسن وهو هنا يواصل لكي يقول :هناك دور واحد حيرني كثيرا عندما مثلته وأنا في (فرقة عبد الرحمن رشدي) الذي كان قد اختار مسرحية (أوديب) لتقديمها علي المسرح، وكان (أوديب) في هذه المسرحية يحقق فيما سمعه من حكايات غريبة أقلقته ومنعته من الراحة والنوم.
فقد كانت هناك في تلك المملكة القديمة نبوءة منذ القدم تقول إن هناك طفل سوف يولد في بيت الملك وإنه سوف يكون له شان في المستقبل يهدد عرش المل ، وكان بعض حراس القصر قد تلقوا أوامر بأخذ الطفل وتسليمه إلى أحد الرعاة ليقتله، لكن راعي الغنم لم يقتله طمعا في جمع المال عن طريقه بيعه لاحد الملوك، وتم له ما أراد، وكان (أوديب) عندما سمع هذه القصة حائرا ومتوجسا فطلب من التابعين له البحث عن هذا الراعي وسأله: أين أودعت هذا الطفل؟، فقال إنه سلمه إلى ملك كان يقيم في هذه المنطقة وأعجبت به الملكة وقامت بتبنيه واحتضانه وقد عاش معهم الطفل إلى أن توفي الملك ثم انتخب الطفل وأصبح ملكا علي البلاد.
ثم قام أوديب بسؤال الراعي آخر سؤال وهو: هل كان هذا الطفل من دم أحد العبيد أم من دم الملك؟، وقد سأل هذا السؤال بعد أن تأكد انه هو نفسه هذا الطفل الذي جاء في الحكاية وعندما كان (أوديب) يسأل هذا السؤال كان يضغط بشدة على كتف الرجل الراعي وكنت أنا عندما أشاهد هذا المشهد علي المسرح دائما فأجد أن الرجل قبل أن يجيب على هذا السؤال يقع ويركع علي رجليه فيضحك الجمهور، وكنت أعتقد أن الجمهور يهرج لأن المشهد كان تراجيديا وليس كوميدىا وأنا بطبيعتي أومن بأن الجمهور ليس مهرجا لأن الجمهور هو الميزان الذي يوزن الفن والفن الجيد لابد أن يعجب الجمهور هذا هو اعتقادي.
أنا شخصيا وعندما احترفت التمثيل قال لي مدير المسرح: أنت سوف تقوم بهذا الدور وفعلا أديت الدور علي المسرح، وعندما سألني الممثل الذي يقوم بدور أوديب هذا السؤال ضغط على كتفي بشدة فوقعت على ركبتي وضحك الجمهور فحزنت جدا وتحيرت من مو قف الجمهور لان ألمشهد تراجيدي وليس كوميدي، ورجعت إلى المنزل وأنا أفكر وفكرت بأنني لابد أن أدرس الشخصية التي أمثلها جيدا فقرأت في علم النفس وعلم الاجتماع لكي أستطيع تفهم الشخصية التي سوف أمثلها، وبعد ذلك اتجهت إلى التمثيل السينمائي وكنت قد بدأت في كتابة السيناريو لبعض الأفلام طلبوا مني أن أعمل فيلم سينمائي عن مسرحية كنا قد قدمناها بعنوان (إنقاذ ما يمكن إنقاذه).
لم أكن في ذلك الوقت أعرف كثيرا عن الفن السينمائي فقلت إذن أجلس مع المخرج أولا وحضر المخرج وهو كان رجل ألماني أحضره (ستوديو مصر) ليعمل به، سألته كيف أكتب؟: فقال حاول الكتابة بشكل معين ثم اعرضها على، فكتبت و لما قرأ ما كتبته قال المخرج الألماني هذا جيد جدا وشجعني علي الكتابة فكتبت أول سيناريو لي و هو باسم (الحل الأخير) والذي كان من قبل نصا مسرحيا بعنوان (إنقاذ ما يمكن إنقاذه )، وكان هذا أول فيلم ينتجه (ستوديو مصر) مع فيلم (وداد) الذي أخرجه المخرج الألماني هذا، وقد لاقي الفيلم نجاحا كبيرا عند عرضه في دور العرض السينمائي. واستمرت بعد ذلك علاقتي بالسينما وكتابة السيناريوهات.