محمد شاهين .. صاحب أكثر الملامح المرنة في الوسط الفني
بقلم : محمد حبوشة
لا يختلف اثنان على أن الدور المركب القائم على شخصية شريرة أمر صعب ويتطلب قدرات تمثيلية هائلة، وتترتب عليه غالبا ردات فعل سلبية تجاه الممثل ذاته، إذ قد يصدق المشاهدون أن ما يرونه على الشاشة هو حقيقة، من هنا، يسعى معظم الممثلين إلى التنويع في أدوارهم بين الشر والخير لإبراز مدى حرفيتهم في تجسيد قدراتهم الإبداعية، ولطالما باتت أدوار الشر تحديا كبيرا أمام الممثل، فمنهم من حاول نقل الصورة التي يجسدها العقل عن الشر؛ تلك الصورة التي تحمل قدرا كبيرا من الوحشة، والخوف، والفزع، والألم، ومنهم من اتجه إلى مدرسة أقرب إلى الواقعية؛ فالشر جزء من تركيبنا جميعا كبشر، والفارق الوحيد هو إرادة الإنسان والتي تتحكم في جزء الخير عن الشر فتنمي ما تريد منهما، وتكبح جماح الآخر.
ولقد نجح العديد من الممثلين المصريين في تجسيد أدوار الشر، وذلك ما ظهر من خلال العديد من القصص والأفلام والمسلسلات التي استخدم فيه الممثل أدواته في تجسيد صور مختلفة من الشر، أو صورة واحدة ناجحة، وعندما نبحث في ذاكرة السينما المصرية، سنجد الكثير من الشخصيات التي تمتعت بالموهبة الفنية الفذة خاصة في أدوار الشر، الأمر الذي ترك صورة سيئة لدي أذهان الجمهور فالجميع أصبح يري كل مجسدي الشر شخصا سيئا وغير آدمي، والحقيقة أن السينما والتلفزيون عالم افتراضي ليس له علاقة بالواقع فأمام الكاميرات أشرار ومن خلفه الأصل طيب، ومن هؤلاء النجوم ضيفنا في باب (في دائرة الضوء) الفنان الشاب (محمد شاهين) القادم من خلفية كوميدية تؤكد أنه موهوب بالفطرة كما بدا لي في أعماله الأولى.
يقول ستانسلافسكي: (الممثل الموهوب وحده، هو الذي يستطيع أن يصبح شخصية فنية)، ولايوجد تحديد واضح لمعنى الشخصية الفنية التي يقصدها (ستانسلافسكي) إنما هنالك ادعاء كون الموهبة هى القياس لعمل الممثل مما يجعل عمل تنظير (ستانسلافسكي) في فن التمثيل غير ذي جدوى، يقول (ستانسلافسكي): وحده الممثل غير الموهوب، يضطر المخرج إلى تشكيله كما يشاء، من ناحية الذوق والملابس وإرغامه على أن يتحرك على خشبة المسرح أو على شاشتي السينما والتلفزيون، طبقا لإدارته)، يعني: على الممثل أن ينفذ تعليمات المخرج؟!، فحينما يكون الممثل ملتزما بخطة الإخراج يساهم في إنجاح مجمل عناصر العمل الفنية الأخرى من النص إلى السيناريو والحوار، بالتالي لا يمكن للممثل أن يذهب بعيدا عن خط العمل ليؤكد وجوده الفني بشكل فردي.
يجمع الخبراء على أن مكونات الجسد متعددة عند الممثل منها الصوت، والذي بدأ الاهتمام به كجزئية جسدية، أي باعتباره لغة جسدية وليس كلاما (وليس من الضروري أن يكون هذا الصوت جميلا أو متناغما أو مركزا ونغما معبرا بعمق عن الشخصية بما تحمله من خصائص وفردية وحساسية ، من هذا نتعرف أن الصوت في حالة (محمد شاهين) يعبر عن باطنية الممثل، وهذا التعبير هو ما ينقل إلى المتلقي للاندماج بما يقوم به الممثل، ولا يكون هذا الصوت ناتجا من فراغ أو من عدم، وإلا لكان العرض المسرحي أو السينمائي أو التلفزيوني فاقدا لقيمته، إن هذا الصوت يعبر عن الموقف كلغة جسدية يعبر عنها بالصراخ مثلا، حيث يكون هذا الصوت مفجوعا أو حزينا أو فرحا بطريقة ما من خلال الموقف الذي يقفه الممثل، وهو بالتالي التعبير الجسدي عن حالة الممثل، لما يمر به من مواقف كوسيلة تعبيرية.
