كتب : محمد حبوشة
لست أدري في واقع الأمر ماجدوى تلك النوعية من الدراما التي تجنح نحو حافة الجنون، من خلال تهويمات غريبة وعجيبة تندرج تحت مسمى (دراما واقعية) ترصد قصصا من الحياة هى في الواقع غير منطقية على مستوى الشكل والمضمون، مثلما جاء في مسلسل (دوبامين)، فمن حيث الشكل يذهب مولفه بخيال مشوش نحو عوالم السوشيال ميديا في محاولة لرصد واقع مزيف باستخدام تقنيات تؤدي بالمشاهد إلى التشويش بأداء يقترب من (الربوت) الذي يتحرك من خلاله الأشخاص بتعليمات من يتحكم فيهم، وهو ما لاحظته طوال مشاهدتي لحلقات غارقة في السلبية ولا تمت للواقع بصلة سوى أداء يبدو جيدا لممثلين مالو نحو استخدام ألعاب ساذجة كأنهم يلعبون أدوارا على مسرح للعرائس.
الحكاية تتلخص في سيناريو غريب وعجيب في تكوينه يقول فيما معناه: أستيقظ صباحا استعدادا للذهاب إلى العمل، قبل غسل وجهي أو تناول إفطاري، أفتح تطبيق فيسبوك لأرى ماذا أصاب أصدقائي ومعارفي والعالم أجمع خلال ساعات نومي القليلة التي لا تزيد عن خمس ساعات في الغالب، أصل إلى عملي، أفتح المتصفح، وقبل أن أشرع في العمل لا بد من مطالعة فيسبوك سريعا، فقد استغرقت ما يقرب من الساعة ونصف بعيدا عن الموقع، ويصادف وجود مناسبة سعيدة في ذلك اليوم، إنه عيد ميلاد إحدى الزميلات، سنحضر الكعك ونحتفل إذن، ولا تنس التصوير من أجل ذكريات جميلة لا تنسى، انتظر، سأضع تلك الصورة على ملفي الشخصي في فيسبوك.
شارف يوم العمل على الانتهاء، سأتحقق من عدد الإعجابات التي حصلت عليها صورتي، اللعنة.. لم أحصل إلا على ثلاثين (لايك) فقط، آه من أصدقاء هذه الأيام، لا يدعمون الفرد أبدا، هل تشعر بتشابه يومك ويومي؟ أعتقد أن أيامنا تتشابه مع أيام الكثيرين، فنحن نستيقظ صباحا ونذهب إلى العمل، وربما نحتفل بعيد ميلاد شخص ما، وبالتأكيد نتفقد حساباتنا في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، تستحوذ منصات التواصل الاجتماعي على الكثير من أوقاتنا، فقد ذكر المجلس القومي للاتصالات أن المصريين يسجلون حوالي 52 مليون زيارة في مختلف منصات التواصل خلال الساعة الواحدة، فلماذا نكثر من استخدام منصات التواصل الاجتماعي إلى هذا الحد؟، وهل يعتبر تكرار استخدامها إدمانا؟ وهل لاستخدامها أي أضرار أخرى؟ تلك الأئلة يحاول صناع (دوبامين) الإجابة عليها في خلط واضح بين عقار (دوبامين) وكونه تطيبقا يبحث عن السعادة في حياة زوجين أو صديقين يقتربان من بعضهما البعض في سبيل خلق علاقة عطفية.
