بقلم : بهاء الدين يوسف
أشاهد هذه الأيام مسلسل أمريكي ممتد المواسم بعنوان (الطبيب الجيد) أو “The Good Doctor” ، وهو عن طبيب شاب مريض بالتوحد يتعرض في صباه إلى تنمر والده لدرجة مزعجة ليس له فقط ولكن لشقيقه الأصغر الذي يصطحبه هاربين من قسوة الأب ليقيما في حافلة مهجورة، ثم يموت الشقيق في حادث ليبقى الصبي المتوحد وحيدا في الدنيا ويكاد أن يغرق في قسوة الحياة لولا أن عطف عليه طبيب كبير مديرا لإحدى أكبر مستشفيات مدينة (سان خوسيه) فيتولاه بالرعاية ويلحقه بكلية الطب، ثم يقاتل من أجل تعيينه جراحا في المستشفى التي يديرها رغم رفض باقي أعضاء مجلس الإدارة، لدرجة إن الطبيب الكبير يقامر ببقائه في منصبه في حال فشل الطبيب المتوحد في إثبات قدراته.
حتى الآن كل شيء ظريف ومؤثر يجعل الدمعة تفر من عيون أصحاب العواطف الجياشة، سواء على مصائب الدنيا التي تحملها الطبيب الشاب المريض بالتوحد وهو يواجه الحياة بكل تقلباتها وبرودتها، أو الطبيب الكبير الذي يظهر طوال الحلقات (التي شاهدتها حتى الآن) في أداء ملائكي أقرب منه للبشر.
لكن لأن العندليب عبد الحليم حافظ لم يخطئ حين قال (في عز الكلام سكت الكلام) كانت المفاجأة التي توقفت عندها طويلا أن الملاك البرئ أو (قلب طيب قوى) على رأي (عمرو دياب) ظهر أنه يهودي، وهو أكثر من حنوا على الصبي المتوحد بينما حتى أغلب المسيحيين والبوذيين من كوريا والصين لم يتفهموا وضع الصبي أو يرحموه حتى بعد أن صار طبيبا (الحمد لله أن المسلسل لم ينتبه لوضع طبيب مسلم متنمر).
العبرة مما قلته أن المسلسل لم يقل للمشاهدين بشكل مباشر أن اليهود محترمين وطيبين وعطوفين، لكنه قادهم إلى ذلك الاستنتاج عبر الحلقات المتتالية، وهذا ما يقودني إلى مسلسل شاهدته منذ فترة بعنوان (أرض الوطن) أو”Home Land” ، وهو يتناول عالم الجاسوسية من خلال أعمال الـ (CIA – سي آي إيه) حول العالم.
في ذلك المسلسل كان الشخص النبيل الوحيد تقريبا بين كل مسؤولي المخابرات المركزية الأمريكية كان هو (سول بارنسون)، وللمصادفة هو يهودي أيضا، ولم يتوقف نبله عند حدود الالتزام بالأخلاق في عالم الجاسوسية الذي يتميز بانعدام الأخلاق، بل إنه في مشهد ضمن الأجزاء الأخيرة من المسلسل يظهر وهو يحاول إقناع شقيقته المقيمة في إسرائيل بضرورة التعايش مع الفلسطينيين لأن لهم الحق في الحياة بدروهم!
شخصيا لست ضد اليهود ولا ضد الإشادة بهم وبأخلاقهم، لكنني أتحفظ بشدة على التركيز الدرامي على محاسنهم فقط وكأنهم ملائكة بلا أخطاء في وقت أظهرت فيه عشرات الأفلام والمسلسلات الأمريكية ليس فقط غلظة المسلمين وقسوتهم ولكن أيضا سفاهة الأثرياء منهم من الدول النفطية، وهى الصورة التي تم تصديرها للمشاهدين حول العالم وفي أمريكا خصوصا طوال السنوات الماضية.
لكن يبقى في الحلق سؤال مختنق: هل ما يحدث في الدراما الأمريكية مجرد صدفة أو هو تخطيط منظم وصولا الى هدف معين؟!، وإذا كان كذلك وأرجح انه كذلك، فأين نحن من ذلك العالم خصوصا أن هناك شركات عربية تملك حصصا في بعض من أشهر الشركات الأمريكية لصناعة الدراما؟!