بقلم الإعلامي : علي عبد الرحمن
بدأ العام الدراسي في مصر ليدخل مايقرب من 18 مليون تلميذ وطالب مدارسهم وجامعاتهم، وهو عدد يقارب عدد سكان دول حولنا، ولأن التعليم لايقاس بعدد الدارسين وإنما يقاس بمستوي التحصيل وجودة المحتوي الدراسي، ومهارات المعلم وأدوات الشرح والتبسيط في العملية التعليمية ومستوي فهم وتحصيل الدارس وملائمة الخريج لسوق العمل.
ولقد ظللنا عقودا جعلنا فيها حقل التعليم ميدان تجارب، فمرة نجعل سنة رابعة وسادسة شهادات، ومرة نلغي سنة سادسة أصلا، ومرة تتأخر الكتب الدراسية، ومره نسلمهم التابلت، ومرة نعقد امتحانا تقليديا وأخري امتحانا للاختيار فقط من الإجابات، ومرة نهتم بأعمال السنة، وأخري نهملها، ومرة نهتم بالمواهب والقدرات وأخري لاتخطر لنا على بال، ومرة نهتم بالتعليم الفني وأخرى نهمشه، ومرة نتحدث عن الكثافة وأخرى نحشر التلاميذ حشرا، ومرة نجري صيانة للمباني الدراسية وأخرى نتركها تنهار علي أولادنا، ومرة ندقق في المصاريف الدراسي ومرات نترك أولياء الأمور فريسة لأصحاب المدارس، ومرة نهتم بالأنشطة الفنية والرياضية والثقافية ومرات لانعرها أي اهتمام.
ومرة نركز في التربية الوطنية والدينية والاجتماعيه ومرات لايلتفت إليها أحد، ومرة نهتم بتأهيل المعلم ومرات نتركه للدروس الخصوصية تنخر دخل كل الأسر المصرية، ومرة ترفع مجاميع الثانوية وأخرى تنزل بلا مبرر وكأنه قرار يتم إتخاذه وليس مستوي تحصيل الطلاب، وتارة، وتارات، حتي أصبح التعليم في مصر حقل تجارب، وانخفض مستوي المعلم ومستوي المتعلم وضاع المحتوي التعليمي الجيد وساءت سمعة التعليم الكمي في مصر، والذي يعتمد علي الحفظ دون الإدراك وكذا أبعد الخريج عن سوق العمل، وأصبحنا نسمع شعار (أنا متعلمتش حاجه أصلا) أو شعار(الدراسة ملهاش علاقة بسوق العمل)، وشعار(أنا محضرتش حصص أصلا بس نجحت).
هذه جمل مصرية لخريجي العملية التعليمية المصرية التي أهملت المحتوي والمعلم والدارس والمباني والرسوم، وموادا هامه كثيرة، فتخرج الملايين بدون أي تأهيل، وامتلأ سوق العمل بالأجانب من شرق آسيا في المهن الحرفية، وتعالت الصيحات بضرورة الاهتمام بالتعليم الفني حسب حاجة سوق العمل، وكذلك سارت القنوات التعليمية من حفظ إلي حفظ ومن تكرار لإعادة، ومن محتوي باهت إلى مضمون مسطح.
وأفرز ذلك علي مدار سنوات جامعيون لايعرفون كتابة أسمائهم، وجيوش تطلب التوظيف دون أدني خلفية عن الوظائف، وتخرج من لايعلم عدد محافظات مصر، ولا أسماء عواصم المحافظات، ولا حتي أسماء رواد المجتمع ومشاهيره، وأصبحنا نستحي من ضآلة مستوي خريجينا، وامتد السوء إلي سمعة العملية التعليمية في مصر، وبعد أن كان حلم التعلم في القاهرة يراود الكثير من أشقائنا أصبحت بعض السفارات توصي بعدم التعلم فيها لضعف مستوي التعليمية، واتجه الكثيرون إلى الأردن وقطر وتركيا وروسيا وأوكرانيا، ولست أدري لما لانوفر لأبنائنا ماتوفره هذه الدول حتي لا يسافروا للتعلم بعيدا عن الوطن والأهل.
إلى متي تظل عمليتنا التعليمية بدون ملامح؟، وإلى متى يصبح التعليم خطة دولة وليست رؤية وزير؟، ومتى نراجع مناهجنا؟، ومتى نختبر جودة معلمينا؟، ومتى نراجع المباني التعليمية في فترات الإجازة؟، ومتى نغير الأسلوب من الحفظ والتلقين إلي الفهم والإدراك؟، ومتى نعلي قدر مدرسينا؟، ومتي نستكمل منظومة الإنترنت في المدارس من أجل الجمهورية الجديدة والتحول الرقمي؟، ومتى نتعامل مع التعليم على أنه قضية أمن قومي وموضوع استراتيجي؟، ولدينا خبراء المناهج وخبراء التربية، ومعاهد تدريب المعلمين ومعامل قياس جودة المحتوي وإدراك الطالب، ونفسح المجال لتعليم فني جاد وخريج مؤهل مدرك.
ومتي ننسق بين حاجة سوق العمل والمجالس العليا للجامعات الحكومية والخاصه؟، ومتى يعود النابغون إدراكا وليس حفظا؟، ومتى يعود المدرسون تبجيلا وليس إلي سناتر الدروس الخصوصية؟، ومتى تعود المدرسة مكانا للتعلم والأنشطه وليس مكانا للهروب والانحراف؟، ومتى يعود للعملية التعليمية سابق بريقها ووقارها؟، ومتى يعود الدارسون إلي مصر؟، ومتى توصي السفارات بحتمية التعلم في مصر؟، ومتى يعود شعار (قم للمعلم وأوفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا)؟، ومتى يختفي شعار(زي ما روحنا زي ماجينا.. لا إتعلمنا ولا اتربينا).
إنها مصر والأمم تبني بالتعليم وصحة البشر، ومصر في مرحلة البناء فلتهتموا بجودة التعليم والصحة من أجل أبناء مصر، ومستقبل مصر، وسمعة مصر، وتحيا دوما مصر.