(الدوبامين)، بحسب السيناريو الذي كتبه (محمد جلال) تطبيق صممه (داوود/ مروان يونس) في محاولة يلعب من خلالها دورا كبيرا في التحفيز الإيجابي للعقل ومكافأته، بمعنى إذا ما كنت تعمل بجد واجتهاد للحصول على حافز إضافي من شريك حياتك، أو كنت تذاكر لتنجح في امتحان ما، فإن حصولك على الجائزة أو الحافز أو النجاح في الامتحان يؤديان إلى اتباع تعليمات تطبيق (الدوبامين)، ما يشعرك بالانتصار والرضا عن إنجازك، هل يشعرك (الدوبامين) بالرضا – أو قل السعادة – فقط عند تحقيق إنجاز ما؟، بالطبع لا.. لماذا تشعر بالسعادة عند تناول نوع البيتزا المفضل لديك؟، ولماذا يشعر الرجل بالسعادة بعد العلاقة الجنسية؟، ولماذا يشعر أحدنا بالراحة بعدما يذهب إلى المول وينفق مئات – ربما آلاف – الجنيهات؟
باختصار، يحاول تطبيق (الدوبامين) عندما نفعل أمرا ما محبوبا إلينا، وللأسف تعد ألعاب الفيديو ومنصات التواصل الاجتماعي من محفزات إفراز (الدوبامين) ما يحقق لنا السعادة، والسؤال: كيف ندمن وسائل التواصل الاجتماعي؟: قد تتساءل عزيزي القارئ، يبدو أن إفراز (الدوبامين) ذاك يزيد من شعورنا بالسعادة، فلماذا إذن كل ذلك القلق؟، ألا نرغب في أن نكون سعداء طوال الوقت؟.. اكتشف علماء علم الأعصاب أن الشعور بالسعادة والألم أيضا يعالجان في نفس المناطق بالمخ، ودوما ما يحاول المخ فرض التوازن بين هذين الشعورين، فعندما يزداد شعور الإنسان بالحزن مثلا، يعكس المخ ذلك الشعور في صورة كيميائية بالحد من الحزن وزيادة الشعور بالسعادة، وصولا إلى التوازن، يطلق على هذه العملية: (Homeostasis).
تبدأ العملية بأدائك لفعل يزيد من سعادتك، فيفرز المخ الدوبامين الذي يصل إلى مستقبلاته، فيفعلها لتشعر بالسعادة، في النفس الوقت تحقيقا لمبدأ التوازن، يحد المخ من عدد هذه المستقبلات المفعلة، أي يعمل على حث الشعور بالألم – كيميائيا – إلى أن يكافئ مستوى السعادة، فما النتيجة النهائية؟: النتيجة هى شعورنا المؤقت بالسعادة لبعض الوقت، ثم العودة إلى الشعور العادي، لا سعيد ولا حزين، تفسر عملية التوازن تلك شعور البعض منا بالإحباط البسيط مباشرة بعد حدوث موقف سعيد، يبدو الوضع جيدا حتى الآن، نمارس بعض الأفعال فنشعر بالسعادة ومن ثم يسعى المخ إلى استعادة التوازن الطبيعي، ما ضرر ذلك علينا؟ وما هو الرابط بين منصات التواصل الاجتماعي والاكتئاب؟
الإنسان الطبيعي بحسب سيناريو (دوبامين) يقضي أوقاته ما بين السعادة والحزن، يسعد لتواصله مع أسرته، لمقابلة عدد من أصدقاء المدرسة، لممارسة رياضته المفضلة، لتناول وجبة محببة إليه بعد يوم عمل شاق، كذلك يحبط الفرد من فشل تجربة عاطفية، عدم النجاح في امتحان ما، حدوث خلاف بينه وبين زميل العمل، وقد يحزن لعدم إمكانية السفر في صيف هذا العام، أو لفقدان شخص مقرب، ودعونا ننحرف قليلا عن الموضوع الرئيس لنتحدث عن مشكلة أخرى وهى (الإدمان).. الإدمان ببساطة هو تعاطي مادة كيميائية ما بغرض الحصول على السعادة، ويحدث ذلك – كما شرحنا سابقا – بتحفيز إفراز الدوبامين، لا يكون الإدمان إدمانا إلا بالتكرار، أي أن يعتمد المدمن على هذه المادة الكيميائية أو تلك كمصدر وحيد لسعادته.
