بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
حكايه اليوم من الأسكندرية .. وتحديدا من مسرح (كوتة) القريب من مكتبة الأسكندرية في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، والراوي هو الفنان الراحل محمد الشويحي – يرحمه الله – خلال زيارة شرفني بها في مكتبي بجريده الأهرام بالدور الرابع..
قال الشويحي ردا على سؤالي له عن (فرقه الدراويش) التي أنشاها الفنان يوسف عوف ترد سريع على (فرقه ثلاثي أضواء المسرح) التي ألفها الثلاثي (سمير غانم جورج سيدهم والضيف أحمد)، والتي لقيت استجابه وترحيبا سريعا وكبيرا من الجمهور ما يؤدى إلى أن يتبناها المخرج محمد سالم، ثم يدفع بها إلى التلفزيون لعمل الفوازير كعمل جديد لم يكن التلفزيون يعرفه، ويضيف الفنان محمد الشويحي شارحا سبب نجاح (أضواء المسرح) وفشل الدراويش، فيقول إنه بسيط يتلخص في خفه دم الثلاثي وموضوعاتهم الأقرب إلى المنولوجات الموقعة على أنغام طبلة مصاحبة، سريعه وذكيه.
أما (فرقه الدراويش) فكانت تهدف إلى غايه أبعد قصدها الفنان يوسف عوف وكان هدفه منها هو التصدي لمظاهر السلبية في المجتمع وتمديدها بين الشباب العاطل الباحث عن الوظيفة الحكومية السهلة وارتكنوا على الخمول وعدم الجدية أو بغض النظر في طريق العلم أو البحث عنه، وكنا – يضيف الشويحي – حوالي ثمانية أفراد بعضهم من طلبة كلية الطب الهواة إضافه إلى قائد الفريق (يوسف عوف والدكتور شديد، فرحات عمر، ومحمد الشويحي وواحد أو اثنين من ممثلي وفناني المشاهد الثانوية في المسرح أو التلفزيون والسينما، ولهذا قل عمل الفرقة حتى سكتت تماما لتستمر فرقه (ثلاثي اضواء المسرح) وتنجح وتنتشر على (مسرح كوتة) الذي كان يديره المعلم صديق متعهد الحفلات وروائع الفنانين المبتدئين من خلال الفرقة بالاسكندريه الموجودة مثل (فرقه ببا عز الدين) أو (فرقه حورية محمد)، وكان مسرح (كوتة) يلقى رواجا واسعا باعتباره مسرحا للمنوعات والتسليه تقصده الجماهير السكندرية.
وعلى هذا المسرح يواصل (محمد الشويحي) بدأت الحكايه الأولى، وهي (هيعورونا) على خشبه المسرح لتقديم أحد عروضنا وكنا نلبس ملابس موحدة بسيطه تدل على رقة حالنا كفرقة الدراويش، حيث تقدم نماذج من المظاهر السلوكية في المجتمع وعلى المسرح، وكنا نتقدم طبورا نسير واحدا إثر الاخر وقد وضع يده على كتفه في صورة تدل على فقر الحال، وكنا نردد جمله كان المقصود بها هو تقديم العزاء في إحدى المناسبات وكان الغرض هو السعي وراء ما سيقدم أصحاب العزاء من طعام، كنا نقول:
الأمر أمر الله يا سيدنا
ألف رحمة ونور عليه
ده شيء مقدر ما هو بإيدنا
ليه بقى راح نبكي عليه
وكنت أنا آخر الطابور فجأت خطواتي فوق كليم مفروش على خشبه المسرح ولم أكن أعرف ولا خطر ببالي أنه موضوع ليغطي كرسي على خشبه المسرح فسقطت من خلاله وسط ضحك الجمهور، ووجدتني تحت منصه المسرح وقد أصابتني شاسيه خشبيه مكسورة في وجهي وكنت وكادت عيني أن تفقأ فصرخت، أسرعت السيدة (تحيه كاريوكا) وكانت تتعامل مع المعلم صديق لخدمه الفنانين والفرق الناشئه أمثالنا لتتيح لهم فرصه التعارف بينهم وبين الجماهير، ويستمر (الشويحي) فيحكي ويقول: ووجدت السيدة (تحية كاريوكا) بسرعه معي تحت منصه المسرح وهى تمسك بيدي لتسحبني إلى الخارج وتنادي على الزملاء تعالوا يا أولاد إلحقوا أخوكم (الشويحي)، فنزلوا جميعا مسرعين لينقذوني ويخرجوا من المسرح في الكواليس حيث شاهدنا جميعا المطرب الناشئ في ذلك الوقت (عبد الحليم حافظ) وقد ترك منصه المسرح ونزل وبعض الأوراق في يده ودموعه في عينه وأسرعت (الست تحية) إليه تساله في لهفة: ما لك يا حليم فقال:
المعلم صديق طردني وقال لي ما تجيش هنا ثاني!