ومن خلال متابعتي للفنان الشاب (محمد شاهين) أستطيع القول بأنه يتبع نظرية (ستانسلافسكي) في طريقته لتعليم الخيال، أو تحفيز الخيال لدى الممثل حيث (يعتقد أنه يجب على الممثلين أن يصدقوا باحتمالية الأحداث في حياتهم الخاصة، قبل أن يتمكنوا من تصديق الأحداث على خشبة المسرح أو السينما والتلفزيون)، وقد كان يعرف الطريقة الأولى للتعبير عن الحياة الانفعالية الصادقة للشخصية تكون من خلال الملاحظة والخيال واستخدام الحواس وأن يستدعي الممثل ويجتذب الانتباه إلى كل شيء يواجهه ليكتشف جوهره الحي وهذه الطريقة معروفة باسم (الذاكرة المؤثرة أو الانفعالية) وهى عملية يختار بها الممثل (شاهين) الانفعالات من خبرات حية مشابهة لتلك الشخصية ويستغل مطابقة أو ازدواج الأحاسيس الانفعالية داخل الدور، إن التذكر أو الاستدعاء الانفعالي يؤدي إلى الإلهام الذي يستخدم بواسطته الممثل أفضل ما بداخله ويحمله إلى فوق خشبة المسرح والسينما والتلفزيون.
محمد شاهين كممثل لأدوار الشر في المسلسلات التليفزيونية مؤخرا حتما يواجه تحديات جسام، ويحظى بنصيب أكبر من الكراهية من مشاهدي البيوت الذين يتأثرون بما يقدمه من أدوار ترسخ في الذاكرة بوضعه في خانة الأشرار وعلى الرغم من تمتعه بقدر معقول من الوسامة إلا أنه يشعر أن نجاحه مع الجمهور أصبح مرتبطا بأدوار الشر على عكس طبيعته كإنسان طيب بفطرته، فلم يضع في حسابه مدى تقبل الجمهور للممثل بعد تقديم أدوار الشر، لكنه اكتشف ذلك عقب مشاركته في عدة أعمال تلفزيونية خلال السنوات القليلة الماضية.
(شاهين) رغم مشواره الفنى القصير فإنه استطاع أن يخطو بخطوات ثابتة ساهمت بشكل كبير فى توثيق نجاحه؛ خصوصا أنه يختار أدوارا مثيرة للجدل، والتى من خلالها أصبح الفنان الشاب حديث الشارع المصرى حين عزف من خلال عدة أدوار درامية على أوتار أخرى من ألوان الشر تتمثل في التخطيط للقتل بأعصاب باردة، أو التحايل على المواقف لانتزاع إرث أخيه بالمرواغة، ما يؤكد قدرته كممثل يستطيع تقمص الشخصية مهما كانت صعوبتها على المستوى الداخلي والخارجي، وهو هنا يستخدم مفهوم الانتباه المسرحي لدى الممثل الذي يجسد دورا على الشاشة، وتأثير ذلك في تحديد شخصيته وعلاقته بالجمهور، وهو الذي بدأ حياته التمثيلة بمركز الإبداع بالأوبرا.
ولد الفنان محمد شاهين في القاهرة في مصر، وقد درس التجارة في جامعة القاهرة وبدأ بالتمثيل في مسرح الجامعة، وبعدها انضم إلى ورشة الإبداع الفني لإعداد الممثل والتي أشرف عليها خالد جلال، بعد تخرجه من ورشة الإبداع الفني لإعداد الممثل ترك المسرح رغم حبه الشديد له واتجه إلى التلفزيون والسينما، أما أول أعماله في السينما فقد كانت دور صغير في فيلم (حريم كريم) عام 2005، ودور عازف الكمان (عبد الله) في فيلم (حليم) عام 2006، أما انطلاقته الحقيقية في عالم النجومية فقد كانت من خلال دوره الكوميدي في السيت كوم (تامر وشوقية) عام في أجزائه الأربعة، حيث مثل مع أحمد الفيشاوي ومي كساب.
كما شارك بالتمثيل في مسلسل (بوجي وطمطم – الجزء الثاني) عام 2009، أما عام 2010 فقد كان عاما مليئا بالأعمال الفنية حيث مثل في فيلم (لا تراجع ولا استسلام – القبضة الدامية)، وشارك في فيلم (عسل أسود) وفي مسلسلي (العتبة الحمرا، والكبير أوي – الجزء الأول)، حيث لعب دور شخصية (توماس) صديق (جوني)، وفي عام 2011 لعب دور (يحيى) في مسلسل (عريس دليفري)، ودور (فولتارين / روبلجين / خضر) في فيلم (سيما علي بابا)، ودور (سامي) في فيلم (إكس لارج) ودور (توماس) في مسلسل (الكبير أوي الجزء الثاني).
