بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
كانت هى الزياره الأولى إلى لبنان التي أتيحت للفنان الشاب (أ.و) بعد أن لعب بعض الأدوار الثانوية في فيلم لمحمد عبد الوهاب ومع فرقة فاطمه رشدي وفرقة (ثناء محاسن) ثم أخيرا مع فرقه الأخوين عطا الله.
في اليوم الأول لوصول الفرقة إلى بيروت وجدها الفنان الشاب فرصة ليتعرف إلى الشام فقطع عدة مشاوير شرقا وغربا في أنحاء بيروت منبهرا بنظافتها واتساع شوارعها ووفرة كل شيء في محلاتها ونظافتها ونظافة مبانيها ومقاهيها، حتى أحس بالإرهاق فعاد سيرا على قدميه أيضا إلى الفندق الذي عرف اسمه (وين وينه).
وفي الفندق اجتمع بزملائه وأساتذته من الفنانين والفنيين ليصف لهم روعة ما شاهد ثم اتفق الجميع على أن يبدا من الغد استعدادهم لتقديم أول عروضهم.
من الاستقبال تسلم الفنان حقيبه ملابسه وأغراضه ومفتاح غرفته في الدور العلوي من الفندق ليجدها غرفة نظيفة متسعة ومريحة، بدل الفنان ملابسه واستلقى على الفراش يتألم متكددا من التعب حتى أنه نسى إغلاق نافذة غرفته لتوقظه شمس الصباح على أجمل ما يمكن أن يرى من منظر.
كان عاشق شمس الصباح البكر تلاعب رؤوس الجبل قمامها من البعد أو القريب من السلوك واندهش الفنان وهو ما زال يتثاءب من كثرة ساعات نوم من لدغات البعوض أو ما شابه مما كان يتعرض له في مسكنه في إحدى حواري القاهرة.
أحسن الفنان بالجوع فوجد نفسه يرتدي ملابس لينزل إلى الدور الأول حيث مكتب الاستقبال والمطعم وما شابه وما زال يتثاءب وفي عينيه اثار النوم الطويل.. وفي مكتب الاستقبال ناول المفتاح لمن وجد في المكتب، وكان أحد حراس الدور الموكلين به ناوله له وهو يتثاءب مسرعا وسعيدا يقول كأنما يكلم الرجل أو يكلم نفسه:
(يا أخي الناس هنا حظهم حلو ما عندهمش ناموس خالص)
ثم ملتفتا إلى الرجل
تصدق أنا نمت ما حستش بنفسي.
ما فيش عندكم ناموس خالص.
لكن ما أدهشه أن الرجل بدت على ملامحه انفعالات الغضب الشديد وانحنى يسحب بارودة بندقيه من أسفل المكتب ليخرج إلى الفنان ويضعها فوق صدره قائلا والغضب بوجهه، ايش بتقول انت يا زلمة؟!.. انت عم تحكي انه نحن ما عنا ناموس؟
نحن عنا ناموس من قبل ما نكجل عيوننا وجهك هذا الأزعر.
وكان جواب الفنان المندهش ما يزال.
في ايه يا عم.. أنا زعلتك في حاجة.. أنا باقول الحقيقه انتم فعلا ما عندكوش ناموس خالص.
وزاد غضب القبطان الحارس فصرخ في وجه الفنان:
سكر فمك.. العمى بقلبك ولا باخبطك باروده تجيب أجلك وهو ميت على تمك.
وارتفع صوت الرجلين وكادت تحدث جريمة قتلن فهذا الضيف ما زال مصرا على أن لبنان كلها ليس فيها ناموس والقبطان سيتخوا لو استمر فيما يقول.
لكن عنياية الله كانت أقرب إذ دخل إلى صاله الاستقبال في الفندق يتناول طعام (ترويقته) أي الفطار فأسرع (بشاره واكيم) الذي كان ينتظر أحد الأخوين عطا الله للاتفاق على عمل والزيارة والسؤال عن باقي الزملاء من الفنانين.
أسرع بشاره وكيم وباعد بين الرجلين موجها حديثه ألى القبطان الغاضب قائلا:
عيني انت شو فيه؟
ورده الرجل وما زال بندقيته في صدر الفنان.
هذا الزلمى الفلعوط عم يحكي إنه نحن ماعنا ناموس العمى بقلبه.
أدرك بشارة وكيم بسرعه المفارقه البريئه التي كادت تقضي على الفنان الشاب الذي يزور بيروت للمرة الأولى فقال مبتسما:
سيدي ها الزلمه عم يحكي مصري يقصد يقول انه انتم تسلموا لي ما عنكم باعوض (ناموس) بالمصري .. سيدي يعني باعوض.
لينتبه القبطان الغاضب وأنزل بندقيته من صدر الفنان الشاب مبتسما وهو يقول:
ولو احنا ما عنا باعوض حق.
ثم عاد يرفعها مرة أخرى الى صدر الفنان الذي بدأ يفهم ما يدور حوله عندما دفعهم الفنان بشاره واكيم في صدره مندهشا.
يا أخي افهم بقى عندهم ناموس يعني عندهم شرف يعني عندهم أخلاق وتقاليد لكن انت تقصد إنهم ما عندهمش بعوض.
ورد الفنان غير مصدق ما يحدث: فهمت.
فقال بشارة واكيم
خلاص بسرعة قله انه عندهم ناموس .. ناموس كثير قوي لكنك تقصد انه ما عندهمش باعوض.
بسرعه الببغاء قال الفنان الشاب حديث الزياره للشام هذا الكلام فانفرجت أسارير القبطيه عن ابتسامه بانت معها بعض أسنانه الذهبيه فقال: هيك يكون الكلام مضبوط إن احنا عندنا ناموس لكن ما عنا باعوض هيك ولا لا؟!
وعاد يرفع البندقيه من جديد إلى صدر الفنان الذي يرتعد من الخوف فقال
آه آه عندكم ناموس كثير قوي الأستاذ بشارة فهمني على كل حاجة.
أنزل القبضاي بندقته وهو يقول راضيا بكل نفس: هلا رح تتروق .. تناول طعام افطركم ورد الفنان بشارة وكيم: شكرا سيدي.
وقال الرجل وهو يصحبهم إلى المطعم، شو بدكم أي ترويقه تحبوا:
ورد بشارة وهو يتلفظ انفاسه: أي ترويقة.
ثم أشار إلى البندقيه وهو يواصل كلامه
أي ترويقه من غير البندقيه دي
وضحك الجميع من سوء التفاهم البسيط الذي كاد أن يكون سببا في إهدار روح فنان مسكين يزور لبنان للمرة الأولى.