فاطمة رشدي: (ستفان روستي) أنقذني من المجنون، وعملت كومبارس مع (سارة برنار) !
* تمثيل عزيز عيد لدور المغتصب جعلها تفر هاربة من المسرح قبل انتهاء دورها
* عملت مع يوسف وهبي في فرقة رمسيس أدوار الصبي الصغير
* تأثرت بروزاليوسف، وكان الدم يغلي في عروقنا ونحن ننظر مشدوهين إليها في إعجاب في (الدم)
كتب : أحمد السماحي
مازلنا مع مشوار حياة الرائدة الفنية الكبيرة (فاطمة رشدي) التى عاشت حياتها كلها على خشبة المسرح، منذ كانت صبية صغيرة في الثانية عشرة من عمرها تغني وترقص وتلقي المنولوجات، وتمثل، بينما كل من في سنها وقتئذ يمضين أوقاتهن في اللعب.
في الحلقة الماضية توقفنا عند عملها في الغناء، وتعرفها بالشيخ سيد درويش الذي كان له الفضل في نزولها من الأسكندرية إلى القاهرة، ومعرفتها بالفنان نجيب الريحاني الذي رفض ضمها إلى فرقته نظرا لصغر سنها، وترددها على قهوة الفن بشارع (عماد الدين) التى كان يجلس عليها أهل الأدب والفن، حيث لفتت نظر الأديب محمد تيمور الذي قدمها إلى المخرج المسرحي عزيز عيد، قائلا له: إيه رأيك في بطاطة؟
عزيز: دي حاجة لطيفة، وأنت عارف أني أقدر أكتشف المادة الخام من أول وهلة وأصقلها حتى تصبح ذهبا، أنت قدمت لي تحفة وفي الوقت المناسب، أنا عندي لها دور في مسرحية (القرية الحمراء) دور (عين أبوها).
اغتصاب على المسرح!
اندفعت فاطمة رشدي تسأله: أنا حمثل؟! إزاي؟ وأجاب عزيز: ما تخافيش حاعلمك التمثيل، بعد يومين بدأ بالفعل يعلمها ويدربها على دورها وهى في حالة من السرور والإرتباك والخوف من الإقدام على شيئ جديد، وكان موضوع المسرحية عن استغلال عمد البلاد لمراكزهم في سبيل تحقيق أغراضهم وملذاتهم بصرف النظر عن النتائج، وكان دور (فاطمة) أو (عين أبوها) دور فتاة صغيرة يريد العمدة اغتصابها!
وتقول (فاطمة رشدي): جاءت ليلة الحفل على مسرح برنتانيا، وكانت والدتي تصاحبني ورفع الستار وابتدأ التمثيل، ولما جاء دوري وأخذ (عزيز) يمثل معي دور المغتصب، أخذت بطبيعة تمثيله ونسيت أننا نمثل على مسرح، وذعرت ذعرا شديدا وصرخت في رعب وتصورت أنه يريد اغتصابي فعلا، وصرخت مستنجدة بأمي وحصل هرج ومرج ونزلت الستار وأخذتني أمي إلى البيت وهى تردد ما تخافيش يا بنتي!
وفي اليوم التالي قابلني (عزيز عيد) في قهوة (راديوم) أو قهوة (الفن) كما كان يطلق عليها بشوشا ضاحكا كأن لم يحدث بالأمس شيئ وبدأ يحدثني ويتلطف في حديثه معي، واكتشفت في (عزيز) أنه متحدث بارع وصريح جدا، كبير القلب، وصوته ملئ بالود والحنان، وتركنا القهوة وذهبنا إلى ملهى بروض الفرج، وأثناء ذلك حكى لي قصة حياته ومشواره مع الفن.
يوسف وهبي .. وفرقة رمسيس
بعد أيام فاجأني قائلا: يا فاطمة أنا مسافر إلى إيطاليا لإقناع (يوسف وهبي) أنا و(مختار عثمان) بتكوين فرقة تمثيلية في مصر، بدلا من العمل في السينما الإيطالية، حيث يفكر (يوسف) في الاستقرار هناك، بعد أن ورث عن والده (عبدالله باشا وهبي) ثروة ضخمة، وبالفعل سافر عزيز وظللت أنا أعمل في ملهى (البوسفور) أغني.
