كاملة أبو ذكري .. شاعرية الكاميرا وواقعية وعمق القضايا
بقلم : محمد حبوشة
لاشك أن الرؤية المشهدية التي يقدمها المخرج في مسلسل تلفزيوني ما، هى الحاضن الأساس لفكرة الكاتب، وهى تجسيد الانفعالات والعواطف والأحداث المخطوطة على الورق لكي تصبح مشاهد مرسومة على الشاشة الصغيرة، وبما أنه لكل مخرج رؤيته الإخراجية التي تختلف عن سواه من المخرجين، فقد ظهرت أساليب مختلفة في الإخراج التلفزيوني سواء على صعيد زوايا التصوير، أو على صعيد نوع الكاميرا المستخدمة، أو على صعيد عدد الكاميرات المستخدمة في تصوير هذا العمل الدرامي التلفزيوني أو ذاك، ولعل أسلوب الإبهار البصري هو أحد هذه الأساليب الإخراجية التي يلجأ إليها المخرج لتقديم رؤيته المشهدية في العمل، الإبهار البصري المتمثل بالتقاط المخرج لكل الأشياء القادرة على جذب المشاهد وتحقيق عناصر الإبهار البصري لدى هذا المشاهد، وتخديم كل هذه الكوادر، إن أصلحنا تسميتها بذلك، خدمة للمشهد، ولأن أسباب اعتماد المخرجين على أسلوب من دون غيره تختلف باختلاف عين المخرج وباختلاف طبيعة المسلسل الذي يقوم بإخراجه، اختلفت الأسباب التي جعلت هذا المخرج أو ذاك يعتمد على الإبهار البصري في إخراجه للمسلسل التلفزيوني.
لعل أحد أهم الأسباب التي تدفع بالمخرج تجاه استخدام الإبهار البصري، هى رغبة المخرج بالتقاط كل الجماليات الممكنة ووضعها في خدمة المشهد، وهنا تظهر براعة المخرجة المبدعة (كاملة أبو ذكري) ضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع، في اختيار الجماليات التي تتناسب وموضوع النص، بمعنى أن المخرج الجيد هو المخرج القادر على التقاط كل الكوادر التي تجذب المشاهد في الوقت ذاته تتناسب وموضوع المشهد الذي يصور، ومثال ذلك بعض المشاهد في مسلسل (بطلوع الروح) الذي حازت عنه جائزة (مهرجان القاهرة للدراما مؤخرا، إذ استطاعت أن توظف أكثر المشاهد مأساوية في خدمة العمل، وذلك من خلال أمور عدة، منها تصوير التطور في أسلوب (داعش) واعتمدت على إظهار بيئة شخوص العمل غنية بالديكورات الباذخة التي تسرق عين المشاهد، بالإضافة إلى توظيف حال (تنظيم داعش) التي جعلت منها معرضا يعج بالقطع الفنية التي تجمع بين العنف والقسوة والرومانسية في قالب مثير للغاية، وبذلك استطاعت أن تلمس كل الجماليات الممكنة على تراجيديتها المؤلمة ووضعها في خدمة العمل، لكن مع التفات (أبو ذكري) إلى خصوصية نص (بطلوع الروح) لم يغلب الإبهار البصري وحده على مضمون النص الذي يموج بالحساسية والتقلبات المرعبة.
تأخذك (كاملة أبو ذكري) نحو الإبهار البصري المستخدم في الأعمال التاريخية من خلال منحى آخر عن المنحى الذي تأخذها في الأعمال الاجتماعية (المودرن)، وهذا يعود إلى خصوصية نص المسلسل، فإن الأعمال السينمائية أو التلفزيونية التي تتعرض للتاريخ القديم نادرا ما تخلو من الإبهار البصري المتمثل بأعداد الجيوش الغفيرة التي تلتحم مع بعضها البعض، وبالأزياء، وبالديكورات المكلفة التي تحاول مقاربة العمارة التي كانت في الفترة التاريخية التي يطرحها العمل، فغياب الصورة الواقعية عن الزمن الذي يصوره العمل، واقتصار هذه الصورة على القليل من الآثار الخالدة، تفتح أمام المخرج باب الإبهار البصري على مصراعيه، فتلتقط (أبو ذكري) كل الجماليات المتواجدة في الآثار الباقية (معسكرات، قلاع حصينة، مدن تكتظ بسكان أبرياء يتطلعون إلى حياة طبيعية….الخ).
