كتب : محمد حبوشة
تصدر وسم محاكمة (ريهام عياد) تريند موقع التواصل الاجتماعي، بعدما أثارت اليوتيوبر (ريهام عياد) حالة من الجدل، وقامت بنشر حلقة تشكك فيها في انتصار مصر في حرب أكتوبر، مما أتاح لمواقع وقنوات إسرائيلية باستغلال مقاطع الفيديو التي قامت بنشرها، وتم ترويجها، مما أثار العديد من المصريين، على حالة الجدل التي تسببت فيها ريهام عياد، ونشرت اليوتيوبر ريهام عياد، حلقة بعنوان: (هو احنا انتصرنا في حرب أكتوبر؟) وعلى أثر هذا المقطع قامت صحف إسرائيلية بالاستعانة بالحلقة ووصفت اليوتيوبر بالمصرية المتزنة.
(ريهام ) كانت قد قالت من قبل في حلقة في نفس البرنامج: (بعد العدوان الثلاثي على مصر 1956، تم عمل تسوية مع الجانب الإسرائيلي، وكسب منها الأخير العديد من المكاسب، وذلك من خلال مرور الملاحة والتجارة الإسرائيلية من مضيق تيران، لكن يوم 22 مايو 1967 أغلق الرئيس عبد الناصر خليج العقبة في وجه الإسرائيليين، وذلك على خلفية المعركة التي نشبت بينهم وبين القوات السورية، واستطاع الجانب الإسرائيلي إسقاط 7 طائرات سورية في ساعة واحدة، لذلك أصبح الجميع يعلم بالحرب بما فيهم الرئيس عبد الناصر)، وذلك دون أن تشير إلى مصادرها حول تلك المعلومات، ولم تقف اليوتيوبر المشوشة في معلوماتها التي لا تستند إلى أبسط قواعد الدقة عند هذا التساؤل بل قامت بطرح تساؤل آخر في حلقة سابقة وهو: (هل أضاع السادات حق العرب في كامب ديفيد؟).
ظني أن مثل تلك العناكب الإلكترونية التي تحاول الحصول المال وركوب (الترند) على حساب مصلحة الوطن لابد من وقفة حاسمة معها وأمثالها لوقف نزيف مثل تلك المعلومات المضللة حتى لا يتأثر الشباب بمثل تلك الترهات التي تنال من مصداقية التاريخ المشرف للجيش المصري، وحتى لانهدر بطولات عسكرية شهد لها العالم كله، بدليل أن حرب أكتوبر ماتزال تدرس حتى وقتنا الحالي في أعرق الأكاديميات العسكرية العالمية كمعجزة قام بها الجندي المصري في تحدي غرور وصلف العسكرية الإسرائيلية وإيقاع هزيمة منكرة في 6 ساعات، حتى أنها كسرت أسطورة الجيش الإسرائيلي التي أوقع النكسة في 1967 في ستة أيام، وظل يتشدق بنصره المزعوم حتى كسر أنفه الجيش المصري في السادس من أكتوبر عام 1973، بفضل جدراة العسكرية المصرية.
صحيح أنه على الفور من حلقة (ريهام عياد) المسمومة بأكاذيب لا تستند إلى حتى إلى شهادات قادة إسرائيل الذي اعترفوا بالهزيمة، دشن مستخدمو فيس بوك، وسما بعنوان: (محاكمة ريهام عياد)، وتداولت العديد من التعليقات، والانتقادات، حيث علق أحد مستخدمي فيس بوك، تحت مسمى (عماد الزرقاني)، قائلا: لا بد من وقف هذه المضللة للحقائق (ريهام عياد) التي تعبث في تاريخ مصر كله وقادتها، ولا بد من حسابها حسابا عسيرا كي لا تخول لأي حقير وجبان أن يفعل ما تفعله هذه، وأضاف: دم أبطال زي الفل بيروح هدر بمنتهى البساطة عشان التريند وفلوس مشاهدات يوتيوب، وبلدنا دي منكوبة ببعض الحاملين لجنسيتها.
