بقلم : محمود حسونة
مثلما تكون الشهرة نعمة للبعض تكون نقمة على البعض الآخر، تكون نعمة لمن يدركون زيفها ويتسلحون بسلاح العلم والمنطق في مواجهة مغرياتها ويحكّمون العقل في اختيار مستشاريهم ومديري أعمالهم، ويستطيعون التمييز بين المطبلاتية والصادقين حولهم، ولا تطربهم كلمات الإطراء المزيفة والمجاملات الفجة والمديح الدائم.
الموهبة تقود غالباً إلى النجومية، ولكن الحفاظ عليها يستلزم عقلاً واعياً ونفساً سوية وقدرة على التمييز بين المرتزقة والصادقين في الدائرة الضيقة المحيطة. ومع غياب العقل وفقدان المنطق يمكن أن يجد النجم نفسه محاطاً بأصدقاء سوء وأصحاب مصالح يهوون به إلى القاع بدلاً من أن يرفعوه إلى القمة أو على الأقل يساعدوه على الحفاظ على المكانة التي يصل إليها.
كثيرون يحسدون النجوم على مكانتهم ويحولونهم إلى مادة للنميمة والحسد والتسلية في مجالسهم، وهم لا يدركون أن هؤلاء الناس ليسوا سوى بشر مثلنا، يبكون ويضحكون، يكتئبون ويسعدون، يتألمون في صمت أحياناً ويصرخون من شدة الألم النفسي أحياناً، ولكنه الصراخ المكتوم الذي لا يسمعه سواهم والألم الصامت الذي لا ينبغي أن يحس به الناس. مطلوب منهم أن يظهروا أمام الكاميرات ووجوههم مبتسمة أياً كانت أوجاعهم الداخلية، يتحدثون فلا يقولون سوى الصواب وإلا أصبحوا مادة للسخرية اللاذعة أو الغضب الجماهيري، وكأنهم روبوتات مبرمجة على ما يرضي الناس ويشبع نهم الطامعين كل الوقت.
شيرين عبدالوهاب، صوت مصر، صوت النيل النابع من أعماق حضارة أبهرت العالم، موهبة متفردة وصوت لا يشبه إلا نفسه وعقل فطري، أبدعت غناءً وتألقت واستحوذت على مكانة خاصة في قلوب عشاق صوتها والمدركين لعمق إحساسها، ولكنها أيضاً سيدة فطرية، تتكلم بلا حساب وتنطق بما يخطر على بالها، تفتقد القدرة على تنميق الكلام وغربلة الحروف والتمييز بين ما ينبغي النطق به وما ينبغي السكوت عنه، وهو ما أوقعها في العديد من الأزمات ووصل الأمر أحياناً إلى حد التشكيك في وطنيتها، ورغم ذلك لم تتعلم من أخطائها، ليس غروراً ولا تعالياً بل بسبب فطرتها اللامحدودة والتي تصل إلى حد عدم الوعي بعواقب ما تقول وما تفعل.
موهبة أمتعت الملايين على خريطة العرب، وجمعت حولها عشاق الإحساس من المحبين والمغدورين والمخدوعين والموجوعين، وهى تتوجع في صمت وتقاوم منفردة مؤامرات إسقاطها في مستنقع الضياع، الذي حاولت مراراً الخروج منه ولكن الشيطان الذي سكن قلبها ونام بجوارها وأوهمها انه الملاك الحارس لموهبتها والرجل الحامي لضعفها كان لها بالمرصاد، كلما حاولت الخروج جذبها بقدراته الشيطانية إلى المستنقع، وكلما حاولت الفرار من عالمه ألقى حولها بشباك الحب ليعيدها وكأنه لا يرضى لها الخروج من مستنقع غرق فيه ولا مجال أمامه للخروج منه، قدمت له الحب والمال والشهرة، وقدم لها العنف والقهر والإدمان، شاهدها كبيرة القيمة والموهبة ولم يقبل لها سوى أن تكون ضئيلة حتى تليق به.
ولم يكتف بأن يكون وحده الهادم لموهبتها فجمع حولها الحاقدين أمثاله ليحيطوها من مختلف الجهات وتعجز عن الخروج من مستنقعه الآسن بكل العفونة والإدمان، وعندما قرر شقيقها ووالدتها إنقاذها ولو عنوة وإخراجها من عالمه القذر وعلاجها من الأمراض التي سببها لها ونقلها إلى المستشفى لأجلها ولأجل بناتها ولأجل مستقبلها، هرول وراءها إلى المستشفى محاولاً إخراجها حتى لا يفقد الدجاجة التي تبيض له ذهباً وحتى لا يبقى وحيداً في مستنقعه، وهرول معه المرتزقة الذين يأكلونها حية ولا يقبلون بفرارها من عالمهم الموبوء، هرولوا ووقفوا أمام المستشفى ينادون عليها بعد أن منعتهم الإدارة من زيارتها، وعندما فشلوا في تنفيذ مخططهم استعانوا بمحاميها لإخراجها والادعاء على الشقيق الذي تجرأ عليهم وقرر إنقاذ شقيقته من براثنهم مهما كانت التحديات، وانساق وراءهم المحامي وعندما علم بالحقيقة وأدرك أنهم يستخدمونه أداة لتحقيق غايات رخيصة، تراجع وقرر الوقوف في صف الشقيق لإنقاذ موكلته.