يتطور التناول المستمر لتلك المادة المخدرة التي تتمثل في تطبيق (دوبامين) من مجرد محاولة لاكتساب السعادة إلى عادة طبيعية، فالمخ الآن يحتاج لتلك المادة من أجل إفراز الدوبامين بالنسب الطبيعية للحفاظ على المزاج العام للإنسان!، فما الذي يحدث إذا قرر الفرد التوقف عن تناول هذه المواد؟ يتعرض الفرد للأعراض الانسحابية المعروفة مثل التوتر والقلق والأرق، وربما الوصول إلى الاكتئاب، صممت منصات التواصل الاجتماعي لتتكيف مع نظام المكافأة الموجود في المخ؛ فعندما ينشر أحدنا صورة ما أو منشورا فكاهيا أو سياسيا مثلا، فإن أول ما ينتظر الحصول عليه هو الإعجاب أو (Likes)، فتجدنا نزور منشورنا كل خمس دقائق لمشاهدة عدد الإعجابات المتزايد، ويا للصدمة إذا لم يحصل ذلك المنشور على أي إعجابات!
كشف الفنان مروان يونس تفاصيل مشاركته فى مسلسل (دوبامين)، مع المخرج رؤوف عبد العزيز، والذى يشارك في بطولته (ريم مصطفى ومحمد كيلانى وباسل الزارو)، فقد أوضح يونس أن (دوبامين) يعد أول عمل غير كوميدى يقدمه، فهو عبارة عن دراما جادة للغاية، وخالية من أى نوع من أنواع الكوميديا، بالإضافة لاحتوائه على العديد من المشاعر الطاغية، قائلا: (العمل ده كان فى ضغط نفسى كبير.. وأغلب مشاهدى إما فيها عياط أو انهيار أو جنان.. ومشاعر كتير أوى.. أنا طلعت فيه طاقة كبيرة جدا من المشاعر الإنسانية المختلفة، ومن جانبه أعرب المؤلف محمد جلال، خلال تصريحات له: إنه سعيد بردود فعل الجمهور التي تلقاها حيال شخصيات مسلسل (دوبامين)، موضحا أن معظم الآراء كانت إيجابية، موجها رسالة شكر للشركة المنتجة التي تحمست لإنتاج المسلسل، وأضاف قائلا: استغرق العمل على مسلسل (دوبامين) ما يقرب من عام كامل، بدءا من تكوين الفكرة وحتى تنفيذه على أرض الواقع، وتم اختيار أبطال المسلسل بناء على اختياره مع المخرج رؤوف عبد العزيز والشركة المنتجة، وحرصوا على اختيار الممثلين في غير أماكنهم والأدوار التي اعتادوا عليها.
وتابع جلال: حرصنا في مسلسل (دوبامين) على اختيار الفنانين في أدوار غير تقليدية ولم يعتاد الجمهور أن يراهم بتلك الشخصيات، ولعل من أبرز شخصيات المسلسل هى شخصية (ضحى) التي لعبتها الفنانة ريم مصطفى، حيث إن بها العديد من التغيرات، فهي تبدأ أحداث المسلسل بشخصية زوجة ضعيفة، ومن ثم تتحول لشخصية قوية وقد لعبتها ببراعة وإتقان منقطع النظير على عكس تجسيدها لشخصيتها في مسلسل (طير بينا ياقلبي)، وشخصية داوود التي لعبها الفنان مروان يونس بشكل مغاير عن أعماله السابق ليثبت قدرته على لعب أدوار مركبة بتركيبة نفسية معقدة، ومحمد كيلاني في تقمصه الجيد إلى حد كبير لشخصية زيدان، وكذلك بنت شوقي بأداء هادئ ومتزن طوال الوقت.
