رحيل الأديب بهاء طاهر الذي مثل وأخرج واكتشف نجيب سرور كممثل !
* أول من لفت الأنظار إلى مسرح صلاح عبدالصبور بعد إخراجه (مأساة الحلاج) بطولة محمود مرسي
* سبق (حسن الإمام) وقدم ثلاثية نجيب محفوظ لأول مرة في الإذاعة
* أول من قدم (نجيب سرور) كممثل في (بشار بن برد، والليلة نرتجل)
* نافس كبار نجوم الفن مثل (محمود مرسي، وسعد أردش، وصلاح منصور) فى الإخراج الإذاعي.
* (حفل كوكتيل) قدمه كممثل جميل الأداء
* قدم (صفاء أبو السعود) وهى طفلة مع شقيقتها (وسام) فى مسرحية (أوديب ملكا)
كتب : أحمد السماحي
منذ ساعات رحل عنا الأديب والإذاعي الكبير (بهاء طاهر) عن عمر 87 عاما بعد صراع مع المرض، ونعت الدكتورة (نيفين الكيلاني) وزيرة الثقافة الكاتب الكبير وعبرت عن حزنها الشديد لفقدان كاتب عظيم من رعيل الكتاب الكبار، جادت به أرض مصر ليثري الإبداع والمكتبة العربية بعشرات من الروايات والدراسات، مضيفة: إنه كان يمتلك قلما يفيض عذوبة وإنسانية.
وبهذه المناسبة نكشف عن جانب خفي لم يتطرق إليه أحد، وهو الجانب الفني في حياة هذا الأديب الكبير، ونسأل: هل تاريخ (بهاء طاهر) هو الأعمال الأدبية فقط؟! بالطبع لا!، خاصة وأن الدراسات الأدبية التى نشرت عنه قبل رحيله اهتمت فقط بالجانب الأدبي، ومرت مرور الكرام على جانب آخر هو الجانب الفني والإذاعي، لهذا أعتبر أن أي دراسة قدمت عنه دون تقديم الجانب الفني والإذاعي من تاريخ هذا المبدع فهى دراسة ناقصة، لأن الجانب الإذاعي عنده مليئ بالثراء والكفاح والتجارب الواسعة العريضة المختلفة التى تكشف حقا عن الثقافة الفنية والذوق العام للوجدان المصري في نهاية الخمسينات والستينات، وعن عواطف الناس وعن طريقة إحساسهم بالحياة في تلك الفترة.
وقد أشار بعض الزملاء إشارات سريعة عن عمله الإذاعي، ولكنها إشارات محدودة لا تتعدى بضعة كلمات حيث يكتبون أنه عمل في الإذاعة، واشتغل فى إذاعة (البرنامج الثاني) فقط دون أن يذكروا أي معلومات عن الأعمال الفنية الهامة التى تعكس شخصية ثقافية عبقرية الموهبة، وتعكس قوة الإرادة وعطر السيرة، وتعكس أيضا هذا العشق النادر الحميم فى حب العمل واحترامه، والحرص على أخلاقياته، وذلك الإصرار العنيد على أن يقدم تجارب فنية ثقافية مختلفة، ويكتشف نجوم فى مجال التمثيل والكتابة والشعر، ويثري ميكرفون الإذاعة بأهم المسرحيات العالمية لأكبر الكتاب العالمين من جنسيات ودول مختلفة.
