رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب : رسالة السيسي من الدوحة

بقلم : محمد شمروخ

منذ أوزوريس وحتى جمال حمدان!

لم تكن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة مجرد زيارة رئيس دولة إلى دولة أخرى كانت على خصومة معها، ولا حتى تغليبا للمصالح بين الدول، حسب القاعدة الميكافيلية، التى اختصرها الاستعمارى الإنجليزى الصهيوني العتيد وينستون تشرشل بقوله الشهير (لا عداوة دائمة، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة).

ومع إقرارنا بطغيان الميكافيلية على السياسة الدولية – تاريخا وحاضرا ومستقبلاً – ولا تكتفى بذلك، بل يمتد تأثيرها كثيرا إلى العلاقات الأخرى فيما بين الكيانات ما تحت الدولة وحتى العلاقات الخاصة، مع استبعاد الأخلاقيات الإنسانية كمؤثر فعال فيما غير المصلحة، إلا أن هذا الطغيان الميكافيلى يحول الدول والمجتمعات الإنسانية  الاشخاص إلى كائنات كريهة تبدو كالكلاب المسعورة.. هذا مع تذبذب معايير المصالح في تحديد معناها بالدقة!

فلماذا ذهب السيسي إذن إلى الدوحة؟!

ارتباط مصر بقطر كارتباط الأعضاء البشرية في الجسم الواحد،

لكن الذين يسألون هذا السؤال ربما يتجاهلون أن علاقتنا بقطر أو غيرها من دول الخليج العربي، ليست فقط كجزء من الأمن القومى المصري، فأول الدوائر المحيطة بمصر هى الدائرة العربية وارتباط مصر بها كارتباط الأعضاء البشرية في الجسم الواحد، أي أن أي اضطراب سوف يكون وبالا على كل الأطراف ولعل قطر أدركت هذا مؤخرا، لكن ممارسة دور مصر الحضارى والأخلاقى سبق كل ذلك.

 وقطر فيما قبل تصالحها مع مصر، لم تجن من سياسات زرع الشقاق في كثير من المناطق ودعمها غير الخفي لعمليات إشعال الفتن إثارة القلاقل في غالبية الوطن العربي لاسيما في مصر وسوريا وليبيا والسودان، لم تجن من ذلك إلا العزلة، مع إدراكها، مؤخرا، أنها كدولة ليس لديها الخبرات التاريخية والسياسية والاستراتيجية التى تؤهلها للاستمرار في ممارسة هذا الدور، فقد اعتقد القائمون على أمور قطر لزمن ما أن امتلاكهم لقناة (الجزيرة) مع سيول الأموال المتضخمة لديهم سيكون كافيا لممارسة التأثير السياسي حتى على دول كبرى والتحكم في مقدراتها.

لذلك صارت قطر مقصداً رئيسيا لجماعات النصب السياسي من الإخوان أو سواقط اليسار انتهازي الليبرالية واغترفوا من أموالها في سبيل تنفيذ مشروعها في الزعامة ما فاضت به البنوك واكتظت به حقائب السفر!

قناة الجزيرة

لكن المحصلة بعد أكثر من ثلاثة عقود من ظهور قطر كقوة مؤثرة في الشارع الإعلامى العربي، من خلال قناة الجزيرة، كانت تلك العزلة التى لم يعلن عن انكسارها عمليا إلا بزيارة الرئيس السيسي، التى جاءت ردا على زيارة الأمير تميم القاهرة قبلها بفترة وجيزة.

فتبادل الزيارات أعاد قطر للصف العربي مرة أخرى بعد عداوة شديدة بذلت فيها الدوحة الغالى والأعلى لزعزعة الأمور في مصر.

–  سؤال مهم: كيف نتجاوز ذلك؟!

