بقلم الإعلامي : علي عبد الرحمن
منذ سنوات طويله و شهية بيع ماسبيرو لاتتوقف، قديما قالوا سيباع لمن يدفع مقابل مبني بديل أمام النايل سات بمدينه أكتوبر، ثم تعالت الأصوات ضد ذلك فاختفت دعوات البيع، ثم تناثرت الكلمات حول تطوير مثلث ماسبيرو فظن البعض أن التطوير من أجل بيئة حضارية لماسبيرو، ثم طال التطوير جراج ماسبيرو وحضانة أبناء العاملين بماسبيرو، وطال منفذ بيع (شركة صوت القاهرة) بماسبيرو، وأيضا مقر الجمعيه التعاونيه للعاملين بماسبيرو، وتم تجريد ماسبيرو من أزرعه وتوابعه، وظل وافقا بقاعدة العشر أدوار وبرج الـ 28 دور صامدا رغم معاول الهدم من حوله وأصوات الكراكات والخوازيق.
ولما بدا أن لماسبيرو مقرا بديلا في العاصمة الإداريه كما بدت حاجة أهل تطوير مثلث ماسبيرو إلى توسيع متنفسهم علي نيل القاهرة فتلاقت الحاجات فتم تصدير أخبار استكشافيه حول نية الدوله في بيع مبني ماسبيرو وتحويله إلى فندق علي النيل جسا للنبض ورد فعل النخب وأصحاب الشأن العام، وهذا علم مسبق بأن بيع ماسبيرو قد يحدث بلبلة في الصفوف ولأصحاب شائعة البيع ولأهل حقيقته.
ماسببرو ليس عمارة سكنيه على نيل القاهرة، وماسبيرو ليس مولا تجاريا نعوض أصحاب المحلات فيه، وهو ليس مبني ضخم به مئات الحجرات يتم تعويض كل حجرة بـ 60 ألف جنيه كسائر البنايات، ماسببرو أثر إعلامي فريد ورمز وطني وحيد وشاهد علي مصر ذو عمر مديد، ماسبيرو مبني أعلي صوت القاهرة حينما بث (هنا القاهره) وانطلقت من أثيره صوت الثورة والثورات التالية، ماسبيرو مخزن و أرشيف مصر القومي المصور، ماسبيرو شاهد علي بزوغ شمس زعماء ومطربين وفنانين ورياضيين وشخصيات عامة.
ماسبيرو الذي جمعنا حول الراديو لنسمع الشيخ (عبد الباسط عبد الصمد) في الـ 8 م، وهو الذي لم شملنا حول حفلات الست، وهو الذي ألهب حسنا الوطني مع خطابات الزعماء والقاده على مر تاريخنا الحديث، ماسبيرو كان حلم المصريين في الظهور علي الهواء بحثا عن النجومية والشهرة وحلم فتياته وفتيانه ليكونوا مذيعيين مشهوريين، وحلم كل مواهبه في أن تجد فرصة لعرض موهبتها على أهل ماسبيرو، ماسببرو الذي نخرج إليه في المناسبات ونلتقط صورا وهو في الخلفيه، ماسبيرو كان أمل أهل مصر للظهور علي شاشاته.
ماسبيرو ياساده إن لم يكن رمزا وشاهدا وكان عائد بيعه اهم من قيمته فإن تحويله إلي متحف قومي للاعلام يدر دخلا ممتدا للزائرين والدارسين والباحثين والمتهمين والسياح يفوق عائد بيعه الفوري، أو يصبح مركزا قوميا للأرشيف السمعي البصري لرحلة ومعدات وتسجيلات وأحداث مصر طيلة 62 عاما هى كل لحظات تحرر وحراك وبناء مصر، لو تحول إلى متحف أو مركز قومي للأرشيف ليضاف إلي معالم ومتاحف مصر المعاصرة، ليضم كل معدات البث وتطورها ومعدات التصوير والمونتاج والدوبلاج والمكساج وفنون الترجمه، ويضم تطورا لمراحل البث وتطورا في عدد القنوات والإذاعات وساعات البث، ويضم الأزياء التاريخية والدينية، ويضم العرائس والمجسمات ويضم نصوصا وتعليقات تاريخية ويضم صورا لنخب مصر في جنباته وقصة كل زيارة، ويضم تسجيلات صوتية ومرئية نادرة، ويضم سجلا سياسيا لاحداث مصر في 62 عاما، ويضم بانورما لمعالمنا الاعلامية وصورا لأشهر أفلامنا ومسرحنا ومسلسلاتنا وبرامجنا وصورا لنجوم الإعلام الذين تعود العرب جميعا علي صوتهم وصورهم.
ماسبيرو الذي شهد معظم أحداثنا وأغرب قضايانا، إنه كنز وطني، يمكن أن يجمع ويحافظ علي جزء من تاريخنا وأحداثه، وبانوراما عن إنجازات الوطن ورواده، يمكن ان يدعم الباحثين في مجال الإعلام والسياسه والمجتمع، يمكن ان يكون مزارا تثقيفيا لأطفالنا وشبابنا ومزارا لكبارنا وزوارنا، يمكن أن يحرك ساكنا في مشهدنا الإعلامي الراكد ويثير شهية الباحث والدارس ويدر دخلا ورسوما ممتدة تعوض عوائد بيعه.
فهل تقتنع الدوله بقيمة ماسبيرو وأنه ليس مجرد مبنى أو عمارة سكنية وأنه يمكن أن يحرك ساكنا ويحفظ متهالكا ويوثق لمتلاحق الأحداث، هل ندشن حملة تبرعات ليشتري أهل مصر ذاكراتها المسموعة والمرئية؟، هل يتبرع كل منا بجنيهات أم نجد تحالفا وطنيا لشرائه وتحويله لمتحف أو مركزا قوميا للأرشيف السمعي البصري في مقابل بعضهم الذي رحب ببيعه والتخلص منه؟، أم ندشن حوار وطنيا أو استفتاءا حول نسب الموافقة والرفض لبيع ذلك الأثر الوطني على نيل العاصمة؟
إن تاريخه يستحق، ومايضمه يستحق، وماهو شاهد عليه يستحق، وما سيقدمه يستحق، انه جزء من كل، وهو حلقة في سلسلة، ومبدأ في فكر أمه، دعونا ندرس الفكرة وعائدها المعنوي والمادي والقيمي والحضاري، وهو أهم بكثير من أموال تدفع لطمس مرحلة هامه في تاريخ الوطن، وليس كل شئ للبيع، وليس البيع هو ثقافة اليوم.
حما الله مصر،وأنار بصيرة أهلها، وألهمهم الصواب والرشد، ولبيقي ماسبيرو أثرا ومتحفا ومعلما وطنيا مهما وشاهدا، ولتذهب أموال بيعه إلي عمارة وبنايات أخرى،وتحيا دوما مصر، وأعلي الله صوتها..آمين.