السيد البدوي .. ودولة الدراويش التي يتغنى بها المداحون
بقلم الفلكي : رضا العربي
أشهر أولياء الله قاطبة في مصر هو بلاشك (السيد البدوي) صاحب المقام الشهير في مدينة طنطا والشهرة بالطبع تختلف عن المكانة.. فلربما كان هناك من أصحاب المقامات من هو في مكانة أعلى ولكنه لم يحقق شعبية عريضة كالتي حققها (السيد البدوي) والعكس صحيح طبعا، وعلى قدر شهرة السيد البدوي فقد حظي بنسبة كبيرة من اهتمامات الدارسين والباحثين بعضهم كتب تاريخه فحسب وبعضهم بحث في منهجه الصوفي وبعضهم كتب عنه باعتباره أحد أبطال التحرير في الحروب الصليبية.
وهى كتابات لم تقتصر على الدراسات والبحوث العلمية فحسب وإنما تنوعت فشملت أعمالا فنية منها ملاحم شعبية يغنيها المداحون.. ومنها مسرحيات لعل أشهرها (بلدي يا بلدي) للدكتور رشاد رشدى.. وسر هذه الجاذبية الشعبية الكبيرة يكمن في أن حياته رضي الله عنه كانت غنية.. فمنذ أن استوطن في مدينة طنطا في آواسط القرن السادس الهجري وإلي أن توفاه الله لم يكف عن الجهاد والمجاهدة وصنع الفتيان وإعدادهم للحرب المقدسة والتحدث الي مريديه وأتباعه حديثا يملاء الفؤاد راحة وسكينة ويفتح الخيال على الآيات البينات في هذا الكون العريض الهائل.
تلك الآيات التي تسبح بالخيال في بديع صنعه تعالي فمن المؤكد أن البدوي كان رغم اشتهاره بالصمت العميق المطبق، و التخاطب مع الناس بالإشارة حتى لا يشوش صوته على تأملاته وأفكاره الجارية بلا توقف، ورغم اللثام الذي دأب على وضعه فوق وجهه ليخفي عن الناس أحواله التي قد تنكشف على ثنايا وجهه فتفضح أسراره.
أقول رغم هذا من المؤكد أنه كان مشعا جذابا تسكن إليه النفس، أضف إلى ذلك أنه ربما كان الصوفي الوحيد الذي حفلت حياته بقصة حب ساخنه قامت على الصراع الأزلي بين الفضيلة والرزيلة لتنتصر الفضيلة فى النهاية، تلك قصته الشهيرة مع (فاطمة بنت برى) وما تصمنته من مواقف مثيرة، وسواء أكانت تلك القصة من أصل تاريخي حقيقي أو كانت مجرد لقاء نشط خيال الرواة الشعبين والعامة في تطوير ونسج المواقف وحشدها بكل ماهو مثير جذاب، فإن المؤكد أن لهذه القصة دخل كبير جدا في شعبية (السيد البدوي)، إضافة إلى ما تخلعه عليه (دولة الدرويش) من الاتباع والمريدين من كرامات خارقة ومن كونه حامي حمى طنطا والوجه البحري كله.
على الأهم من ذلك كله هو ما شاع عن نسبه للبيت الفاطمي أو البيت النبوي ولست هنا في سبيل البحث عن نسبه الراجح إلى رسولنا الكريم، ولكني أود أن أشير هنا أن عشق الشعب المصري لآل البيت وضعفه الشديد إزاء كل ما يتصل بهم من قريب أو بعيد، ولقد اتسعت أرض مصر لبعض أبناء آل البيت فنزلوا ولا يزالون ينزلون من نفوس المصريين مكانة سامية، ولابد أن هذا النسب كان له كبير الأثر في حب الشعب المصري للسيد البدوي خاصة وللمغاربة عامة كما يسجل ذلك المنشدين والرواة لسيرته العطرة في ليلة مولده الذي يقام سنويا في ساحة كبيرة أمام مسجده في طنطا، حيث تهيم الأرواح محلقة في رحابه الصوفية الطاهرة.