–  إجابة أهم: إن هذا قدر مصر المعقود بوجودها والذي فرضه عليها التاريخ والجغرافيا معا وكان لابد أن يكون القائم على أمر مصر ممثلا لهذه المسئولية الثقيلة، فالرئيس المصري لا يحمل ثقة شعب أو يمارس دورا  موكلا إليه فقط، بل لابد أن يحمل هذا الميراث الحضارى الكبير الناتج من التفاعل بين الإنسان كمنفذ للتاريخ، وبين الأرض التى تمثلها الجغرافيا.

ولنفترض أننى هنا مغرق في الرومانسية إلى درجة السذاجة عندما أقرر أن أهم مظاهر هذه الرسالة الحضارية الناتجة من هذا التفاعل، هى هذا الدور الأخلاقي الذي برز أول ما برز في أدبيات التراث المصري القديم والذي أطلق (جيمس هنرى برست) على لحظة ولادته في مصر القديمة (فجر الضمير).

نعم إن دور الحضارة الحقيقي هو إنتاج منظومة أخلاقية تحكم وجود الإنسان وبما أن هذه المنظومة، وضعت أول ما وضعت على هذه الأرض الطيبة، فلا نستغرب من أن ينسى وريث الحضارة المصرية القديمة كل الثارات والمحن والإحن، من أجل تحقيق دعوة قادمة من وراء آلاف السنين!

لقد دفعت مصر ثمنا غاليا لرسالتها تلك في كل العصور طوال تاريخها الذي بشكل أطول اتصال زمنى على كوكب الأرض!

فجر الضمير

ولم يكن السيسي فاعلها أول مرة ومع الأمير تميم بالذات، فمنذ عدة سنوات قليلة وبينما تبث قطر شبكة من القنوات الداعية إلى الثورة على السيسي ولا تكف عبر عناصرها الإعلامية في إطلاق الشائعات بزعم هروبه من مصر وأنه لن يعود، وذلك حينما ذهب إلى نيويورك لحضور اجتماع وإلقاء خطاب في مقر الأمم المتحدة، وزادت أبواق قطر وحلفائها، بالتطاول الشخصي الذي تجاوز الحدود، لكن في غمرة كل هذا، إذا بالرئيس عيد الفتاح السيسي يلتقى داخل مبنى الأمم المتحدة الأمير تميم وجها لوجه وبدلا من أن يتجاهله أو حتى يظهر علامات الحنق أو الضيق لهذه المصادفة إذا به يستوقف الأمير ليطلب منه أن يبلغ أسفه الشخصى للسيدة والدة الأمير بسبب اندفاع بعض الأصوات في مصر والتطاول والسخرية منها، وهو ما أمر (عبد الفتاح) ابن (حارة البرقوقية) بحي الجمالية الواقعة في قلب القاهرة بالتوقف عنه فورا.

لقد كانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي العاصمة القطرية الدوحة بمثابة حمل رسالة شفرية قديمة كأنما اشترك في كتابتها حكماء مصر منذ (أوزوريس وبتاح حتب وأمينينوبي وحتى محمد عبده والعقاد وتوفيق الحكيم وجمال حمدان)، وكأن كل هؤلاء وغيرهم ممن لا يتسع المقام لذكرهم، حملوا رئيس مصر في رحلته التاريخية إلى الدوحة رسالة لإبلاغها لكل العالم.. رسالة مصر الخالدة.. دون ادعاء أو كذب أو انتهازية من تلك التى الصفات التى يجيدها تلاميذ (ميكافيللى) في هذا العالم.

فما بال الذين أصابتهم الصدمة من فريق الإعلام المصرى والذين لم يفلحوا في إخفاء هذه الصدمة؟!، لكنهم تنفيذا للخطط الإعلامية المرسومة لهم فقط، كظموا غيظهم، ذلك لأنك لو ذكرت لهم اسما واحدا ممن سبقوا لفتحوا أفواههم عجبا،، لكن لو ذكرت لهم (ميكافيللي) ستراهم يستبشرون لذكره لكن في الخفاء!

هؤلاء لا يدركون رسالة مصر الحقيقية لا في شفرتها ولا في صراحتها

لكن ليسقط ميكافيلى وليبق أوزوريس ولو سخر الساخرون!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.