بقلم : محمد حبوشة
يبدو أن نقابة الموسيقيين ستشهد فى الفترة المقبلة مزيدا من السخونة بعد أن اعتلى كرسي النقيب الفنان مصطفى كامل خلفا للفنان هانى شاكر الذى استقال بعد خلافات عديدة وأزمات كثيرة داخل أروقة النقابة دفعته فى النهاية لاتخاذ هذا القرار، وظني أن النقيب الجديد دخل عش الدبابير بداية من أول اجتماع له داخل أروقة النقابة، وأعلن عن اتخاذ عدة قرارات جريئة إما أن تتوجه على عرش منصبه الجديد بهالة من الفخر والإنجاز، أو تودي به إلى حافة هاوية سحيقة في حال فشله وتخاذله بحكم وقوعه بين مطرقة الفساد الذي يهدد الذوق العام للمجتمع، وخفافيش مؤدي المهرجانات الذين يحاولون كسر شوكة أي فنان يعتلي هذا المنصب الرفيع على جناح التجاوز وقلة الأدب.
كان مصطفى كامل قد أعلن في أول اجتماع له بمجلس النقابة عن قرارات صارمة أولها: إيقاف التصاريح الصادرة لمطربي المهرجانات مؤقتا لحين عمل اجتماع من أجل دراسة ملف مطربي المهرجانات بالكامل وبطريقة منظمة وذلك للحفاظ على قيمة مصر الفنية، وكان (كامل) قد استبق الأحداث وكتب بوستا على الفيس بوك قال فيه: (الموضوع بقى طايل البيوت، أنا مش طالب منهم يغنوا – من أجل عينيك عشقت الهوى ولا غدا ألقاك – أنا طالب منهم كلمة ما تأذيش بنتي وبنتك، ولا ابني وابنك ولا أبناء الناس، عشان احنا سهرنا الليالي وتعبنا عشان نربي عيالنا، متجيش إنت عشان تجيب عربية جاجوار ولا طيارة خاصة، تـدمر بيتي) في إشارة واضحة وصريحة إلى تصديه لظاهرة المهرجانات التي أصبحت آفة عصرنا الحالي، وأضاف أمس الجمعة على الفيس بوك (يعني إيه شقلطوني في بحر بيرة، وأنتش واجري، إيه الكلمات دي، أغاني المهرجانات أضرت بأولادنا، وتربي ثقافة معينة لو كبر عليها أولادنا سنبني جيلا بلا مشاعر)، وأضاف نقيب الموسيقيين: أنا كشاعر وصانع قبل ما أكون مطرب وملحن أعرف إن فيه فرق بين الإفيه وبين الرخص والتدني في الألفاظ.
ربما تبدو قررات مجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية في اجتماعه الأحد 16 أكتوبر 2022، برئاسة الفنان مصطفى كامل، بزيادة المعاشات بنسبة 10% ليبدأ تنفيذها من الشهر القادم، على أن تزيد المعاشات 10% أخرى ابتداء من شهر يناير المقبل، وأيضا صرف بدل لأسرة عضو الجمعية العمومية في حالة وفاته يقدر بـ 3 آلاف جنيه، وزيادة مبلغ العلاج الشهري إلى 450 جنيها، وزيادة حد العمليات الجراحية إلى 20 ألفا بدلا من 15 ألف جنيه، وكذلك منح جميع أعضاء الجمعية العمومية هدية نقابية وهى إعفاؤهم تماما من كافة الغرامات المترتبة عليهم من قبل ولمدة 5 سنوات، ربما قررات من هذا النوع هى بمثابة تدشين قوي لنقيب جديد يطمح في علاج قصور من سبقه على هذا الكرسي، وهى كلها نقاط إيجابية تصب في مصلحته ومصلحة من انتخبوه.
