كتب : محمد حبوشة
مسلسل الثمانية أحدث إنتاجات منصة شاهد، كان حقا من الأعمال المرتقبة نظرا للدعاية التي سبقت صدروه بإنه مسلسل أكشن على مستوى عالي تقنيا وإنتاجيا، مما رفع من سقف توقعات تجربة مشاهدته لتصبح منتظرة للكثيرين، ولكن هل كان رفع سقف التوقعات وبالا على العمل أم إنه تمكن من تحقيق النجاح المطلوب؟
تدور أحداث العمل حول المقدم (أدهم البارودي/ آسر ياسين) الضابط في أحد الاجهزة الأمنية والذي تضعه الظروف ليصبح مقربا من (ناصر المنشاوي/ خالد الصاوي) تاجر السلاح، ولكن العصابة التي يتبعها (ناصر) تقرر التخلص منه بسبب مخالفته لقوانينهم، وأثناء محاولة التخلص منه يتسبب ذلك في حادث يتضرر منه كل من (ناصر، وأدهم)، فيحاول (ناصر) الاستفادة من (أدهم) ليتحدا وينتقما سويا من عصابة الثمانية.
لقد بدت لي منذ البداية أن فكرة المسلسل الرئيسية جيدة وكانت الكثير من الأمور المبشرة، سواء في وجود تنظيم خطير أو في الرغبة في الانتقام التي جمعت بين ضابط ومجرم، ومحاولات السيناريو لبناء شكل منظمة الثمانية ووضع قوانينها وبناء العالم الخاص بها وكذلك وجود وشم مميز لها، وكان ذلك ناجحا إلى حد ما.
ولكن على الرغم من ذلك فإن السيناريو عانى من الكثير من المشكلات وقع في براثن الفشل، فمع محاولات بناء العالم إلا أن السيناريو أغفل بعض النقاط فظهرت فجوات في الأحداث لم يتمكن السيناريو من وضع مبرراتها بشكل منطقي، كما كانت الشخصيات نفسها تعاني من مشكلة واضحة، ففي كثير من الأحيان نجد قرار غير منطقي من أحد الشخصيات فقط لدفع الأحداث نحو ما يصبو إليه السيناريو ولكن ذلك لا يكون منطقي.
ومن خلال المشاهدة لاحظت أن السيناريو اعتمد على عدد من المصادفات لدفع الأحداث والتي تجلت في لقاء المقدم (مازن/ محمد علاء) بأحد فتيات عصابة الثمانية ووقع في حبها دون أدني مبرر منطقي، فكانت مصادفة غير منطقية لتظهر بدون مبرر، واستمرت المصادفات والقرارات غير المنطقية من أبطال العمل لدفع الأحداث وهو ما أضعف السيناريو كثيرا رغم كون الفكرة جيدة، وصولا لتسلسل النهاية الذي كان يمكن أن يكون شكله العام جيد ويسمح بوجود موسم ثاني ولكن كان بحاجة للتأسيس له بشكل أفضل ليكون أكثر قوة وتأثير.
الأداءات التمثيلية تراوحت بين العادي والجيد، وكان من الممكن ظهور أداءات أفضل لأن الممثلين المتواجدين في العمل يحملون قدرات تمثيلية أفضل بكثير من التي ظهرت في العمل، ولكن ذلك لا ينفي أن الأداءات كانت جيدة، خاصة في المشاهد الي جمعت بين (أسر ياسين وخالد الصاوي)، وكذلك محمد علاء، لكن الأداء الأفضل كان لـ (محمد ممدوح) الذي كان ظهوره كضيف شرفي هو الظهور الأفضل واستطاع تقديم أفضل أداء تمثيلي وكانت الحلقة التي شارك فيها هي الأفضل كذلك.
الإخراج كان جيدا من وجهة نظري على الرغم من سقطات السيناريو الذي تبدو فيه الفذلكة بعيدة تماما عن أي بناء درامي يقترب من الحبكة الجيدة، حيث تمكن (أحمد مدحت) من تقديم كادرات وصورة جيدة، ولكن مشاهد الأكشن كانت بحاجة إلى بعض المخاطرة، فجميع مشاهد الأكشن اختار الإخراج فيها الأسلوب السهل الممتنع، ولكنه كان بحاجة لخوض تحديات أكبر في الأكشن، خاصة وأن التوفيق جانبه في بعض المشاهد.
