بقلم : بهاء الدين يوسف
لفت انتباهي قبل أيام قليلة تصريحات جريئة للممثلة (شيرين) طالبت فيها بوقف جمع التبرعات للغارمات اللاتي يقضين عقوبة الحبس بسبب تعثرهن المالي، بدعوى أن بعضهن يبالغن في تجهيز بناتهن للزواج والوقوع في فخ الديون بسبب تلك المغالاة غير المطلوبة.
ودعت شيرين خلال تواجدها في ندوة وزيرة التضامن الاجتماعي ضمن فعاليات مهرجان الإسكندرية لسينما دول البحر المتوسط المتبرعين بالتوقف عن التبرع للغارمات، معتبرة أن هؤلاء النسوة (دماغهم مترسخة بأفكار انتهت من سنين، يعني ايه يجيبوا 4 شاشات تليفزيون و12 ملاية مع إن كفاية 4، و3 بوتجازات و 2 ثلاجة، والبنات أصلا مبتعرفش تطبخ).
شيرين بتصريحاتها الصادمة تلك انضمت إلى صف طويل من الفنانات اللاتي خرجن عن الإجماع المجتمعي ولقين بسبب ذلك حالة يمكن أن نصفها بأنها حالة عداء واسعة من فئات عديدة داخل المجتمع باعتبار أن الفنانات يعشن في أبراج عاجية ولا يشعرن بالمواطنين الذين يعانون على كل المستويات.
وأتذكر واقعة محددة في هذا السياق كانت بطلتها الممثلة شيرين رضا (ويبدو أن اسم شيرين مثير للمشاكسات)، حينما قالت أن مؤذن المسجد القريب من منزلها يصر على الأذان في الميكروفون حتى في صلاة الفجر مما يزعج نومها خصوصا أن صوته يشبه (الجعير).
في الحالتين تعرضت الفنانتان لهجوم حاد على مواقع التواصل الاجتماعي وبلغت حدة الهجوم بالبعض بمحاسبة (شيرين رضا) قضائيا وربما إخراجها من الملة رغم حرصها لاحقا على توضيح موقفها، كما حفلت مواقع التواصل بحملات سخرية من الفنانة (شيرين) التي ترفض دعم الغارمات وهن سيدات (شقيانة) من أجل تزويج بناتهن طلبا للستر.
يلفت الانتباه في هجوم المصريين في الحالتين أنه منطلق في الغالب من ثقافة سماعية وهى آفة من آفات حارتنا تفوق في خطورتها آفة النسيان التي وصم بها الحارة المصرية الراحل العظيم (نجيب محفوظ) في روايته (أولاد حارتنا)، مما يجعل الأمر في النهاية ينتهي الى حالة تشبه عنوان فيلم عادل إمام وميرفت أمين وسمير صبري الشهير (البحث عن فضيحة).
ذلك أن من ينقل الخبر لا يدقق كثيرا في محتواه وإنما ينقله في الغالب مطرزا بتفاصيل ربما لم ترد في الخبر نفسه، ومع كثرة تناقل الخبر يتحول إلى عناوين ساخنة من عينة (شيرين رضا تصف الأذان بـ الجعير)، وأن (شيرين تدعو المصريين لوقف التبرع للغارمات)، دون أن تكلف المواقع الإخبارية نفسها أو يبحث المتناقلون عن حقيقة ما قيل وسياقه، ليبدو الأمر وكأننا نعيش في مجتمع يبحث أهله عن فضيحة أو فضائح يلصقونها بأهل الفن بشكل خاص والمشاهير عموما، وهو سلوك له مبرر نفسي إذ أن البعض من البسطاء يرى في فضح هؤلاء المشاهير تعويضا نفسيا له عن فارق الشهرة والثروة التي يتمتع بها هؤلاء بينما حرم هو منها.
ليس غرضي من هذا المقال الدفاع عن (شيرين رضا أو شيرين الممثلة)، ولا أنكر أنهما خانهما التوفيق في التعبير عن قضايا ربما يتحدث فيها أو يتفق مع رأيهما فيها عشرات الآلاف، لكنني فقط أخشى من أن الاستمرار في حملات (الإدانة السماعية) هذه سوف تقود مجتمعنا للعودة مئات السنين إلى الوراء، ويصبح مجتمعا تسود فيه ثقافة التنمر بالآخر لمجرد أنه تجرأ على قول رأي يخالف المألوف.