بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
كان عبد الوارث عسر الذي رحل عن عالمنا قد ولد في حي الجمالية بالقاهرة في 16 سبتمبر عام 1898 وقد أتم تعليمه حتي الثانوية العامة وعمل موظفا بعد ذلك في الحكومة، لكنه أحب التمثيل وانضم إلى (فرقة جورج أبيض) المسرحية في البداية ثم (فرقة عزيز عيد وفاطمة رشدي).
كانو يطلقون عليه عبارة (ولد عجوزا)، وفعلا إذا كنت أيها القارئ من عشاق السينما العربية وتشاهد أفلام المرحلة القديمة جدا من الأفلام السينمائية سوف تلاحظ أن عبد الوارث عسر لم يظهر في السينما شابا أبدا ولكنه كان يظهر بمظهر الرجل العجوز المسن، يأخذ أدوار الوالد أو الجد منذ أول فيلم شارك فيه وهو (يحيا الحب) مع محمد عبدالوهاب، ثم اتجه الي كتابة السيناريو في عدد كبير من الأفلام، يقول عبد الوارث عسر في مذكراته: (الأدوار التي كنت أختارها للتمثيل كانت أدوارا صعبة، ومثلت طوال الوقت أدوار السن الكبير من أول ما اشتغلت في المسرح، وفي (فرقة عبد الرحمن رشدي) مثلت كل الأدوار.
وكان الأستاذ (عمر وصفي) من (فرقة سلامة حجازي) ممثلا عبقريا علمني التمثيل وهو الذي اختار لي أدوار الرجل العجوز المسن، ولم يكن هو وزملاؤه قد درسوا فن التمثيل لكنهم كانوا عباقرة هكذا بالسىليقة، وكنت قبل ذلك موظفا بالحكومة وأقوم بالتمثيل في نفس الوقت، وكانت هناك جمعية اسمها (جمعية أنصار التمثيل) أعدنا إنشاءها وكان (سليمان بك نجيب) أحد أعضائها، ولما أعدنا الجمعية اتصل بي سليمان بك نجيب لكي أشاركه في تكوين الجمعية وكان الأعضاء حوالي 7 أو 8 فقط أخذوا يزداد ون، وانضم إلينا (السيد بدير) والمخرج (أحمد ضياء الدين).
شعرنا بعبقريتهم واستعدادهم الفني، وكان المسرح في ذلك الوقت عبارة عن (فرقة جورج أبيض) و(فرقة عكاشة)، كان هناك أيضا (فرقة الشيخ أحمد الشامي) التي كان يذهب بها إلى الأرياف وكان له شقيق مؤلف مسرحي كتب مسرحية بعنوان (علي كوبري.قصر النيل)، ويوسف وهبي أنشأ (فرقة رمسيس) ونجيب الريحاني له فرقة أيضا تمثل علي مسرح شارع عماد الدين، وعلي الكسار يمثل في فرقة أخري قريبا منها، لكن الفرق الجادة أيامها تعرضت لسيف الرقابة، وفي (جمعية أنصار التمثيل) فكرنا في اقتباس مسرحية ونعربها ونطلق عليها اسم (إنقاذ ما يمكن إنقاذه)، لكن الرقابة اعترضت وقالت إنها تنطبق على موضوع (زيور باشا) رئيس الوزارة، قالوا ابحثوا عن طريقة لأخذ موافقته علي هذا العنوان.
وكان سليمان بك نجيب مديرا لدار الأوبرا كان زيور باشا خاله فذهبنا إليه وقال له إن عبد الوارث عسر ألف رواية اسمها (إنقاذ ما يمكن انقاذه) فضحك رئيس الوزارة قال موافق، فأخبرنا الرقابة بأن رئيس الوزارة موافق علي الاسم،أما حقيقة هذا العنوان فهى: إن سعد زغلول باشا كان قد تولي الوزارة ولم يكن هناك رضى من الإنجليز علي تو ليه الوزارة فعملوا (لعبة مقتل السردار) حاكم السودان فقتله بعض الشبان المصريين، كان قائد الجيش المصري إنجليزى في ذلك الوقت فطلب الإنجليز تسليم الشبان المصريين لمحاكمتهم وأن الجيش المصري يعود من السودان ويظل الإنجليز فقط هناك وتعويض نصف مليون جنيه، رفض سعد زغلول تلك الطلبات فقام الملك باقالة وزارة سعد زغلول مع أن هذا مخالف للدستور وجاء بعده أحمد زيور باشا، وعندما سأل الصحفي زيور باشا: لماذا جئت بعد سعد زغلول؟، قال هذه العبارة جئت (لإنقاذ ما يمكن انقاذه)!!!