ولم تطل غيبة (عزيز عيد) في إيطاليا، وبعد فترة عاد الفرسان الثلاثة (عزيز ومختار ويوسف) من هناك، وشرع (يوسف وهبي) في تكوين فرقة (رمسيس)، وبدأت البشائر تحقق أحلام (عزيز) وهو وجود المال اللازم لوضع أسس قواعد الفن المسرحي الأصيل من جميع نواحيه، ولم يكن المال هو العامل الوحيد الذي يسر لـ (يوسف وهبي) تكوين فرقة (رمسيس) بل كان هناك أيضا العنصر الفني الذي اضطلع (عزيز) بدور كبير فيه، فقد أمكنه تنمية القدرات الفنية لجيل من الفنانيين قام (عزيز) بتدريبه خير تدريب.
أحمد علام يساعدني
عرض على (عزيز) العمل في فرقة (رمسيس) الجديدة فقبلت طبعا دون تردد، وبدأت صلتي الروحية بالمسرح وبهرني ما شاهدته فيه من حركة دائبة ومناظر مختلفة وأضواء متغيرة كانت كلها جديدة في نظري، وبعد شهرين من البروفات لإجراء التدريب على عدة روايات ستعرض تباعا رفع الستار يوم 10 مارس عام 1923 على عرض رواية الافتتاح (المجنون).
وكانت أدواري في هذه الفرقة صغيرة لا تتجاوز كلماتها سطرين أو ثلاثة أسطر، وكانت أهم أدواري في هذه الفترة أدوار صبيان في مثل سني، فلعبت دور (توبي) في رواية (الذهب) لـ (تشارلز ديكنز)، وفي هذه الفترة كنت مغرمة بتقليد الممثلة السينمائية الأمريكية (بيرل وايت)، وكان (أحمد علام ومختار عثمان) يساعدانني على تقليد هذه الممثلة، وتوطدت صداقتي بهما.
ستفان روستي يُنقذني
تستكمل فاطمة رشدي مشوارها فتقول: استرعت أنوثتي المبكرة وجمالي ومرحي الفائق أنظار كثيرين وأنا عنهم لاهية، حتى لقد أغرم بي اثنان من أعرق الأسر المصرية وأشهرها، أما أحداهما فقد حاول اختطافي في أثناء انصرافي إلى منزلي في آخر الليل بعد تهديدي بمسدس كان يحمله، مستعينا بعملاقين من البلطجية، فصرخت وتصادف أن سمع صرختي زميلي (ستيفان روستي) الذي كان قريبا من مكان الحادث فحاول إنقاذي منهم بمساعدة زملائي من الفنانيين وفي مقدمتهم أستاذي (عزيز عيد).
وفهم هذا العاشق المجنون إنني لا أصلح إلا للفن فتركني لحالي، أما الثاني فعرض علي أمي مبلغا ضخما قدره أربعة آلاف جنية كمؤخر صداق، فضلا عن رحلة إلى سويسرا أتعلم ما فاتني تعلمه في مصر من ملفات وعلوم حديثة.
عزيز يفصح عن حبه
تدخل (عزيز عيد) لحمايتي من هذين العاشقين الغنيين، ومن غيرهم من زملائي في المسرح خاصة أن جمالي كان صارخا وأنوثتي متفجرة، وبدأ (عزيز) يفصح عن حبه، لكن بطريقة أخرى تجنبه تذكر الفارق الشاسع بيني سني وسنه، فاختار لي مدرسين ليعلمونني اللغة العربية والقرآن الكريم والأدب والرسم وإلقاء الشعر، وكان يدفع لهم رواتبهم من جيبه، فالرجل يحبني ويحب أن تكون حبيبته في مستوى من الثقافة يؤهلها لأن تكون تلميذه له.