مسلسل الثمانية تمكن من بناء فكرة جيدة في البداية احتاج فيها السيناريو لوضع لمسات خاصة ليصل للشكل الأفضل، ولكن المشكلة التي عانى منها المسلسل هى أن الجمهور رفع سقف التوقعات للغاية، ولكنه في المجمل عمل متوسط القيمة، ومن ثم إذا كانت هناك نية لموسم ثاني فإن السيناريو بحاجة إلى رتوش ستتمكن من جعل فكرة العمل أكثر توهجا خاصة وإنها فكرة واعدة تحتاج إلى الإهتمام أكثر، ربما بإدخال كاتب (غير عمرو سمير عاطف) يملك قدرا من الخبرة في ظل سخاء إنتاجي واضح.
ظني أن مسلسل الثمانية كان يمكن أن يكون حالة فريدة بلاشك كما كان يبدو لأول وهلة .. إنه ليس مسلسل حدوتة مشوقة يمكن متابعتها حلقة بحلقة، بل مسلسل تنفيذ، وعلى حد قول الناقد (محمود مهدي) الذي قرأ السيناريو قبل التصوير: عندما تقرأ الحدوتة ربما تشعر بقدر ما من الانبساط، خاصة أنه يغوص في عالم الجريمة والمنظمات السرية التي تتحرك في أمكان كثيرة عبر الدول وشخصياتها كثيرة، وفيها ألعاب ذكاء وتحقيقات وغيرها لكن عندما نتحدث عن عمل درامي يعرض على شاشة لابد أن يكون هناك أشياء كثيرة ترفع من شأن الحدوتة الأساسية طبقا للسيناريو على مستوى تنفيذ المؤثرات، المعارك، كيفية الاستمرار على الوتيرة السريعة جدا للأحداث، وفي نفس الوقت مشاعر الشخصيات، لأنه مهما كان العمل متحركا وديناميكيا، وعمل أكشن وخلافه لابد أن يصل لي كيف تشعر هذه الشخصيات بإحساسها ودوافعها وأهدافها.
نعم: التنفيد لابد أن يقدم شيئا جديدا ومختلف كي نتفاعل مع الشخصيات ونحس بهم ونفهمهم، وهو لم يحدث على الإطلاق، فلم ننبهر بالأكشن أو المؤثرات البصرية ، ولم ننبهر بالضرورة بالمعارك، وتكمن الأزمة الكبرى في عدم التواصل مع الشخصيات – جميعها تشبه بعضها إلى حد كبير – فلم نشعر بما تحسه أي شخصية على مستوى الأحداث المشحونة بالحركة السريعة، نحن أمام حدث جلل حدث في الدقائق الأولى من المسلسل يخص شخصيتان أحدهما (خالد الصاوي) الذي ظل 30 ثانية يعبر عن الحزن، وفي نفس المشهد قطع حزنه ودخل في الخطة والأكشن والخطوات القادمة، ويبدو التذبذب الحاصل في الشخصية (آسر ياسين) لأنها تتخلي عن مبادئها تماما لدرجة أنه لم يمنحنا الوقت الكافي للمعايشة معه أو فهمه كي نشعر بغضبه الذي يمكن أن يؤدي لقرارات معينة.
على مستوى الأكشن هنالك مشاهد قليلة تبدو جيدة (مثل مشهد مطاردة الجاليري في أولها وليس آخرها)، ولكن غالبيتها تجنح نحو المبالغة (مثل مشهد الهليكوبتر) وقد يظهر نوع من التكليف والسخاء في الإنتاج ولكن لم يتم تسخير الأدوات كي تعطي نوعا من الانفراد بمشاهد لم تتكرر من قبل فيبدو هذا غير حقيقي، ويبدر في ذهني سؤال ملح وضروري: لماذا لم يلجأ المخرج لممثل يؤدي شخصية (خالد الصاوي) في سن صغيرة؟، وحتى (الميكاب) لتكبير سن (أحمد وفيق) كان سيئا للغاية.
شخصية (مصطفى البنا/ إدريس) ليست في مكانها على الإطلاق، فيظهر بشخصيته الكوميدية الفاترة جدا، خاصة أنه ألبسها لشخصية جادة لا يفترض فيه الإضحاك بحكم وجوده في مكان حساس جدا، فعلى سبيل المثال: هل يعقل أن يكون أمامه جملة لايعرف كيف يقرأها حتي نضحك نحن من فرط المواقف الهزيلة؟
تصورت أن (الكاست) الذي يضم مجموعة من الممثلين الكبار أن يقدم عملا لامعا على مستوى الشخصيات الذين يجسدونها، ولكن في غياب (آسر ياسين وخالد الصاوي، ومحمود البزاوي، ومحمد علاء عن الشاشة يبدو مسلسلا مصريا جدا، مع أن شخصية المقدم (مازن/ محمد علاء) كانت المفضلة التي ننتظر ظهورها.