ولقد لجأت (كاملة) إلى تصميم ديكورات تقارب هذه المرحلة، وعندها يأخذ الإبهار البصري شكلا آخر عما هو عليه في الأعمال الاجتماعية، فليس الديكور الباذخ المؤلف من (المعسكرات الرجالية أو النسائية) وغيرها من أساليب القتل والتنكيل هو الذي يجذب المشاهد، بل الشكل العمراني الجديد على المشاهد، الذي يبدو قديم تاريخيا، هو الذي يلفت نظر المشاهد محركا لديه حب الاطلاع، كما يحقق الإبهار البصري في (بطلوع الروح) غرضا جديدا هو كسر الصبغة التوثيقية الجافة نوعا ما من خلال الإبهار البصري، فذلك الكم الهائل من الديكورات الموضوعة في خدمة المشهد في المسلسل من إكسسوار متمثل بأسلحة مشرعة على مصراعيها، ومن ديكور مكون من قلاع حصينة ومعسكرات، ومن مساحات مفتوحة تشكل ساحات وغى تتعارك فيها جيوش جرارة، كل ذلك يساعد المشاهد في تقبل المسلسل، والاستمتاع به أيضاً.
من خلال الأمثلة السابقة والتعريف بالإبهار البصري ودوره في المسلسل يتضح أن وظيفة الإبهار البصري جذب المشاهد إلى العمل الدرامي التلفزيوني، لكن هناك وظيفة أخرى لهذا الإبهار الذي اعتمدته (كاملة) كأسلوب في الإخراج، وهو تحويل اهتمام المشاهد عن ضعف نص العمل (دراما تلفزيونية أو سينما) وفكرته إلى الصورة المشهدية وما بها من جماليات التقطتها كاميرا المخرجة، والأمثلة في السينما الهوليودية جلية ولا تحتاج إلى تعمق لكي يكتشفها القارئ لبعض الأفلام السينمائية التي تنتجها هوليود، وهنا لا يقتصر الإبهار البصري على الديكور والإكسسوار وما إلى ذلك، بل يتعداه ليصل إلى الشكل الخارجي للممثل والممثلة، هذا الممثل الذي يجب أن تتوافر فيه صفات الرجولة من حيث الشكل حيث يمتلك عضلات مفتولة ووجها جميلا وأناقة مميزة، كذلك حال الممثلة التي تكاد تكون ملكة جمال رغم النقاب الذي يعتريها لا يستطيع المرء أن ينزل بصره عندما يراها، وفي البحث عن هذا النوع من الإبهار البصري.
في مسلسل (بطلوع الروح) نجد أن الإبهار البصري كأسلوب في الإخراج ساهم بشكل أو بآخر في زيادة شعبية المسلسل، لكن مع الانتباه إلى أمرين أولهما: توافق هذا الإبهار مع فكرة النص بشكل عام ومع حالة المشهد بشكل خاص، وثانيهما ألا يكرس ذلك النوع من الإبهار البصري الذي يستخدم كوسيلة للتسويق عبر تسليط الضوء على تلك العناصر المبتذلة، لهذا تحاكي الدراما التلفزيونية (بطلوع الروح) حياتنا وترصد جانب اجتماعي كبير منها وتعلق عليها، فلابد أن تلمس أوتار قريبة من تلك الحياة التي قصدت أن تسلط الضوء عليها وأن تعرضها بصورة جيدة حتى تفي بالغرض الذي وضعت من أجله، وهذا ما نجحت المخرجة (كاملة أبو ذكري) في طرحه، وخاصة عند عرض ثقافات مختلفة ورؤى عديدة لهؤلا الشخصيات ومن خلال التشابكات بعلاقات وأدوار أبطال العمل وهنا برزت لقطات سريعة وحية لم تميل إلى السآمة والملل والتطويل وكذلك كانت الديكورات على مستوى يليق بهذا العمل الجاد.
ولفت نظري هنا أن (كاملة أبو ذكري) استخدمت براعتها وحرفيتها في استغلال مواهب وقدرات هذه الجمع الكبير من الممثلين في تقديم عمل درامي قد قد يخفق الجميع في تقديمه أو يحتاج إلى أدوات وإمكانات معينة في أبطال العمل فكان دور (منة شلبي وأحمد السعدني) لهما تأثير قوي في البناء الدرامي للمسلسل ونجحت بشكل كبير في تقديمه، كذلك دور (محمد حاتم) الذي أثبت جدارته على استكمال نجاحاته، ومن ثم كان هذا العمل يستحق المشاهدة ويعتبر من أفضل الدراما التلفزيونية التي قدمت في الفترة الحالية.