كما علقت أحد الشخصيات، تحمل أسم (صفاء خليل)، قائلة: اللي في الصورة دي واحده اسمها (ريهام عياد) بتعمل برنامج علي يوتيوب اسمه (القصة وما فيها)، عملت حلقة كارثية بتشكك فيها عن انتصار مصر في حرب اكتوبر، وده خلي كل القنوات والميديا الإسرائيلية النهاردة تنتفض وتجيب الفيديو بتاعها وتستشهد بكلامها وتشكر فيها وتوصفها بالمصريه العاقله المتزنه، بدل ما نعمل فيديوهات نتكلم عن بطولات حرب أكتوبر وشهدائها الأبرار تطلع علينا بكلام يشكك في كل ده.
وعلى الجانب الآخر، تفاعل عدد من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي تويتر، مع وسم (محاكمة ريهام عياد)، وعلق أحد الأشخاص، قائلا: في واحدة امبارح اسمها (ريهام عياد) بتعمل برنامج على اليوتيوب عملت حلقة كارثية بتشكك في انتصار أكتوبر، وده خلى صفحات إسرائيلية تستشهد بكلامها، وأنا شايف إن بعد اللي عملته لازم تتحاكم عسكريا، بينما قال أحد الأشخاص: كفاية نسكت على تشويه أي انتصارات لمصر، (ريهام عياد) لازم تتحاكم على كلامها وتشكيكها في انتصار عظيم زي أكتوبر راح فيه شهداء كتير من أولادنا.
ومن هنا لا ينبغي السكوت على أمثال (ريهام عياد) وإنزال الجنسية المصرية عنها، لأنها دأبت على تشويه التاريخ المصرية على جناح حلقات برنامجها (القصة وما فيها) دون الاستعانة بخبراء السياسة ومثقفي مصر الذين يدركون خطورة تداول معلومات مغلوطة، وكانت (ريهام) كانت قد أثارت الجدل خلال الفترة الماضية، عندما تداول متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، خطأ في برنامجها يعود إلى العام الماضي 2021، وبالتحديد حلقة (سر مكالمة عبد الناصر الغريبة لزينات صدقي ولغز علاقتها بالضباط الأحرار)، وجاء الخطأ عندما وضع فريق إعداد البرنامج، صورة الأديب نجيب محفوظ، وأرفقوها بتعليق (طه حسين) في إشارة إلى عميد الأدب العربي، فضلا عن تشويه كل من الأستاذ (محمد حسنين هيكل، الشيخ الشعرواي، عبد الفتاح القصري) وغيرهم من شخصيات رسخت في عقول المصرية مقترنة بالإنجاز العلمي والإعلامي كما شاهدتها بنفسي من خلال حلقات تتسم بالغباء المهني وفقدان الضمير والحس الوطني بمعلومات سطحية تافهة لا تستند لمصادر، وأبرزها حلقة (دولة التلاوة).
الغريب أن بعض الصحف المصرية والمحطات الفضائية حاورت هذه المدعية – دون وعي منها – لتتحدث عن تجربتها التي تعتبرها رائدة في مجال الإعلام الفوضوي الذي لا يدقق في المعلومة بقدر ما يجنح إلى اختلاق الأكاذيب والمعلومات المضللة، وبذلك يكون قد ساهم صناعة نماذج سلبية تعمل على تفكيك المعلومات الحقيقية وتلوينها بالكذب وإعادة تصديرها للشباب في إطار تشويش متعمد يفضي بالتأكيد إلى الضرب المتعمد والتشكيك في جدار الوطنية، في وقت نحن أحوج فيه من أي وقت مضي للتأكيد على الهوية المصرية في ظل الحملات المسعورة التي تشكك في جهود الدولة المصرية التي تعمل وعلى رأسها الرئيس (عبد الفتاح السيسي) في إحداث تنمية حقيقية تحقق قفزات مذهلة في حياة المواطن المصري.
والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة : أين دور المجلس الأعلى للإعلام من تلك البرامج التي تعبث بالفضاء الإلكتروني؟
ربما يقول لي واحد أن المجلس لا ولاية له على (اليوتيوب) كي يوقف مثل تلك البرامج التي لا تستند إلى حقائق التاريخ بقدر ما تقوم بتشويه متعمد له، ولكني هنا أطالب المجلس بالتكاتف مع مباحث الإنترنت – وتلك وظيفتها تستند إلى قانون دولي يحكم هذا العالم الفوضوي – في ملاحقة أمثال هؤلاء ومحاسبتهم بحكم انتهاك الخصوصية.. نعم العبث بالتاريخ يعد انتهاكا صارخا لخصوصية المصريين جميعا، وذلك بعد أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة (إعلام بديل) يكتب ويعرض التاريخ اليومي للبشرية، وهذا بدوره يخاطب خيال الأطفال والشباب الذين يمكن أن يتشكل وعيهم طبقا لمعلومات مغلوطة وحقائق مزيفة عكس ما تحتويه وسائل الإعلام التقليدية من معلومات مستمدة من بطون الكتب من حقائق التاريخ الحقيقي للأمم والشعوب.
لقد مكن التفوق التكنولوجي المخيف الذي تمتاز به وسائل الاتصال والإعلام البديل المجال لهيمنة هذه الوسائل وتسيدها الموقف بديلا عن وسائل الاعلام التقليدية، فالإنترنت وماتمتلكه من مزايا وفوائد أفادت في مجالات الحياة شتى، لاسيما المجال الاعلامي، وحققت مالم تتمكن أية تقنية سبقتها من تحقيقها، وقد لاتتمكن أية تقنية تأتي بعدها من العمل والنجاح بمعزل عنها، بل إنها تعد اليوم الركيزة الأساسية للاتصال والتواصل في العالم، وأهم وسائل الاتصال الجماهيري والشخصي في آن واحد، فما تتميز به من تفاعلية وإلغاء قيود المكان والزمان صنعت إعلاما جديدا أتاح للجميع التعبير عما يريدون بحرية تامة، وأصبحت تطبيقات الإنترنت ومنها مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما (فيسبوك ويوتيوب) أشهرهما وأكثرهما انتشارا أهم وسائل الاعلام الجديد، بعد أن بات حائط صفحة فيسبوك الصحيفة التي تنشر السبق الصحفي للأحداث المهمة والمشاهير، وكذا اليوتيوب الذي يضج ببرامج ملفقة.
ياسادة لقد أصبح لدى الإنترنت منظومة إعلامية متكاملة لكل فرد لنشر ما يريد ليس بالنص فقط بل بالصوت والصور، وبث الصورة الحية، فراح يدون فيها كل ما يريد بدءاً من تفاصيل حياته (الشخصية والاجتماعية والعملية والعبث بالتاريخ)، وبعد أن كان الحديث يدور عن (الحق في الاتصال) و(الحق في المعرفة والحصول على المعلومة)، أصبح يدور حول حماية حقوق الإنسان من مخاطر الإعلام الجديد، لاسيما الحق في الخصوصية (حرمة الحياة الخاصة)، فبيانات المستخدمين ومعلوماتهم الشخصية واتصالاتهم تخزن وتجمع وتعالج إلكترونيا، ليس من إدارة الشبكة والشركات المختصة فحسب، بل من كل من له القدرة والإمكانية على ذلك سواء كان من (الهاكرز أو مزودي الخدمة او الحكومة، أو دول وشركات أخرى)، وهو يفضي إلى التحكم في المعلومة وفرضها طبقا لهوى شخصي لا يستند لضمير مروجيها.
