كتب : محمد حبوشة
مجددا، انتشرت صورة تمثال (شامبليون) القبيحة وهو يضع قدمه على رأس أحد ملوك مصر الفراعنة (تحتمس الثالث) في إحدى الساحات الفرنسية العامة عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أثار غضب المصريين المقمين في فرنسا، وعلى مواقع التواصل نظرا لأنه يمثل إهانة بالغة للحضارة المصرية العظيمة، كان الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، قال في تصريحات خاصة قبل أيام: (إن الفرنسيين يمتلكون الكثير من الاحترام والتقدير للآثار المصرية والتحف الثمينة بشكل عام، لكن هذا لا ينفى أن هذه الصورة التي انتشرت لتمثال (شامبليون) تعتبر إهانة للشعب المصري وكذلك الأثار المصرية، مشيرا إلى أنه يجب على الحكومة الفرنسية أن تتخذ جميع الاجراءات وتتحرك لإزاله هذا التمثال، وذلك احتراما لشعور المصريين والأثار المصرية.
ويري الدكتور زاهي حواس: أن اللجنة الدائمة للآثار المصرية التي يرأسها الدكتور مصطفى وزيري، تأخذ قرارتها ضد هذا الموضوع، مشيرا إلى أنه إذ لم يتم إزاله هذا التمثال الذي يجرح شعور كل فرد مصري، لابد من إيقاف البعثات الفرنسية للفرنسين الدائمة في مصر، وعن أن هذا التمثال يعتبر تفوق على الفراعنة، قال زاهي حواس، إن هذا الكلام غير صحيح لأنه لايمكن أن يتفوق أحد على الحضارة الفرعونية، وأشار (حواس) إلى أن نحت هذا التمثال الرخامي، الفنان الفرنسي (فريديريك أوجست بارتولدي)، ويصور شامبليون واقفا بقدمه اليسرى على رأس فرعوني في عام 1875.
وفي إطار مبادرات (الشركة المتحدة) التي أطلقتها بعنوان (أخلاقنا الجميلة) ومشروع (محتوى الأطفال)، ينبغي إطلاق مباردة تحت عنوان (الوجه المشرق للحضارة المصرية) يتم من خلالها وضع إشارت وفواصل على قنواتها لتصيحيح المفاهيم للمجتمع الغربي حول هذه الحضارة التي علمت الإنسانية مفهوم الحب والتسامح، في ظل مبادرة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي (بناء الوعي)، والتي تهدف من ضمن أهدافها إلى الرد على المزاعم الفرنسية وغيرها التي تنال من الحضارة المصرية مثل تمثال (شاملبيون) العنصري الذي لاينبغي السكوت على وجوده في العاصمة الفرنسية باريس، وظني أن أولى مهام (المتحدة) هو إنتاج مسلسل تحت اسم (تحتمس الثالث – قصة إمبراطورية ظلت ألف عام)، يحكي سيرة هذا الملك العظيم الذي أسس إمبراطورية مصرية حديثة في ذلك الوقت، وظلت تلك الأمبراطورية حتى نحو عام 1070 قبل الميلاد حتى عهد رمسيس الحادي عشر، وهو أكبر رد على صلف الفرنسيين من أحفاد نابليون الذي كان حاقدا على الحضارة الفرعونية.
وظني أن مثل هذه المبادرة وهذا العمل الدرامي سوف يؤكد على قول الكاتب إكرام لمعي، القس مصري وأستاذ مقارنة الأديان: (لكل بلد قيمه التى يعيش عليها وهى لا تختلف عن القيم الإنسانية العامة المتحضرة، ومصر التى يمتد بها تاريخها لأكثر من سبعة آلاف عام كانت دولة متحضرة تضم بشرا متحضرين قبل الزمان بزمان؛ حيث كان العالم من حولها يعيش حياة الغاب، لقد كانت أول دولة لها قوانينها وقيمها ونظامها وكل من حاربوها فى ذلك الزمن القديم كانوا من الرعاة الرحل أو الرعاع.. إلخ. وعندما دخلت المسيحية إلى مصر تأثرت بالحضارة الفرعونية وأصبحت مسيحية مصرية سواء فى شكل معابدها أو القيم الإنسانية المعيشة، ونفس الأمر حدث عندما دخل الإسلام مصر وأصبح إسلاما حضاريا إنسانيا.