أصعب أنواع الخيانات تأتي من المقربين، وعندما تأتي الخيانة ممن تجمعك معه مخدة واحدة وسرير واحد تكون شديدة الإيلام، وقد يكون المخادع شيطاناً ويستغرق اكتشاف خيانته بعض الوقت، وشيرين لم تتعرض لخيانة حبيب عرف عليها امرأة أخرى، ولكنها خيانة من أراد لها الهدم وأخذها معه إلى طريق اللاعودة، ولعل من حسن حظها أن شقيقها وأمها وبناتها أدركوا الحقيقة، وحاولوا إنقاذها مراراً ولكن كان صوت الشيطان أقوى، حتى استجمعوا قواهم وقرروا إنقاذها منه ولو بالقوة، وبعد افتضاح الأمر لم يعد أهل شيرين وحدهم المساندين لها والساعين لإنقاذها، ولكن تطوع للوقوف بجانبهم في هذه المعركة الملايين من عشاقها، الذين اصطفوا بجانبها وعبروا بكل لغات التعبير عن وقوفهم في وجه الشيطان.
كثيرون فتحوا ملف علاقتها معه منذ البداية وحتى اليوم ونبشوا الأرشيف واستخرجوا أدلة الإدانة وفضحوا المستور وطلبوا من شيرين أن تكون قوية حتى تعود وتتألق وتملأ الدنيا غناءً وطرباً وفرحاً، وكثيرون صلوا لأجلها ودعوا الله عز وجل أن يخرجها من هذا المأزق بخير وسلام.
النجوم أيضاً تعاطفوا مع شيرين وعبروا عن وقوفهم بجانبها وطالبوها بأن تكون أقوى من أزمتها، ولعل من الكلمات الأشد تأثيراً في هذا المجال ماقالته النجمة اللبنانية (ماجدة الرومي) في رسالة مفتوحة لها عبر فيسبوك “مَن مِنّا لم تجلده الحياة يوماً ،مَن مِنّا لم يُدمِي قدميه على دروبها، من مِنّا لم يَتُه ولو لمرّاتٍ في أزقّتها يوم تصوّرنا الأزقّة قناديل ظنناها نايات تراقص الفراشات.. ومن مِنا لم يتصوّر ذاته ذات يوم (تخيّله) حلواً، الفراشة اللا تُحرق واللا تُغرق ومَن كان مِنّا أتقن، على مدى سنين أعمارنا كيف يقف ولو لمرّة على حدّ السيف بين النار والنور؟! أياً تكن مواضيع حياتنا، ألم نتعب؟ ألم نتحامل على أجنحتنا المحترقة؟ أما داويناها بأسفنا وبصلاتنا وإرادتنا وقرارنا المنتفض على الذات الطالع من ركامها كأجواق الحمام الأبيض؟ فإسمعيني إسمعيني !!! إسمعي شيرين إسمعيني !!!.. إسمعي صوتي القادم اليكِ من بيروت التى نحارب على أبوابها كالأبطال بأنصاف أجنحتنا.. (قومي).
إنت إبنة المسارح لا إبنة العتمة ولا الانكسار ولا الغُربان، “أنت مَن أنتِ”.. (قومي) فالصوت صوتك والصوت من هدايا ربّك لكِ.. (قومي) ومصر الغالية مِصركِ وهى لكِ وفي حناياها حضن أمٍ يحلم أن يطبطب عليك.. (قومي) نحن نؤمن بكِ وبإرادتك ونحبّك ونحن معكِ ولكِ ونحن من عطايا ربّك لفنّك فإنزعي عنك ثوب الأسى وإفرحي واكتفي بِنعَم ربنا عليك. وإفتحي للشمس أبوابك وللسنونوات دارك وكمانَك.
وماذا بعد؟!!
لو حدث أن سمعت اليوم اليوم اليوم نعيق بومٍ يجدّف أو يلعن أو يطالُك بكلمة.. ارزليه ارزليه بقوة ربّك وصلاة أمك وأهلك وعشاقك ودموع أولادك.. وقولي لبوم الخرائب: (أنا إبنة النور، سأقوم بقوة من دعاني إلى الحياة ورفعني وعزّني، وقال لي ذات يوم مجيدٍ مِن عمري: (كوني)
فكنتُ: (شيرين عبد الوهاب).
كثير من النجوم والنجمات حول العالم وقعوا في مستنقع الإدمان، بعضهم قُضي عليه وبعضهم الآخر قضى على الإدمان بلا عودة، هؤلاء الأقوياء انتشلوا أنفسهم وعادوا أكثر ألقاً وهو ما نتمنى أن تفعله شيرين بعد أن أحاطها جمهورها بكل هذا الحب الذي سيساعدها على الانتصار والعودة أكثر قوة ووعياً وقدرة على التمييز بين الصادقين والمخادعين.
شيرين التي وجدت نفسها اليوم بين طوقين، طوق المدمرين لصحتها النفسية والبدنية ولموهبتها وفنها وأسرتها والذين يهبطون بها إلى القاع من جهة، وطوق المحبين الداعمين لها والواقفين بجانبها ومن حولها وكأنهم يشكلون سوراً يمكنها أن تتمسك به لتنهض من جديد، فأي الطوقين تختار؟.