لكن ظني أن أول الصدمات التي تواجهه هو تصديه للفساد بشكل مباشر بقوله: هناك شلة متحكمة في أمور النقابة وبتاكل الأخضر واليابس وبأمر الله مش هسيبهم.. أنا معنديش هزار)، وقال مصطفى كامل: (بخسر الدنيا بسبب صراحتي، ومش عايز أضايق ناس عزاز عليا وهاني شاكر قيمة كبيرة وصديق عمر)، وفي هذا الصدد قرر إيقاف سعد المتولي المستشار القانوني لنقابة المهن الموسيقية، وإحالته للتحقيق بتهمة الفساد الموجهة له، وخلال المؤتمر الصحفي قرر أيضا تجميد عضوية زوجة سكرتير نقابة المهن الموسيقية وإحالتها هي الأخرى للتحقيق في تهم الفساد الموجهة لها، وأكمل مصطفى كامل: (فى تهديدات وصلت للنقابات الفرعية بتقول لو منحت صوتك لمصطفي كامل هنشيل النقابة الفرعية بمجلسها وده عيب.. وصلنا لمرحلة سيئة إحنا مش في غابة ولازم الشئون القانونية بالنقابة تزكي العدل ومش كل السرقات ليها مستندات تبث الواقعة).
إذن كما قلت من قبل دخل (مصطفى كامل) عش الدبابير، وقرر مواجهة الفساد داخل النقابة وخارجها، في ظل عدم مساندة نجوم الغناء والموسيقى له في مهمته الجديدة، فقد أثار فوز المطرب الشعبى والشاعر مصطفى كامل بمقعد نقيب الموسيقيين موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك وتويتر) بوصفه (مطرب الميكروباصات)، وفيما استمرت حالة التجاهل من جانب كبار المطربين والموسيقيين الذين لم يهتموا أصلا للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات وتركوها للمطربين الشعبيين والآلاتية.
من جانبه برر الملحن صلاح الشرنوبى فوز كامل بمنصب نقيب المهن الموسيقية بأنه سيلبى احتياجات أعضاء النقابة خاصة البسطاء منهم، الذين تتلخص مطالبهم فى تأمين معيشتهم، وهو ما أيده الفنان حميد الشاعرى الذى قال إنه رغم عدم تحيزه لمصطفى كامل إلا أنه يحترم اختيار الجمعية العمومية، خاصة أن أعضاء النقابة رأوا فيه أنه يستطيع تلبية احتياجاتهم، تحديدا البسطاء منهم أصحاب المعاشات، وعلى صعيد آخر انتفض نشطاء الفيس بوك وتويتر لخبر إعلان فوز مصطفى كامل بمنصب النقيب الذى أثار جدلا واسعا، وتباينت التعليقات بين رفض فكرة وجود كامل على مقعد النقيب، وتعليقات أخرى تسخر من الحال الذى وصلت له جميع مؤسسات الدولة لدرجة أن نقابة الموسيقيين التى ينتمى اليها كثير من العمالقة تقف مكتوفة الأيدى أمام تنصيب المطرب الشعبى مصطفى كامل نقيبا لها.
ربما أحاطت الأزمات نقابة الموسيقيين طوال تاريخها فقد شهدت كثير من الصراعات على منصب النقيب، حيث بدأ الصراع عندما تولت أم كلثوم رئاستها بعد أن قامت بإنشائها عام 1942 حيث كان الهدف من تأسيسها مساعدة أعضائها والحالات المرضية، إلا أن هذا الأمر قوبل من الموسيقار محمد عبد الوهاب بالرفض التام معلنا عدم قبوله بأن تتولى رئاسة النقابة إمراة وهو الامر الذى أصاب كوكب الشرق بصدمة شديدة.