نعم لا ينبغي إغفال التاريخ المصري الذي رسخ مفاهيم حول الحضارة من وحي كتاب (فجر الضمير) لجيمس هنرى برستد ترجمة سليم حسن، الذي ينتصر لإنسانية المصري القديم ففى الكتاب ينتصر(برستد) إلى أن ما حفظ حضارة المصريين القدماء هى الأخلاق، ويؤكد أن المصريين القدماء كانوا يعرفون ذلك، لذا سعوا إلى وضع مجموعة من القيم والمبادئ التى تحكم إطار حياتهم، تلك القيم التى سبقت (الوصايا العشر) بنحو ألف عام، وقد تجلى حرص المصرى القديم على إبراز أهمية القيم فى المظاهر الحياتية، فكان أهم ما فى وصية الأب قبل وفاته الجانب الأخلاقى، حيث نجد الكثير من الحكماء والفراعنة يوصون أبناءهم بالعدل والتقوى، كذلك كانوا يحرصون على توضيح خلود تلك القيم فى عالم الموت، لذا نحتوا على جدران مقابرهم رمز إلهة العدل (ماعت) ليتذكروا أن العمل باق معهم.
ويرصد (برستد) فى كتابه كيف استطاع المصريون القدماء تشييد منظومة أخلاقية شاملة تتكئ على فكرة العدالة، هذه المنظومة تعلن بوضوح مخاصمتها للظلم، وانحيازها المطلق للاستقامة، فكما قال (فرعون إهناسيا) لابنه الأمير(ميركارع): (إن فضيلة الرجل المستقيم أحب عند الله من ثور الرجل الظالم، أى من قربان الرجل الظالم).
ومن أجل ما مضي لابد من التصدي لإزالة تمثال (شاملبيون) العنصري الذي يدوس بقدمه على رأس امبراطور أقام حضارة مصرية عريقة لأكثر من ألف قائمة على الحق والعدل والحرية وهى قيم عرفها المصريون قبل أن يعرفها العالم، فحسب (إكرام لمعي) اتفق علماء الاجتماع على أن المجتمع الصحى هو المجتمع واضح القيم الذى يضع قيما عليا أمامه ويعيشها، وتكون بمثابة فلسفة عامة لا تحتاج إلى مؤسسات دينية تقوم بحمايتها – رغم أنها تشجع هذه القيم، ولا إلى ضباط أمن يضبطون من يخالفها؛ ذلك لأنها نابعة من داخل معظم مواطنى هذه الدولة بطريقة طبيعية، وهذا الشعب يضع منظومة أخلاقية فوقية يعليها ويعيش عليها ويتعامل على أساسها وهى: الوعى (العقل) – السعادة – الحب – القوة – السماحة – الصدق – الأمانة… إلخ.
علينا إدراك الغرض من تشويه حضارتنا بهذا الصلف الفرنسي وغيره من استعمار مر هنا على أرضنا المقدسة، فبالبحث فى ثقافتنا الأصلية منذ الفراعنة نجد أنهم سخروا قوتهم للإبداع وسعادة الإنسان وهنا تكمن القوة الحقيقية؛ لأنها ارتبطت بالإبداع والفن ورفاهية الإنسان، وهكذا ظهرت حضارات عظمى جاءت متأخرة عن حضارتنا بآلاف السنين؛ لأنهم فهموا معنى القوة الحقيقية بعد حربين عالميتين قتل فيها الملايين، وهكذا بنوا أنفسهم وشعوبهم على العلم والإبداع والتقدم، أما نحن فندمر أنفسنا ومن حولنا ظنا منا أنها القوة الحقيقية وهذا تأثير الثقافة الفرعية التى اختلطت بثقافتنا الأصلية، وبعد اجتياز عدة حروب وما ترتب عليها من انهيار اقتصادى وتعليمى؛ بدأنا نقف مع أنفسنا نبحث عن القوة الحقيقية لأجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.