في عام 2012 لعب (محمد شاهين) دور سيف في مسلسل (شربات لوز) من بطولة الفنانة يسرا، ومثل في مسلسلي (ابن النظام، سيدنا السيد، أما عن عام 2013 فقد مثل في مسلسلات (الكبير أوي – الجزء الثالث، ونيران صديقة)، وكذلك في مسلسل (نكدب لو قلنا مابنحبش)، وفي عام 2014 ظهر كضيف شرف في مسلسل (الكبير أوي – الجزء الرابع) ودشن أدوار الشر في مسلسل السبع وصايا) بدور (صبري)، وفي عام 2015 لعب دور حازم في مسلسل (من الجاني؟)، قدم أدوارا مركبة في مسلسلات (الكابوس، بعد البداية، في أرض النعام) بدور (أنس) وبدور (عادل حديدة) في مسلسل (بين السرايات)، أما في السينما فقدم فيلمي (أسوار القمر، وشد أجزاء)، وفي عام 2016 قدم دورين مهمين في مسلسلي (ونوس، وراس الغول)، وفي نفس العام شارك (شكة دبوس) بدور (عمرو)، وفي (خانة اليك) بدور (وفيق).
وعاد لخلط الكوميدي بالتراجيدي في (الزيبق – ج1) عام 2017 بشخصية (سالم الحسيني)، ودور (كريم) في فيلم (بشتري راجل) ودور (هاني) في فيلم (يا تهدي يا تعدي)، كما شارك كضيف شرف في فيلم (هروب اضطراري)، أما في عام 2018 فقدم أدوارا متميزة في المسلسلات (لدينا أقوال أخرى، وممنوع الاقتراب أو التصوير ومليكة)، كما قدم البرنامج الأسبوعي (كريزي ماركت) على قناة cbc وهو برنامج مسابقات طهي ترفيهي، وقد شارك كضيف شرف في مسلسل (بدل الحدوتة تلاتة)، ولعب دور وكيل النيابة في فيلم (محمد حسين)، ودور (شحاتة) الذي اتسم بالقسوة والشر المطلق في مسلسل (حدوتة مرة) عام 2019.
في عام 2020 قدم (محمد شاهين) أدوارا مشهودة له في الشر والكوميديا في مسلسلات (سلطانة المعز، جمع سالم، جمال الحريم، إلا أنا، وفي عام 2021 شارك في (لحم غزال، خارج السيطرة، موضوع عائلي)، أما في عام 2022 فشارك في (أحلام سعيدة، سوتس بالعربي، وأخيرا في (الليلة وما فيها) الذي يعرض حاليا.
يتمتع (محمد شاهين) بأداء يغلب عليه ثراء الشخصية الفني الذي يتكامل إذا أضيف إليه واحدا من أخطر العناصر في تحقيق أداء فني وتقمص عالي القيمة في تشكيل العناصر الأساسية في التجسيد الدرامي وذلك باستخدام فن الخيال، وفي حالة (شاهين) علينا أن نعرف أن نشاط خياله كممثل مرتبط مع انتباهه، وينسب الممثل إلى كل ما يراه من خلال النص من أشياء حقيقية وإلى كل ما يسمع ويشم ويتحسس صفات مختلفة، ويقيم علاقات متباينة مع هذه المواضيع القابلة للإدراك بصورة واقعية، إن نشاط خيال الممثل الإبداعي يكمن في ذلك، فقد رأى (محمد شاهين) حبلا (مرميا) على الأرض، تمثل في شخصية (قدرى الزيات) في مسلسل (سوتس بالعربي)، شخصية غنية وممتلئة بالتناقضات والتفاصيل، لكنه ينسب إليه ذهنيا صفات من صنع خياله، لا يمتلكها الحبل في حد ذاته، وعندما يضفي على الحبل صفات الحية، فإنه يجد في داخله علاقة نفسية مناسبة لها، تجد لنفسها مباشرة تعبيرا ظاهرا في سلوكه، وفي أفعاله، وفي تصرفاته، وفي تعامله مع الحبل كما لو كان حية تتحرك وتؤذي وتقتل، لذا اعتبرها بعض النقاد من أهم الشخصيات الدرامية هذا الموسم.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للنجم الشاب (محمد شاهين) الذي أثبت جدارته في تقيم الشر والكوميدي والأدوار المركبة، حيث أكد البعض أن أنه من الممثلين المهدور حقهم في الوسط الفني وأنه نابغة وعبقري ويستحق أكثر من مجرد مشاركة أو دور ثاني في أي عمل، حيث أنه أجاد في كل عمل قدمه، وأنه يليق بأي شخصية يقدمها، فملامحه من أكثر الملامح المرنة في الوسط الفني، فيليق به الشر والطيبة والكوميديا والتراجيدي، لكنه قلما لا يحصل على البطولة المطلقة أبدا، و دائما ما يشارك في بطولة المسلسلات بدور ثاني، ولكنه أيضا دائما ما يكون موفق في الاختيارات، ويشارك في الأعمال الأكثر نجاحا، حيث قدم شخصية ضابط أمن الدولة، والجاسوس، والبلطجي، والزوج الوفي المخلص والملكوم في وفاة أبنائه، وكل ذلك ببراعة فائقة، حتى صار من النجوم المحترفة والموهوبة حقا.