تاريخ (بهاء طاهر) الإذاعي مليئ بالإنجازات الفنية الهامة والمواقف الجميلة والعميقة، فها هو العملاق محمود مرسي يبدع ويصول ويجول في شخصية (الحلاج) فى مسرحية (مأساة الحلاج) التى أخرجها بهاء طاهر لإذاعة البرنامج الثاني، وعندما كان يقرأ محمود مرسي شعر (صلاح عبدالصبور) كان ينقلنا بكل قوة إلى جوهر أحاسيس الشاعر الحزين المتألم، وشعرت بالدموع تفر من عيني وأنا أستمع إلى هذا الإلقاء الجميل لهذا العمل المليئ بالنجوم الكبار أساتذة التمثيل مثل عبدالرحيم الزرقاني فى دور( الشبلي)، عزت العلايلي (إبراهيم)، سامي طموم (التاجر)، عبدالحفيظ التطاوي (الفلاح)، أنور إسماعيل (الواعظ)، سعد ردش (القاضي أبوعمر)، كمال ياسين (ابن سريق)، أحمد راضي (قائد مجموعة الفقراء)، إبراهيم عمارة (قائد مجموعة الصوفية)، مرسي الحطاب (رئيس الشرطة)، إبراهيم الشامي (الحارس)، محمود الحديني (السجين الأول)، عبدالرحمن أبوزهره (السجين الثاني)، عبدالبديع العربي (ابن سليمان)، بالاشتراك مع أنور عبدالعزيز، طارق عبداللطيف، عبدالعزيز أبو الليل، نبيل منيب، أحمد الشناوي، أحمد الناغي.
وكان (بهاء طاهر) أول من لفت الأنظار إلى روعة هذه المسرحية الشعرية، ذات الأبعاد السياسية، واللافت فى هذه المسرحية الفهم العميق لـ (بهاء طاهر) للقصائد الشعرية فى هذه المسرحية وإحساسه بشخصية الشاعر الذي كتب القصيدة وبما وراء القصائد من انفعالات ومشاعر.
طه حسين البداية
أداء (محمود مرسي) المبهر فى رائعة (صلاح عبدالصبور، وبهاء طاهر) أرجعنا إلى صوت وأحاديث (طه حسين) الذي كان سببا رئيسيا في حب (بهاء طاهر) للإذاعة المصرية، لهذا فور تخرجه من الجامعة تقدم لاختبارات الإذاعة ونجح فيها عام 1957 وهو لم يكمل الـ 22 ربيعا، ولهدوئه الشديد اختار أن يعمل فى البرامج الثقافية لبعدها – على حد تعبيره – عن الأضواء وعن المهرجانات السياسية، وأثناء ذلك كان الرائد الإذاعي (سعد لبيب) ينشئ البرنامج الثاني فانضم إلى مجموعة الإذاعيين المثقفين الذين شاركوا في صنع هذه التجربة الرائعة، وقد كون صداقات رائعة استمرت معه العمر كله مع (فاروق خورشيد، فاروق شوشة، إدوارد الخياط، وصبري حافظ).
أوديب ملكا وأنتيجونا
فور عمله فى إذاعة (البرنامج الثاني) قدم مبدعنا الكبير مجموعة من البرامج منها (مع المستمعين، والمسرح والسينما) ومن خلال هذه البرامج شجع كثير من المواهب الشابة وبعث فيهم الأمل، فضلا عن إخراجه مجموعة كبيرة جدا من روائع المسرح العالمي والمصري والعربي، فقدم كمخرج (في انتظار جودو) تأليف الكاتب الأيرلندي صمويل بيكيت، ترجمة فايز إسكندر، بطولة (سعيد أبو بكر، شفيق نور الدين، سعد أردش، أحمد الجزيري، نبيل منيب)، (أوديب ملكاً) تأليف الكاتب اليوناني القديم سوفوكليس، ترجمة د. محمد صقر خفاجه، بطولة (حمدي غيث، عبد الرحيم الزرقاني، زوزو نبيل، حسن البارودي، أحمد الجزيري، علي رشدي، لطفي الحكيم، علي الغندور، محمد الطوخي، محمد السبع، سعد الغزاوي) والطفلتين (صفاء أبو السعود، وشقيقتها وسام أبو السعود).
كما قدم لـ (سوفوكليس) أيضا رائعته (أنتيجونا) ترجمة الدكتور طه حسين، وبطولة (محسنة توفيق، عواطف الحملاوي، سعد أردش، حسن عبد الحميد، أنور عبد العزيز، لطفي الحكيم، سيد الريس، عزيزة حلمي، عبد المنعم أبو الفتوح، أنور إسماعيل، أبو ضيف علام).