ولم يقنع بما أكابده من تعب وإرهاق في تعلمي كل هاتيك العلوم، فكان يمضي معي ساعتين في كل يوم يدربني فيهما على فن الإلقاء والتمثيل، كما كان يصحبني إلى الفرق الأجنبية الزائرة لنشاهد ما تقدم من أعمال مختلفة، كما كان يأخذني لزيارة المتحف المصري لأتعرف على آثار قدماء المصريين ويشرح لي تاريخهم.
ولم يكتفي بهذا بل بمجرد تعلمي القراءة والكتابة اشتري لي روايات ممتعة تحببني أكثر في القراءة حتى أصبحت القراءة هوايتي المفضلة.
تأثري بروزاليوسف
كل هذا كان يحدث وأنا في فرقة (رمسيس) وهنا لابد أن أنوه بتأثري وإعجابي الشديدين بفنانة المسرح (روزاليوسف) فقد كنت أقف بين الكواليس حينما تكون على المسرح لأشاهد ما تصنعه ولأسمع صوتها كيف ينساب منفعلا بالدور الذي تمثله، أذكر أننا كنا جميعا كأعضاء للفرقة نتكدس بين الكواليس في الليالي التى عرضت فيها رواية (الدم) لنشاهد (روزاليوسف) وهى تحاور (يوسف وهبي) على المسرح محاورة عنيفة تجعل الدم يغلي في عروقنا ونحن ننظر مشدوهين إليها في إعجاب وإعزارعظيمين.
كومبارس مع سارة برنار
تقول فاطمة رشدي في مذكراتها التى كتبتها بنفسها: انقضى عامان وأنا أتدرج في تمثيل الأدوار من الصغيرة فالكبيرة مثل دور (نيشت) في (غادة الكاميليا) أمام يوسف وهبي، وروزاليوسف، ونجحت في الدور نجاحا أدهش (عزيز) نفسه لتقدمي السريع وبخطوات، وفي موسم زارت فرقة (سارة برنار) مصر لتعرض مسرحياتها على مسرح (عباس) في شارع (عماد الدين)، وكانت ثمن تذاكر مشاهدة مسرحياتها غالي جدا جدا، حيث بلغ ثمن التذكرة في نهاية الصالة عشرة جنيهات، وكنت ومعي زميلاي (منسى فهمي، وفؤاد سليم) في شوق لمشاهدة (سارة برنار) هذه التى طارت شهرتها في جميع أنحاء العالم، وهى فرصة أتيحت لنا لنطفئ نار هذا الشوق.
ولكننا مفلسون فكيف نجتاز الباب إلى الصالة وهدانا تفكيرنا إلى أن نقدم أنفسنا لنعمل معها كومبارس فنستفيد من مشاهدتها عن قرب، وبالفعل عملنا معها، وكانت (سارة برنار) قد جاوزت الستين وإحدى رجليها عاطلة، ولهذا كانت تمثل وهي جالسة معظم الوقت، وإذا وقفت استندت إلى مقعد أعد لها، أما صوتها فهو الموسيقى التى تأخذ باللب وتلعب بالأفئدة، واستقبلها الجمهور بتصفيق حاد.
عزيز عيد يشهر إسلامه
بعد انتهاء عملي مع (سارة برنار) مرضت ولزمت الفراش وزارني جميع الزملاء والزميلات إلا (عزيز عيد)، ولام (أحمد علام، ومختار عثمان) عزيزا على عدم زيارته، فاعتذر بانهماكه في ترجمة رواية لا تترك له فرصة لزيارة أحد، فقالا له: ولكن فاطمة ليست أحدا، فقال لهما: وأنتما تعلمان كم أعزها، وفجأة قال علام: اسمع يا عزيز، أيمنعك مانع من زواجك بها؟ فلمعت عيناه وقال: وهل ترضى هى بزواجي، فطمأنه علام بأنه سيفاتحني في الأمر، وبأنه واثق من موافقتي.
وزارني (عزيز وعلام ومختار) واتفقنا على الزواج، على أن يعلن (عزيز) إسلامه، وبالفعل أشهر عزيز إسلامه وتزوجنا.