الأمر جد خطيربعدما باتت شبكات التواصل الاجتماعي التي يظن الناس أنها عالم مثالي يتفاعل فيه الأشخاص بشكل ودي واجتماعي ويتبادلون فيه الصور وتفاصيل حياتهم اليومية عرضة للعيون المتطفلة ذات النوايا التي يشوبها الخبث، واستغلت هذه المواقع الاجتماعية مثل (فيسبوك ويوتيوب) في عمليات احتيال وابتزاز واختطاف وإساءة نتيجة استغلال المعلومات التي تعرضها، ورغم وجود أقفال إلكترونية وآليات أخرى لتأمين هذه المواقع توجد حيل يمكن من خلالها لأطراف ثالثة الحصول على المعلومات الخاصة واستخدامها في أغراض غير مشروعة مما يعرض الأمن الشخصي للأفراد للخطر.
وحذر قرار حول حماية خصوصية الشبكات الاجتماعية وافقت عليه 37 دولة في ستراسبورج الفرنسية عام 2008 من إمكانية تسرب البيانات الشخصية المتاحة على الصفحات الشخصية بهذه الشبكات عندما تفهرس باستخدام محركات البحث، وجاء في القرار أن هذه البيانات يمكن استخدامها لارتكاب جرائم مثل الابتزاز والاختطاف إلى جانب التعرف على الجهات التي يمكن سرقتها، وكذلك ارتكاب الأفعال الإباحية والاستغلال الجنسي والاحتيال المصرفي وغير ذلك من الجرائم، ولا توجد وسيلة لتوفير الحماية الكاملة للمواقع الاجتماعية غير أنه يمكن اتخاذ خطوات احترازية.
وترى الخبيرة في قسم الهندسة بجامعة المكسيك الوطنية المستقلة (جاكلين لوبيز بارينتوس) أن شبكات التواصل الاجتماعي بها ثغرات يدخل منها كثير من مستخدمي المعلومات المتاحة عبر هذه الشبكات، وأوضحت أنه رغم وجود وسائل لمنح التصريح بالدخول إلى الصفحات الشخصية للأصدقاء أو للمستخدمين الذين يوافق صاحب الصفحة على دخولهم فإن الوضع الفعلي هو أن صديق الصديق يمكنه أيضا الدخول إلى الصفحة من دون العلم بأهداف هذا الأخير أو نواياه.
من جهته يشير الخبير الأرجنتيني المتخصص في مجال تأمين المعلومات على الإنترنت (فابيان تشيرا) إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي تعد مثالا واضحا على أن الناس ليسوا على وعي كامل بعد بأهمية المعلومات التي يكشفون عنها على هذه الشبكات، وقال (تشيرا) إنه رغم تطبيق القوانين لحماية الأمن الشخصي على الإنترنت يضع المستخدمون باختيارهم الحر معلومات على جميع مواقع الشبكات الاجتماعية، وهم لا يدركون أحيانا خطورة هذا الأمر، وأوضح أن ذلك لا يعني أن على المستخدمين الانسحاب من المشاركة في هذه الشبكات التي تضخمت في الأعوام الأخيرة، ولكن يجب استخدامها بحذر وأن يكون المرء على وعي شديد بأهمية أي معلومات يضعها على الشبكات الاجتماعية.
الأمر المؤكد أن الناحية النفسية تلعب دورا مهما في تحديد المحتوى الذي يبثه البعض بدعوى إعادة كتابة التاريخ على غرار اليوتيوبر (ريهام عياد)، وفي هذا الصدد قال الأستاذ بقسم علم النفس بجامعة المكسيك الوطنية المستقلة (جورجي ألفاريز مارتينز): (إن الناس لا يأخذون حذرهم إلى حد كبير)، وأضاف أن هناك أشخاصا كثيرين يشعرون بمزيد من الثقة عند الاتصال وفعل جميع أنواع الأشياء من خلال هذه الشبكات الاجتماعية الافتراضية بأكثر مما يفعلون في الحياة الواقعية، وهذا يقود إلى المزحة التي تقول (أنت شخص حقيقي أم أنت على فيسبوك أو يتوتيوب؟)، ولهذا ينبغي الانتباه إلى هذا العبث الكوني الذي سيكون له نتائج كارثية جراء تشويه التاريخ أو انتهاك الخصوصية.