سالته تحيه:
ليه يا حليم؟
قال: كنت عاوز أغني غنوة جديدة وكنت فرحان إن الناس هيسمعوني ويبقى لي جمهور.
سالته تحية:
غنوه ايه؟
قال: غنوة جديدة حلوة والله لمحمد الموجي اسمها (صافيني مرة وجفيني مرة) لكن المعلم صديق سألني.
انت بتعمل ايه يا فندي؟ قلت:
بوزع النوته للغنوة على الأوركسترا.
نوته ايه يا أستاذ.. انت فاكر نفسك عبد الوهاب ولا فريد الأطرش.. انت هتغني حاجة من شغل عبد العزيز محمود أو عبد الغني السيد.
ثم أضاف:
غني مثلا (يا مزوق يا عود يا ورد في عود) ايه رايك؟، فقالت لا.. أنا مش هاغني لحد غيري.. أنا هاغني الأغاني بتاعتي أنا وبس، فقال صديق: ليه هو انت أجدع من عادل مأمون مثلا كان عندنا امبارح وغنى (يا مزوق يا ورد في عود) بتاعه عبد العزيز محمود والناس صفقت له ورقصت معه فرحانة.
سمعت الست (تحية كاريوكا) الحكايه فسحبت عبد الحليم الباكي خلفها وسألت صديق:
انت طردته ليه يا صديق.. وليه مش عاوزه يغني اللي هو عاوزه.
قال صديق:
يا ست تحية حضرتك عارفه احنا على قد حالنا وتذكرتنا بشلن أو بريزة والعملية مستورة والحمد لله ده مسرح تسالي يا ست، وردت تحية كاريوكا: اسمع يا صديق (حليم) ده فنان وهيبقى له مستقبل كبير غصب عنك.
قال صديق: يا ست على راسي من فوق ما قلناش حاجة بس احنا هنا نظامنا كده.
وتدخل (عبد الحليم) يشكو لها: تصدقي كان عاوز يديني كم أنا والموجي والمؤلف محمد سمير حبيب (50 قرش).. ده حتى الموجي سأله: نص جنيه لنا احنا الثلاثة، صديق: أيوه وكثير كمان.. انتم حقكم تدفعوا لي أنا هاشهركم وأقدم لكم سكة وطرق. الموجي: وده يقصدني أنا… هاغني امتى وقال الصديق للموجي: يعني والناس رايحة الحمام أو بتاكل والعيال بتلعب!!!
قال صديق: والله ده اللي عندي.. وفكر الموجي دقائق ثم قال موافقين يا معلم، لكنني رفضت وزعقت فيه قدامي تحية.
اسمع يا صديق… ده فنان مش صبي علمة.. انت فاهمني.. خلي مسرحك مطربق فوق دماغك، ثم قالت لنا جميعا بصوت سمعه الجميع: يلا يا اولاد.. فخرجنا معها جميعا، والذي عرفناه بعد ذلك أن المسرح لم يكمل شهرا حتى أغلق أبوابه، ويضيف (محمد الشويحي) يقول لي ومن معي شفته بقى ان (الست تحية) دي ست جدعة وبمائة راجل.. أحكي لكم ايه ولا ايه؟!