قدم نجيب سرور كممثل
ولا يمكن أن ينسى عشاق المسرح العالمي رائعة بهاء طاهر الإخراجية (الليلة نرتجل التمثيل) تأليف الكاتب الإيطالي لويجي بيراندللو، ترجمة سعد أردش، وفيها قدم الشاعر (نجيب سرور) كممثل لأول مرة، وشاركه بطولة المسرحية مجموعة كبيرة من أساتذة التمثيل منهم (سعد أردش، حسن البارودي، ملك الجمل، عصمت محمود، أنعام سالوسة، رجاء حسين، سهير عبد الفتاح، أحمد راضي، حسين قنديل، عاطف طموم، عبد العزيز غنيم، محمد الشريف، عادل هاشم، صلاح عز الدين، سيد القاضي، أحمد الشناوي، سهير رضا، هدى زكي، أحمد شوقي، عبد اللطيف زكي).
وعاد بهاء طاهر وقدم (نجيب سرور) كممثل من خلال البرنامج الرائع الذي يحكي سيرة الشاعر (بشار بن برد) منذ كان غلاما صغيرا إلى أن مات، كتب البرنامج محمد زكي العشماوي الذى لعب دور الراوي، وقام بدور بشار بن برد الفنان الكبير صاحب الصوت المميز الرخيم محمد الطوخي، وشارك فى البطولة (عبد الرحيم الزرقاني، جلال الشرقاوي، عبد العزيز أبو الليل، عبد الرحمن أبو زهرة، عزيزة حلمي، نظيم شعراوي، أحمد راضي، مظهر يونس، سعد الغزاوي، زينب عبد الرحيم، نازك إسماعيل).
ميخائيل رومان مترجما
كما استقطب بهاء طاهر الكاتب المسرحي الكبير ميخائيل رومان وجعله يترجم مسرحية (ذكرى يومي اثنين) تأليف الكاتب الأمريكي أرثر ميلر، وقدمها في أمسية رائعة وقام بالبطولة (كمال ياسين، عبد الغني قمر، عبد الرحمن أبو زهرة، سناء شافع، هناء عبد الفتاح، زكريا سليمان، آمال سالم، علي رشدي، إعتدال المصري، محروس الجرحي، إبراهيم سكر، مرسي الحطاب، نظير عبد الجابر، طارق عبد اللطيف).
الولد الحالم
قدم بهاء طاهر كمخرج مجموعة متنوعة من عيون المسرح العالمي نذكر منها (إيولف الصغير) تأليف الكاتب النرويجي هنرك إبسن، ترجمة محمود سامي أحمد، وبطولة (سميحة أيوب، كريمة مختار، نبيل الألفي، ملك الجمل، أسامة صادق، سامي طموم)، و(تحت أسوار أثينا) تأليف الكاتب الفرنسي بول كلوديل، إعداد: د. أنور لوقا، بطولة (عبد الرحيم الزرقاني، احسان القلعاوي، عبد الرحمن أبو زهرة، نبيل منيب).
و(سيدة من البحر) تأليف الكاتب النرويجي هنرك إبسن، ترجمة نعيم جاب الله، بطولة (نوال الجمل، لطفي عبد الحميد، أحمد الشناوي، عوطف الحملاوي، سعد أردش، محمود عزمي، عايدة عبد الجواد، حسن عبد الحميد)، ولنفس المؤلف والمترجم قدم بهاء طاهر مسرحية (جون جابريل بوركمان 1896)، بطولة (زوزو نبيل، أمينة رزق، إحسان القلعاوي، وعبد الرحيم الزرقاني، فاروق الدمرداش، حسن البارودي، عواطف الحملاوي، صفية إسماعيل).
وعاش جيل الستينات متعة ما بعدها متعة وهو يستمع إلى (جرائم وجرائم) تأليف الكاتب السويدي أوجست سترندبرج، ترجمة عمر مكاوي، بطولة (كريمة مختار، عبد الرحيم الزرقاني، أحمد عبد الحليم، صلاح سرحان، رفيعة الشال، سميحة أيوب، محمود عزمي، عبد الرحمن أبو زهرة، يوسف شعبان،علي الزفتاوي، صفاء أبو السعود، سهير رضا، عبد العزيز غنيم، إحسان أحمد، محمود كامل).