ولدت (كاملة أبو ذكري مدينة القاهرة ولدت الفنانة كاملة أبو ذكري في أسرة ثرية على المستوى الثقافي والفني، والدها هو الكاتب الكبير وجيه أبو ذكري، درست الابتدائية والإعدادية حتى الثانوية في مدارس مدينة القاهرة ثم التحقت بالجامعة، حيث قررت الدخول لعالم الفن فدرست في المعهد العالي للسينما وتخصصت في قسم الإخراج والذي تخرجت منه عام 1990، وبدأت مشوارها الفني من خلال العمل كمساعد مخرج ثاني في فيلم (31 أشغال) للمخرج نادر جلال سنة 1993، ثم بعدها قامت بإخراج فيلمها القصير الأول (قطار الساعة السادسة)، ثم عادت بعد ذلك للعمل كمساعد مخرج في أفلام (هالو أمريكا) و (اتفرج يا سلام)، كما عملت كمساعد مخرج أيضا في عدة أعمال أخرى أبرزها (البحر بيضحك ليه) لمحمد كامل القليوبي 1995، و(الساحر) لرضوان الكاشف، وفي كلاهما قدم دور البطولة الفنان محمود عبد العزيز، و(بلية ودماغه العالية) لمحمد هنيدي عام 2000.
وبعد ذلك قامت بعمل فيلمها المشهور (اللمبي) بطولة الفنان محمد سعد، وفيلم (إزاي تخلي البنات تحبك) لهاني سلامة، إلى أن قامت بإخراج أول أفلامها السينمائية (سنة أولى نصب) سنة 2004، تلته بأفلام (ملك وكتابة، عن العشق والهوى، واحد صفر)، وعلى صعيد التلفزيون قامت بإخراج مسلسل السيت كوم (6 ميدان التحرير) عام 2009، و بعد ذلك مسلسل للنجمة نيللي كريم وهو مسلسل (ذات) في عام 2013، وأيضا مسلسل (سجن النسا) الذي وجد سيطا كبيرا في عام 2014، ومسلسل (واحة الغروب) سنة 2017، والمسلسل الكوميدي (بـ 100 وش) للنجم آسر يس ونيللي كريم عام 2020، وآخر أعمالها هذا العام مسلسل (بطلوع الروح).
يذكر أنه بعد النجاح الكبير لمسلسل (سجن النسا) اختارت الشركة المنتجة لمسلسل (زي الشمس) الذي قدمته الفنانة دينا الشربيني كبطلة للمسلسل المخرجة كاملة أبو ذكري للقيام بإخراج المسلسل، وبعد عدة خلافات دارت في موقع التصوير انسحبت (كاملة)، حيث أثار انسحابها من المسلسل تساؤلات الصحفيين، وهل للنجمة دينا الشربيني بطلة المسلسل والمطرب عمرو دياب دوراً في قرار المخرجة؟، وجعل ذلك البعض يظن أن هناك بعض الضغوط التي جرى ممارستها على المخرجة الكبيرة خلال جلسات التفاوض التي جمعتها مع منتج المسلسل (محمد مميش) و(مسعد فودة) نقيب السينمائيين وأعضاء النقابة، لإنهاء الأزمة دون تدخل من الصحافة والإعلام.
جعل ذلك (كاملة أبو ذكري) تلتزم الصمت حفاظا على حقوقها المادية والأدبية، حيث تم تكليف مهمة إخراج المسلسل للمخرج سامح عبد العزيز الذي وافق بعد أن تحدث تليفونياً مع (كاملة) وعرف منها أسرار العمل وخباياه، وعن أسرار الخلاف الذي دار ويتلخص في كون دينا لا ترضى بطريقة عمل (كاملة أبو ذكري) وتأخيرها كثيرا في تصوير كل مشهد، وهو الأمر التي كانت تقابله (دينا) بالتأخير في وضع الباروكة الخاصة بها وعمل المكياج، الأمر الذي أحدث صداماً وأشعل المشاكل بينهما، لدرجة دفعت (دينا) في إحدى المرات أن تقول (أكشن) بعد أن تأخرت كاملة في تحضير أحد المشاهد، وهو ما استفز (كاملة) وجعلها توبخ (دينا) أمام فريق العمل بالكامل.
كانت تلك الكلمة هي كفيلة بأن تدفع (كاملة) للانسحاب من المسلسل، بعد أن شعرت بضعف المنتج أمام دينا الشربيني وعمرو دياب، وهو ما حدث بالفعل، وفيما يتعلق بالأخبار التي ترددت حول تدخل عمرو دياب كثيرا في تفاصيل المسلسل ومشاهده، وأنه طلب وضع الموسيقى التصويرية للعمل بنفسه فهذا غير حقيقي.
