نهر الموسيقى (توفيق الباشا) وسباحته الماهرة في رحاب الأندلس والموشحات
كتب : أحمد السماحي
من عمالقة لبنان المنسيين من كل الجهات والمؤسسات المعنية بالموسيقى والغناء في العالم العربي المؤلف الموسيقي والمايسترو المتعدد الروافد والعطاءات، الأسطورة (توفيق الباشا)، مؤسس الأوركسترا الأولى، وأحد أعمدة مؤلفي الموسيقى الكبار في العالم العربي، ورائد من رواد النهضة الموسيقية في لبنان والعالم العربي، الذي تخرج على يديه العديد من الفنانين والموسيقيين، وطبع ببصمته الأغنية اللبنانية والعربية، وساهم في نهضتها.
توجّه (الباشا) في مرحلة مبكرة نسبياً من تاريخنا الفني الحديث إلى التأليف الموسيقي، رغم غياب المتطلبات التقنية والمؤسسات الداعمة لتنفيذ هذا النوع من الأعمال وتأمين استمراريته، ولابتعاد الذائقة العامة عن الموسيقى غير المقترنة بالكلام والغناء والمغنّين.
وساهم هذا العملاق أيضا باستحداث الفن الإنشادي العربي فأنجز من ألحانه (الإنشادية النبوية عند العرب) من شعر أحمد شوقي، و(إنشادية عظماء الدنيا والأخرى) للدكتور مصطفى محمود عن تراث الشيخ (محيي الدين بن عربي) ومن مؤلفاته أثرى المكتبة العربية بثلاثة كتب (المختار من الموشحات الأندلسية، الإيقاع في الموسيقى العربية، والكمان والأرباع الصوتية).
قال عنه منصور الرحباني: (توفيق الباشا المتمرّس بموسيقى الشرق وتقنية الغرب واحد من النخبة القليلة التي صنعت للبنان شخصية وفرادة، عطاؤه نابع من الأعماق، سكن الحاضر والآتي وصار في تاريخنا قمر للحكايات والسهر)، وقال عنه المطرب والملحن زكي ناصيف: (ذاكرته الموسيقية كبيرة، وهو سيد الموشحات على الإطلاق).
عطاء هذا المبدع الكبير والراقي لا يذاع في كثير من الإذاعات العربية نظرا لحالة من الجهل عند كثير من المسئولين عن الإذاعات العربية، فكثير من مسئولي الإذاعة خاصة في مصر لم يفكروا يوما في إذاعة عمل من أعمال هذا الرمز اللبناني الكبير الذي قدم للموسيقي العربية حوالي 3000 عمل ما بين موشح، ودور وطقطوقة، وقصيدة، فضلا عن مؤلفاته الموسيقية، وكلها أعمال غارقة في الرقي والتحضر.
هذا الأسبوع في باب (غلاف ألبوم) نتوقف عن واحد من ألبوماته الرائعة التى كانت ضمن أعماله الكاملة التى طرحت في نهاية حياته، والتى أسعدني الحظ الحصول عليها جميعا قبل إجرائي حوار معه أثناء انعقاد مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية عام 2002، حيث كانت تباع هذه الأعمال في أروقة دار الأوبرا المصرية.
الألبوم بعنوان (في رحاب الأندلس) وهو عبارة عن مجموعة من الموشحات من عيون التراث حيث فتن (الباشا) بالموشحات إلى أن أصبحت فردوسه ومعراجه، بعد أن درسها في المعهد الموسيقي الوطني بلبنان، وقد أولى الموشحات كل الاهتمام في الوقت الذي بدأ هذا الفن يتلاشى تدريجياً منذ حقبة الثمانينات، وقال عنها: (تنبهت وأنا أدرس الموسيقى الكلاسيكية إلى الموشحات وآفاقها الرحبة فاشتغلت عليها ورحت أنقلها من التخت الشرقي إلى الأوركسترا الواسعة التي تضم الآلات الشرقية والغربية، إننا نجد في أعمال سيد درويش وعبد الوهاب والسنباطي قوة فنية وتركيزاً في إنشائهم الغنائي والموسيقي يعود إلى ما اكتسبوه حفظاً ودراسة لعدد كبير من الموشحات في مقدماتها الموسيقية وإيقاعاتها المركبة).
اهتمامه بالموشحات دفعه إلى تلحين مجموعة كبيرة جدا من الموشحات مثل (سلم الأمر للقضاء، ترى دهر، مالذ لي، عين حبي، أيا من طرفه سحر، رميت قلبي، عهد البين، قل لكرام، وقع المحبوب في شركي، وبالله يا قلبي)، وحظي مجموعة من المطربين بغناء موشحات من ألحانه مثل نجاح سلام (حلم الأزل)، فدوى عبيد (من هام بالغيد)، نور الهدى (سكب الورد)، فيروز (يا ليل الصب، وصلات أندلسية)، ماري جبران (لما بدا يتثنى)، فضلا عن توزيعه لمجموعة أخرى من الموشحات منها مثل (زارني المحبوب، لما بدا يتثنى، يا شادي الألحان).
كما أصدر ألبوم (في رحاب الأندلس) الذي نتوقف عنده هذا الأسبوع الذي انتجته له شركة (بيروت)، ويتضمن مغناة (ابن خفاجه) غناء وداد، زكي ناصيف، ومغناة (ابن زيدون) غناء وديع الصافي ووداد، ومغناة (يا ندامى الأنس) شعر نزار الحر، وغناء وداد، وحسن عبدالنبي، فضلا عن توزيعه لموشح (ملا الكاسات) لحن محمد عثمان، وغناء سعاد محمد التى غنت أيضا موشح (ما احتيالي) لحن أحمد أبو خليل القباني.
ما تحدثنا عنه اليوم باختصار هو رافد من روافد هذا النهر الموسيقي المسمى بـ (توفيق الباشا).