بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
بنت طنطا الطفلة (أمينة) ذات الثلاثة عشر ربيعا كانت تذهب كل أسبوع مع أسرتها إلى سيرك الحلو.. كانوا هم يتابعون بكل الشغف مشهد الخيول وعلى ظهورها البنات تقفز من حصان إلى حصان، أو منظر من يمشون على السلك أو من يقفزون من خلال حلقات النار.. أما هي فكانت تنام على رجاء أن يوقظوها في النمرة الأخيره من عروض السيرك وهى نمرة المسرح، وكانت تقدم مشاهد من بعض المسرحيات المعروفه يقدمها ممثلون وممثلات (على قد الحال) لكنها كانت الفقره التي تنتبه لها امينه بكل حواسها.
تقول الطفله (أمينه رزق) وهى سيده المسرح العربي عن هذه المرحله من عمرها: أنها كانت قد ولدت بعشق الفن في داخلها وكانت تتابع المشاهد المسرحيه وتكاد أن تحفظها ولا تهتم بسواها.
ثم انتقلت الأسرة إلى القاهرة وسكنت في حي رود الفرج، وهو في الصيف ملتقى كل الفرق المسرحيه المعروفة في عماد الدين، والتي تنتقل صيفا إلى شاطئ النيل في روض الفرج، منها تعرفت (أمينة رزق) على فرقه علي الكسار وفرقه نجيب الريحاني ويوسف عز الدين.
وفي روض الفرج زاد شغف الصغيره امينه بالمسرح، ومن المسرح تمنت لو أنها ومعها خالتها التي تكبرها بعامين فقط الطفلة أيضا (أمينه محمد) أن تلتحقا بالمرح، كانت امينه رزق تتمنى ذلك، ووجدت لها مكانا بين هذه الفرق، تقول (أمينة رزق) إن خالتها (أمينة محمد) كانت هى الأجرأ وهي المتكلمه فأخذت معها أمينه رزق الطفلة الخجوله لتقدمها إلى الفرق المسرحيه فربما يجدن مكانا لهما في أحدها.
وفي القاهره وفي مصر في (فرقة رمسيس) ليوسف بك وهبي أتاها القدر لأمينة رزق فرصه عمرها عندما كان يوسف وهبي يعرض مسرحيه (راسبوتن)، وكان يحتاج إلى من يلعب دور صبي صغير في قصر القيصر حرم قيصر روس روسيا.
وتقدمت البنتين (مينة رزق وأمينه محمد) للاختيار فأكدت (أمينة محمد) ما طلب منها ولكن بشكل كوميدي أضحك يوسف وهبي وقدمت المشهد (أمينة رزق) بشكل هادئ ومن دروب العجب أن يوسف اختارها للدور.
منذ ذلك اليوم لم تترك (أمينه رزق) مسرح رمسيس يوما واحدا ولا ساعة واحدة ولا حتى لحظة واحدة.
تقول (أمينة رزق): كنت أعمل كل شيء في المسرح، كنت أحيانا ألعب وظيفة الريجيسيرة فأقوم بتنظيم حركه دخول وخروج الممثلين أو ألعب دور من تتغيب عن مكانها في الكومبارس)، وكانت (أمينه رزق) قد تقدمت بها الخبرة وسنوات العمر لتصبح بطلة الفرقة، ورغم ذلك كانت تشترك مع الكومبارس لتنتقل بسرعه إلى غرفتها بالمسرح لتبديل ملابسها وارتداء ملابس بطلة العرض، أكثر من هذا تقول (أمينه رزق) إنها كانت تنزل أحيانا إلى كبوشة الملقن عند غيابه ثم تغادرها مسرعة لتلعب دورها عندما يحين في بطولة العرض، وتواصل (أمين رزق) فتتحدث عن ارتباطها بمسرح رمسيس، فتقول إنها شاركت في كل المسرحيات من (كرسي الاعتراف) إلى (أولاد الشوارع، ومدبولي افندي) حتى يمكن أن نقول دون تردد أنها كانت تحفظ كل هذه المسرحيات.
وتجيب أمينه رزق عن سؤال عن السينما، هل اتجهت (أمينه رزق) إليها بعد أن تجلت تجربتها وخبرتها بالمسرح تقول: إن هذا حدث وقد استعادتها السينما لأداء بعض الأدوار المساعده في السينما بمكافات تتراوح بين 1000 جنيه أو 2000، لكنها عندما تجد أن مواعيد العمل في السينما قد تتعارض مع عملها ولو كان بسيطا في المسرح فكانت تسرع دون تردد إلى الشركه المنتجه للفيلم لتعيد لهم العربون الذي قبضته رغم أن مرتبها أو مكافاتها في المسرح كان يوسف وهبي قد رفعها إلى 20 جنيه ثم الى ثلاثين جنيه، فكانت تجدها أفضل من 1000 أو 2000 جنيه.
أما أول تجربه لها مع يوسف وهبي في بدايه عملها معه فكانت 4 جنيهات سعدت بها سعادة الدنيا وعاشت بها كالملكة تنفق منها على فساتينها وأحذيتها حتى تستطيع أن تعيش.
لكن موقفا لا تنساه (أمينة رزق) لنجيب الريحاني عندما شاهد لقطه لها في احدى المسرحيات وكانت لقطه مشهد الكوميديا دفع نجيب الريحاني أن يسرع الى مد زراعه قائلا بأعلى صوت: أنا الآن أستطيع الذهاب إلى ميدان الأوبرا لأصرخ بأعلى صوت وأقول (أمينة رزق) فنانه مجنونه بالكوميديا، وأنا من أقول هذا وأمامكم يوسف بيك إني أوكد لك على الدعوة للعمل في فرقتي المسرحية.
وضحك يوسف وهبي واعتذرت (أمينه رزق) لكن ملاحظة (أبو الكشاكش) نجيب الريحاني أعجبتها ولم تنساها.
والمواقف والغرائب في حياه (أمينه رزق) التي تزوجت المسرح وهى سعيده به.. المواقف كثيرة أهمها جائزة الدولة التي تسلمتها من الرئيس عبد الناصر.
وبكل الحسرة والأسف تحكي (أمينه رزق) عن فنان الأمس وفناني اليوم، فتقول إن الفرق هو في التضحية، وتتساءل: من يستطيع من فناني اليوم أن يرفض 2000 جنيه مقابل 20 جنيه في المسرح؟!
ولابد هنا أن نحكي عن انضمام (جورج أبيض ودولت أبيض) في مرحلة من مراحل حياتهما إلى فرقة رمسيس، وعن نجيب الريحاني الذي قرر ذات مرة أن يتجه إلى الدراما ويترك الكوميديا، ولكن عاد مسرعا بعد فشله أمام فرقه رمسيس، لكن اللافت للنظر هو تلك النهضة المسرحية الكبرى والتي أحدثتها فرقه رمسيس وجورج أبيض وعزيز عيد وفاطمه رشدي وغيرها مع وجود فنانين عمالقه أمثال (أحمد علام وحسين رياض وعلويه جميل) ومن بعدهم (محمود المليجي وأنور وجدي.
تاريخ لن ننساه ماحينا.