وبرغم من صدمة أم كلثوم فيما قاله محمد عبد الوهاب إلا أنها قررت أن تدعو الى انتخابات بينها وبينه ومع ذلك سمحت بأن يكون هناك انتخابات بينها وبينه وفازت كوكب الشرق بالمنصب واستطاعت أن تحقق أهدافها النبيلة منذ أن قررت تأسيس هذه النقابة وهو الأمر الذى عزز موقفها فى الانتخابات على مدار 7 دورات متتالية وتحديدا حتى عام 1952، وتعرضت أم كلثوم لعديد من المواقف الصعبة خلال فترة رئاستها للنقابة وتحديدا بعد قيام ثورة 23 يوليو، حيث لاقت هجوما شرسا عليها وأصوات تطالبها بضرورة الاستقالة من منصبها بسبب غنائهها للملك فاروق وكونها محسوبة بشكل أو بآخر على النظام الملكى
وهو الأمر الذى تسبب فى إطاحتها من الإذاعة المصرية والنقابة أيضا، إلا أنها تدخلت سريعا لانقاذ نفسها بمساعدة الكاتب الصحفى مصطفى أمين والذى تحدث مع الرئيس جمال عبد الناصر والذى أعادها مرة أخرى الى منصبها بالنقابة والإذاعة.
وبعد فترة قصيرة تحولت نقابة الموسيقيين فى عام 1952 إلى نقابة مستقلة وقررت أم كلثوم أن لا ترشح نفسها مرة أخرى على منصب النقيب، وهو ما تحقق بالفعل وتولى بعدها الموسيقار محمد عبد الوهاب منصب النقيب والذى استمر حتى
عام 1958 ، ليتولى منصب النقيب بعده الملحن عبد الحميد عبد الرحمن ولكن لم يدم طويلا، حيث قرر الرئيس جمال عبد الناصر أن يحل كل النقابات وقام بتجميد نشاط نقابة الموسيقيين 20 عاما.
وبعد فترة وتحديدا فى السبعينيات تم إعادة الروح إلى نقابة الموسيقيين حيث تولى مننصب النقيب أحمد فؤاد حسن، والذى دخل فى صراع طويل مع الموسيقار صلاح عرام وظلا يتناوبا على منصب النقيب لفترة طويلة حتى استقر المنصب لدى الموسيقار حلمى أمين، والذى لم يهنأ كثيرا حيث طالته عديد من الاتهامات والحروب لتصل بالنهاية الى الموسيقار حسن أو السعود والذي واجه أيضا عديد من الأزمات إلا أنه صمد أمامها
وقرر أن يواجه هذه الحروب حتى وافته، وبعد الموسيقار حسن أبو السعود تولى منصب النقيب الموسيقار منير الوسيمى، وذلك فى عام 2011 وطالته عديد من الاتهامات أيضا والحروب داخل النقابة إلى أن جاء إيمان البحر درويش الذى لم يستمر فى منصبه طويلا حيث قرر مجلس النقابة سحب الثقة منه وتولى المنصب مصطفى كامل، وهو الأمر الذى تسبب فى اشتعال الأزمة بينه وإيمان البحر درويش وتبادلا الطرفين عديد من الاتهامات حتى استقر مصطفى كامل بمنصبه قليلا، وبعدها تم فتح باب الانتخابات مجددا ليدخل هانى شاكر فى الصراع، واستطاع أن ينتزع منصب النقيب الا أنه دخل فى صراعات طويلة مع الوسط الفنى تارة وتارة أخرى مع أعضاء النقابة وهو الأمر الذى دفعه للاستقالة.
وها هو مصطفى كامل يعاود الكرة من جديد ليستكمل الصراع الأعنف في حياته بتوليه منصب نقيب الموسيقيين في فترة عصيبة من تاريخ مصر، والتي يتهدد عرش غنائها من جانب بعض مؤدي المهرجانات القبيحة التي أصبحت ظاهرة سلبية على مستوى الكلمات والألحان والغناء الذي يشبه نعيق الغربان في خرابة تكتظ بنفايات الغناء الرديئ .. وهنا السؤال: هل يمكن أن يتغلب مصطفى كامل على كافة العقبات التي ستقابله في قادم الأيام ويقوى على المواجهة كما سبقه في ذلك نقباء عظام استطاعوا أن يحافظوا على الكلمة واللحن والهوية المصرية وتنمية الذائقة التواقة إلى النغم الأصيل؟ .. أتمني أن ينجح (كامل) ويخيب آمال منتقديه بالوصول إلى ضفة الأمان بأهم نقابة فنية في مصر.