ومن الأدب الفرنسي قدم بهاء طاهر مسرحية (محاورة الشجرة) تأليف الشاعر الفرنسي بول فاليري، إعداد وترجمة أنور لوقا، بطولة (إحسان القلعاوي، أنور عبد العزيز، جلال الشرقاوي).
كما قدم من تأليف الكاتب الأمريكي يوجين أونيل، وترجمة: إدوار الخراط، (الولد الحالم) بطولة (نجمة إبراهيم، نعيمة وصفي، عايدة عبد العزيز، جلال الشرقاوي).
وللكاتب الفرنسي آرتور أدامف، وترجمة صبحي شفيق، وقدم أيضا مسرحية (كما كنا)، بطولة (زوزو نبيل، عمر الحريري، إحسان شريف)، ومن تأليف الكاتب الأمريكي ويليام سارويان، ترجمة عبد الجليل حسن، استمتع جمهور البرنامج الثاني برائعة (أنتم يا من هناك) بطولة (عمر الحريري، عايدة عبد الجواد، إبراهيم فتيحة، عبد الرحمن أبو زهرة، عطيات عوض).
بهاء طاهر ممثلا
في رحلة الكفاح والتجريب قام بهاء طاهر بالعمل كممثل أو كمؤدي من خلال رائعته الإخراجية (حفل الكوكتيل) للشاعر الإنجليزي الأمريكي الأصل (ت. س . إليوت T. S. Eliot)، وهذه المسرحية متعة فنية كبيرة حقا، خاصة أن شعر (ت. س. إليوت) يعتبر فنا صعبا مليئا بالتعقيدات، وذلك لأن (إليوت) يلجأ كثيرا إلى الرموز ويشير فى شعره إلى أساطير قديمة متنوعة، ويحتاج فهم شعره إلى مجهود فكري كبير قد يؤدي أحيانا إلى إفساد المتعة الفنية في شعره.
لكن ذكاء بهاء طاهر الممثل والمخرج مع مجموعة كبيرة من فحول التمثيل الذين قاموا ببطولة المسرحية وهم (محمد الدفراوي، نعيمة وصفي، عمر الحريري، سناء جميل، محمود كامل) جعلونا لا نشعر بصعوبة اليوت بالعكس أحببنا إلقائهم لشعره ولفكره.
أول من قدم ثلاثية نجيب محفوظ
كان بهاء طاهر هو أول من قدم (ثلاثية نجيب محفوظ) كعمل درامي من خلال إذاعة صوت العرب، حيث أعدها أحمد عباس صالح، وقام ببطولتها (يوسف وهبى، أمينة رزق، حسن يوسف، أبو بكر عزت، سناء جميل، سميحة أيوب، عبدالعزيز مكيوي، نعيمة وصفي، فؤاد شفيق، عادل المهيلمي، أحمد الجزيري، حسن البارودي، زوزو ماضي، محمد علوان).
خالتي صفية والدير وواحة الغروب
وبالطبع لاننسى روائعه في مجال الدراما التليفزيونية ومن أبرزها (خالتي صفية والدير، وواحة الغروب)، فضلا عن كتابه الرائع (10 مسرحيات مصرية – عرض ونقد)، وقد حصل الراحل الكبير على عدة جوائز خلال رحلته الأدبية والفنية وعلى رأسها (على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1998، جائزة جوزيبي اكيربي الإيطالية سنة 2000 عن خالتي صفية والدير، جائزة آلزياتور Alziator الإيطالية لعام 2008 عن الحب في المنفى، الجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته واحة الغروب، وجدير بالذكر أن بهاء طاهر رد جائزة مبارك للآداب التي حصل عليها عام 2009 في العام 2011 أثناء الاحتجاجات التي شهدتها مصر، وقال أنه لا يستطيع أن يحملها وقد أراق نظام مبارك دماء المصريين الشرفاء.
هذا بعض من أهم أعمال وإنجازات المبدع الكبير بهاء طاهر الذى رحل عنا مساء أمس الخميس، أزحنا عنها الستار لأول مرة، والتى تكشف عن قاهرة الستينات التى كانت تعج بالفن الرفيع والثقافة والنشاطات والندوات الفنية التى أفرزت جيل من المبدعين المصريين الرائعين فى كافة المجالات.