بقلم : محمود حسونة
في زمن أصبح فيه الناس أكثر انشغالاً بالشكل وأكثر تغاضياً عن المضمون، أصبحت الملابس هى التي تخطف الأضواء في المناسبات الخاصة والعامة، فعندما تذهب إلى حفل زفاف تجد الناس لا يتحدثون سوى عن فستان العروس وماكياجها وأحياناً بذلة أو ملابس العريس، في حين يتجاهلون مدى توافقهما أو ملاءمة كل منهما للآخر أو حكاية الحب التي جمعت بينهما أو تضحيات أي منهما لأجل الآخر.
وعندما تذهب إلى حفل غنائي فإن أول ما يلفتك هو الفستان الذي ترتديه المغنية ومساحة العري فيه قبل صوتها وجديدها الذي تقدمه، ونفس الأمر لو كان نجم الحفل مغنياً.
وعندما تشاهد برنامجاً تليفزيونياً فنياً تجد من يشاركونك مشاهدته يحدثونك عن تفاصيل (لوك) النجمات وحتى المواهب الجديدة المشاركة فيه، وتسمع عن مقارنات بين فستان هذه النجمة وتلك ومن هي الأكثر شياكة ومن هى الأكثر تعرياً ومن هي الفاقدة لكل قواعد الذوق في الملبس، ومدى التوافق بين الملابس والاكسسوارات.
عندما تم الإعلان عن تأجيل، أو بمعنى أدق إلغاء مهرجان الجونة السينمائي، تبارى رواد مواقع التواصل الاجتماعي في التعبير عن ارتياحهم لذلك، نتيجة حالة الانزعاج المجتمعي الذي سببته فساتين بعض الممثلات، والتي تجاوزت قواعد الشياكة واستبدلتها بأنماط الإثارة والخلاعة بمساحات العري التي كشفت مناطق لم يسبق كشفها سابقاً في أجسادهن وهو ما اعتبره كثيرون اعتداء على قيم المجتمع، وحوّل المهرجان من مهرجان للسينما إلى مهرجان للتعري.
الفنان حسين فهمي بعد أن عاد لرئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وضع ضوابط على الملابس لمن سيحضرون دورته الجديدة والتي ستنطلق 13 نوفمبر المقبل وتستمر حتى 22 منه، حيث أعلن عن كود للملابس أو Dress Code، يلزم الرجال بارتداء البدلة السموكنج أو التوكسيدو، والنساء فساتين سهرة جميلة بعيدة عن (الفانتازيا) والإثارة المتعمدة، وذلك بهدف تفادي المشكلات التي ظهرت في النسخ الأخيرة من المهرجان، وفي غيره من المهرجانات بسبب ارتداء البعض لملابس مثيرة للسخرية أو مخالفة للأعراف أو متجاوزة للقيم.
كود الملابس أزعج بعضهن وخصوصاً الممثلات اللائي يرتدن المهرجانات ليس لمشاهدة أفلام ولا لحضور ندوات ولا لمناقشة قضايا الصناعة ولا للتعرف على أحدث صيحات السينما وأبرز نجوم الابداع السينمائي إخراجاً وتمثيلاً وتأليفاً وغير ذلك، ولكن للفت الأنظار واستثارة بعض المراهقين فكراً وسلوكاً بصرف النظر عن أعمارهم، وأيضاً سعيا وراء الظهور على شاشة تليفزيونية تروج للإثارة.
حسين فهمي لم يخترع كوداً خاصاً لمهرجان القاهرة، ولا ابتدع نظاماً جديدا له، ولكنه تابع جيداً ما حدث في الجونة، وباعتباره فنان كبير حضر العديد من المهرجانات العالمية ومنها الثلاثة الأوائل عالمياً (كان وبرلين وفينيسيا)، بجانب أنه يعلم قيمة المهرجان الذي يتحمل مسؤوليته ومكانة العاصمة التي يحمل اسمها عالمياً، ويعرف مكانة مصر وحضارتها العريقة في عيون العالم، ويسعى لأن يكون هذا المهرجان إضافة لاسم مصر ولعاصمتها وأن هذا الاجراء إضافة لرصيد مهرجانها عالمياً وتعبير عن تحضر نجوم مصر أمام ضيوفها، ولذا كان قراره وحسمه وتصريحه: (اللي مش عاجبه ما يجيش)، ومعه كل الحق في ذلك، فالمهرجان لن يهزه غياب الساعيات للتعري المروجات للإثارة والمثيرات للفتنة الاجتماعية، من اللائي لا يذهبن إلى فعاليات المهرجان سوى للفت الأنظار وإثارة الجدل.
قرار فهمي ليس بدعة، ولكنه موجود منذ زمن بعيد، فالزي المدرسي مثلاً ليس سوى كود على الجميع الالتزام به لتحقيق المساواة بين التلاميذ، وفي الماضي وحالياً نجد من ينظم حفلاً خاصاً يدعو فيه أصدقاءه بصرف النظر عن المناسبة ويحدد للحضور شكل وطبيعة الملابس التي ينبغي عليهم ارتداؤها، وبعض المطربين في مصر وغيرها يفرضون شكلاً ولوناً محدداً على جمهور الحفل ولعل حفل عمرو دياب في العلمين ليس ببعيد وقد فرض فيه الالتزام بالأبيض لوناً لملابس الحضور، وهو ما أثار حالة من السخرية والامتعاض لدى البعض باعتبار أن اللون الأبيض هو لون ملابس الإحرام في الحج والعمرة ولسنا هنا بصدد مناقشة هذه القضية، ولكنه مجرد سرد لمن يريد أن يعلم أن قرار حسين فهمي ليس سوى قرار تنظيمي للحفاظ على شكل المهرجان وشكل الفنانين المصريين بالخارج، وحتى لا تخطف الملابس الكاميرات التليفزيونية والإعلامية من فعاليات المهرجان السينمائية سواء ندوات أو عروض أو مؤتمرات أو غيرها.
لا يخفى على أحد أن الإعلام أصابه التسطيح، ولم يعد يسعى لمناقشة قضية مهمة بقدر سعيه وراء الإثارة وملء مساحته الزمنية أو الإلكترونية، ولذلك فمن يتابع تغطيات المهرجانات في هذا الزمن الأردأ للإعلام، يجد أن معظم وأحياناً جميع التغطيات تركز على لقاءات وأسئلة عن ملابس الفنانات وتسريحات شعرهن وماكياجهن، ولعل عدم التجاوز الفج في الملابس يكون دافعاً لعودة الإعلام إلى رشده واستعادته لعقله المفقود.
mahmoudhassouna2020@gmail.com