وأوضح المؤلف محمد جلال، أنه اختار اسم المسلسل ليكون (دوبامين)، إشارة إلى اسم هرمون السعادة أو هرمون الحب، كما أن هناك تطبيق تم صنعه خلال أحداث المسلسل باسم (دوبامين)، وأكد جلال، أن العديد من أحداث المسلسل مستوحاة من الواقع في العلاقات العاطفية، وتحديدا مرحلة الزواج، حيث إنه ركز على تأثير التكنولوجيا على العلاقات العاطفية، ومن جانبي لا أري أن هناك حالات مستمدة من الواقع سوف توظيفه المباشر لعملية قتل (بيسو/ حليم) لـ (تالين/ إسراء رخا) على غرار (مقتل فتاة جامعة المنصورة) وغيرها من عمليات أخرى في هذا الاتجاه العنيف الذي يودي بحياة فتاة ضعيفة جراء تجاوبها السابق في علاقة غير مشروعة، وللأمانة كانت (إسراء) نموذجا للبراءة التي تعكس ملامح الفتاة ضعيفة الحال ضحية التطبيق اللعين.
يقول صناع العمل أن المسلسل يطرح فكرة تأثير السوشيال ميديا علينا وعلى مشاعرنا بقوة شديدة وعلى علاقاتنا الإنسانية أيضا، وذلك بشكل معمق خلال الحلقات، وتلك حقيقة واقعة بحسب أحداث المسلسل، فيمكن أن يقضي المراهق ما يقرب من عشر سنوات من حياته وهو يحدق في هاتفه الذكي، وهذا ليس من قبيل الصدفة، وإنما بحسب ما كشف عنه أحد خبراء التطبيقات الذكية عن أسرار تجارة تصميم التطبيقات الإلكترونية والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي وعلم الأعصاب لمساعدة الشركات أو الأشخاص المغامرين فى ربط الناس مع تطبيقاتها، والذي يرمز لمادة كيميائية تتفاعل في الدماغ لتؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات ويمنح شعور المتعة، وتستخدم الشركة أو الشخص الذي يتحكم عن بعد عن طريق برمجيات خاصة للتأثير على السلوك، والأهم من ذلك تجبر الناس على قضاء مزيد من الوقت مع التطبيق واستخدامه بصفة مستمرة.
وظني أن مسلسل (دوبامين) رغم أن اسم العمل غير معتاد إلا أنه يتناول ويناقش مشكلة وقضية أصبحت أساسية في المجتمع وبين أفراده وأصبحت عامل مهم في حياة معظم الأشخاص وهى عالم السوشيال ميديا والإنلفونسر (البلوجرز)، وكيف أصبحت مؤثرة بشكل كبير في حياة الناس ويحكى العمل عن السوشيال ميديا بكل سلبياتها و إيجابياتها شبه المعدومة في حياة الناس، كما أنه يتناول المشاعر الإنسانية بشكل مختلف وتدور أحداثه في إطار اجتماعي ويناقش عالم السوشيال ميديا وتأثيره على حياة الناس وكيف أصبحت المشاعر تنشأ على تطبيقات إلكترونية.
يدفعنا (الدوبامين) إلى أداء أفعال تلبي احتياجاتنا ورغباتنا، عن طريق التنبؤ بالشعور الذي سيخالجنا بعد التلبية، ومن ثم تخلق معظم وسائل التواصل الاجتماعي مكافآت غير منتظمة، وهذا الأسلوب، اتبعه صانعو ماكينات القمار منذ وقت طويل استنادا إلى عمل لعالم النفس الأمريكي (بورهوس فريدريك سكينر)، الذي اكتشف أن أقوى طريقة لتعزيز سلوك مكتسب عند الفئران هو المكافأة العشوائية من حين إلى آخر، ولجأ إليه صناع المسلسل لإثبات تأثير تطبيق (الدومامين) الإيجائي على حياة الشريكين، لكنه جنح إلى حافة الجنون التي الا تتفق تماما مع مفهوم السعادة .. وهو محاولة تحسب للمؤلف والمخرج والممثلين لكنها جاءت هذه المرة على عكس مسار الحياة الطبيعية لإنسان هذا العصر الذي أدمن تطبيقات الإنترنت.