التّمثال ياسادة يصور (شامبليون) عالم الآثار الفرنسي – الذي ينسب إليه فك رموز الكتابة الهيلوغروفية المصرية القديمة – واضعا حذاءه على رأس (تحتمس الثّالث) الملك الفرعوني العبقري كما يطلق عليه (لاحظوا الاختيار المقصود)، نظرا لأنه أول من أنشأ أسطولا مصريا بحريا به امتدت الإمبراطورية المصرية من أعالي (نهر النيل) بإفريقيا حتى شملت جزر (قبرص) وغيرها بالبحر المتوسط وصولا لحدود (الدّولة الفينيقية) بلبنان وسوريا… وقد اشتهر الجيش المصري حينذاك بأنه جيش أسطوري عصي على الانهزام.
ولن ننسى خطاب مجنون العظمة (نابليون) لجنوده: إبان احتلال مصر وهو يدعوهم ليكون أسطوله البحري أقوى أسطول بالعالم… ودعوته للسيطرة على منابع (النيل) كي لا تضيع منه نقطة واحدة!.. وكذا حفر (قناة) مائية بين البحرين المتوسط والأحمر للسيطرة على وسط العالم وصولا لأفغانستان والهند… ومفتاح السّر حتما هو احتلال (مصر) أجمل جزء بالعالم على حد وصفه.
وعلى حد قول الكاتبة (حورية عبيدة): كفانا استهتارا بحضارتنا العريقة، طيلة عشر سنوات… مراسلات ومناشدات من الجانب المصري للجانب الفرنسي لرفع التمثال من مكانه لم تأت بنتيجة.. حتى أن (ماكرون) رئيس فرنسا يعلن صراحة أن النحت هذا جزء من تاريخ (فرنسا) وسيبقى مكانه، ولهذا فالتمثال موضوع منذ سنوات طوال في ساحة (كوليج دو فرانس) وسط (باريس)، وهي أحد أهم مراكز التّعليم العالي بالعاصمة.
وتضيف: (كفانا محايلات ومناشدات وقلة قيمة).. ولنتعامل بثقة وعزة نفْس وحزم… فبعض البشر لا يستحق الاحترام والحوار، بل المعاملة بالمثل ولن أقول أن الإهانة تليق به، فالنحاتون والمثالون بمصر لا يشق لهم غبار.. والعملية بسيطة.. نحت تمثال أضخم للفرعون المصري (تحتمس الثالث) يضع حذاءه على رأس (نابليون ومينو وكليبر) قادة الحملة الفرنسية جميعهم، و(حذاء آخر) فوق رأس (فرديناند ديليسبس) الذي خان البطل المصري (أحمد عرابي) وأَدخل الإنجليز عن طريق (قناة السّويس) لاحتلال مصر (بعد تكبيلها بالدّيون لصالح فرنسا وبريطانيا).. وسنكتب تحته (خائن)، و (حذاء ثالث) لـ (بيبرس) على رقبة (لويس التّاسع) وهو مقيد بدار (ابن لقمان) بالمنصورة.
وفضلا عن كل ما سبق فإنه على المتحدة الانتباه من الآن فصاعدا إلى دورها المهم من خلال إنتاج أعمال درامية تكشف آللاعيب الاستعمار القذرة من ناحية ومن ناحية أخرى عرض كنوز الحضارة المصرية التي علمت البشرية القيم الأخلاقية العليا.. دعونا (نبدأ من الآن .. الآن وليس غدا)، في إبراز دور القوى الناعمة في استعادة وجهنا المشرق من جديد من خلال أعمال تعرض سير العظماء في التاريخ المصري القديم والحديث لنرد على مزاعم الغرب التي تعبر عن ضمير مثقوب.