الإيقاع السريع أكثر من اللازم والذي جعلنا نلهث وراء الأحداث ولا نستطيع التواصل مع الشخصيات وأهدافها وأحاسيسها يمكن أن نقبل أن يكون مقصودا في البداية، ويمكن أن يتم التخديم عليه في المستقبل القريب أو المنظور، ولكن الوتيرة لم تتغير حتى نهاية المسلسل، وكنا نطرح سؤلا بعد الحلقة الثانية: هل سيتم الاستغناء عن الأكشن أو لن يتكرر بنفس الأسلوب بعد ذلك، لكن للأسف ظل سيناريو المسلسل مصرا على حشو مشاهد أكشن منفذة بطريقة ساذجة حتى الوصول إلى خط النهاية (خاصة مشاهد المغرب)، تلك التي خلطت بين مكانين في مشهد واحد، تونس (مدرسة الزيتونة) والمغرب (بأجوائه المغايرة تماما) وهو من وجهة نظري الشخصية خلط أوقع المسلسل في المراوغة والتحايل على عقل المشاهد، ما يكشف أن السيناريو لم يتأكد من تحديد المكان.
في الحقيقة كان يمكن أن يغير مسلسل (الثمانية) مفهوم الأكشن – بحسب الدعاية الكبيرة المقدمة مسبقا – عند المصريين والعرب ويثبت للجمهور أن الفنان المصري قادر على عمل مسلسلات تنافس في هوليود، في ظل هذا العمل الضخم الذي تم إنتاجه بسخاء بالغ، وحاول صناعه أن يتم بالفعل تنفيذه بتقنية عالية الجودة وبشكل احترافي، كي ينال إعجاب الجمهور ويتفاعلوا معه، لكن للأسف ضعف السيناريو وعدم الربط بين الحلقات – التي تبدو كل واحدة منها على هيئة فيلم سينامئي مستقل – حال دون تحقيق ذلك، بدليل أن المسلسل كشف عن نهاية غير مفهومة، وهو ما توحي لوجود جزء ثاني من العمل، وسيكون به صعوبات وأكشن وأحداث أكثر من الأول بكثير، وبالفعل صرح صناعه أنهم الآن يعملون على تجهيز الجزء الثاني ولكنهم قالوا: لن نبدأ التصوير، ربما لتعديل السيناريو الذي فشل في هدفه من الجزء الأول، حتي أن ينال إعجاب الجمهور الذي خابت آماله مع رفع سقف الطموحات من دعاية للمسلسل قبل عرضه بالادعاء بأن (الثمانية) مسلسل عالمي بأياد عربية.
المثير للدهشة أنه كان تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية نشر صورة له عبر (إنستجرام) في شكل استعراضي من كواليس مسلسله الجديد (الثمانية)، وظهر في أول يوم من التصوير بصحبة نجوم العمل وكتب قائلا: (أحب أن أبارك إلى فريق العمل في أول مسلسل من تأليفي، حيث إن اليوم هو أول يوم تصوير في المسلسل)، وتابع: (بدأت الفكرة عندما انتهيت من تأليف قصة (الثمانية) وقررت أن أحولها إلى مسلسل يعرض على الشاشة.. ومن هنا بدأت في اختيار العناصر التي تساعدني في إخراج هذا العمل إلى النور)، وأشار تركي آل شيخ إلى أنه في إطار دعمه لأبناء بلاده قام بترشيح الممثل السعودي (خالد صقر) لدور مهم، والفنان البحريني (وضاح سوار)، كما استعان بخبرات أجنبية في التصوير والإضاءة حتى يخرج العمل بصورة مبهرة، وكأنه لم يتوقع هذا الفشل لأولى تجاربه الدرامية.
جدير بالذكر أنه شارك في البطولة كوكبة من نجوم مصر والعالم العربي إضافة إلى نجوم عالميين، أبرزهم من مصر: (محمد علاء، ريم مصطفى، محمود البزاوي، حنان سليمان، لارا اسكندر، سارة عبد الرحمن)، وضيوف الشرف (غادة عادل، محمد ممدوح، أحمد فؤاد سليم، وأحمد وفيق) ومن نجوم العالم العربي: (جهاد سعد، منذر رياحنة، محمد مفتاح، وضاح سوار، فاطمة ناصر، فراس سعيد، عبد اللطيف شوقي، خالد صقر) وآخرين، ومن الممثلين العالميين شارك في العمل (مايكل بيتش، باشا ليشنيكوف، ريتشارد دومايو).