ولأنها صاحبة رؤية حقيقية تجاه الأعمال الفنية فقد علقت المخرجة الكبيرة كاملة أبو ذكري على التصريحات التي قالها الممثل يوسف الشريف كونه لا يتعامل مع النساء في أعماله الفنية، حيث صرح قائلا: (في قيود أنا بحطها لنفسي زيادة عن أي حد تاني، ودي حقيقة حتى لو وصلت لدرجة العقود.. دي حقيقة بقالها 10 سنين أو أكتر، ده من بعد فيلم (هي فوضى)، بدأت أفكر بالطريقة دي.. دي حرية شخصية طالما مبضرش حد.. أنا مبستريحش لو بقي فيه مشاهد ساخنة أو فيها قبلات.. دي قاعدة بطبقها على نفسي بس.. بدأت أحط قيود لأن قبل كده في منتجين اتفقت معاهم على ده ووقت التنفيذ غيروا كلامهم).
وهو الأمر الذي دفع (كاملة) للكتابة عبر حسابها على فيس بوك قائلة: (لما يبقي في مشهد لحبيب بيحاول ينقذ حبيبته، والمخرج يقوله تمسكها وتشدها عشان تبعدها عن طلقة الرصاص، يقوم النجم الفاضل يرفض إنه يمسكها، علشان هو ما بيلمسش الستات.. هي دي بقي المشاهد الساخنة اللي حضرتك بتتكلم عنها؟)، وتابعت أبو ذكري حديثها: (ولما النجم يدعو الناس للصلاة وترك مشاهدة مسلسله أثناء موسم عرضه.. ده اسمه دين جديد ولا إيه؟، بالنسبه ليا ده اسمه نوع من أنواع الدعاية المبتذلة واستغلال أطهر شيء في الوجود لأغراض النجومية وزيادة عدد المشاهدات.. عايز ترضي ربنا في شغلك اختار مواضيع تنور عقل المشاهد أو تشرح قلبه)، وختمت المخرجة الكبيرة قولها: (تبقى عايز ترضي ضميرك وتقول في شغلك كلمة حق يمكن تبقي سبب إن ناسك يعيشوا أحسن.. والمجاهرة بالصلاة واستغلالها ده محرم في دينك).
وعلى جانب آخر الممثلين هاجمت المخرجة كاملة أبو ذكري ما وصفته بـ (غرور) عدد كبير من ممثلي مسلسلها الشهير(بـ 100 وش) ، حيث كتبت عبر فيسبوك: (عرفت وسمعت واتأكدت إن بعض الممثلين المبتدئين من مسلسل (بـ 100 وش) بعد النجاح الفظيع المريع للمسلسل شافوا نفسهم والغرور سيطر على تصرفاتهم، وأضافت: (عايزة أقولكم خسارة الغرور مقبرة الفنان زي ما قلنا إنتم لسه الناس ما تعرفش أساميكم الحقيقية وبتشاور عليكم باسم الشخصية اللي قدمتوها)، واختتمت قولها بالنصيحة: (الغرور ممكن يقتلكم، وغرور ليه إنتم مين أصلا، كلنا مين أصلا دكتور مجدي يعقوب متواضع ولما تتكلم معاه بيحط راسه في الأرض، مجدي يعقوب بجلالة قدره، وربنا يهدي).
وحول عدم تقديمها أعمال كثيرة متتالية، أوضحت أن خبرة الحياة تفيدها في الإخراج، لكن خلال فترة تصوير العمل تكون خارج العالم المحيط، فهي تركز فقط في العمل الذي تقدمه، متابعة: (لو فضلت كده طول الوقت هتحول لماكينة.. المخزون اللي عندي بطلعه فببقى محتاجة وقت عشان أرجع مخزوني تاني)، وأعربت عن تمنياتها بأن تظل تعمل بحب للمجال وليس كموظفة، قائلة: (طول الوقت بتمتنى إني أفضل أبقى بحب الشغلانة مش إني أبقى موظفة)،
ولفتت إلى أن المسلسلات يمكن أن تحول المخرج إلى موظفة إخراج بعض الشيء، لكنها لا تريد ذلك، فهي تتمنى أن تظل تحب المهنة كأول لحظة دخلت فيها معهد السينما.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للمخرجة المبدعة (كاملة أبو ذكري)، التي أثبتت من خلال عمل وراء الآخر أنها مخرجة موهوبة لديها قدرة كبيرة على صناعة أعمال ممتعة تحمل وجهة نظر، وقدمت بالفعل قائمة كبيرة من الأعمال الناجحة سواء فى السينما أو في الدراما التليفزيونية، مما جعلها معروفة بالاسم لدى رجل الشارع المهتم، كما أنها مخرجة تجيد إدارة الممثل وتغير وتطور شكل ومضمون وأداء النجوم الذين يعملون معها وتدخلهم فى تحد كبير وهذا وجدناه مع عد من النجوم الكبار اللذين تعاملت معهم