بقلم : محمود حسونة
لم يعد يؤذيك فقط من تعرفه وتتقاطع مصالحه مع مصالحك، ولم يعد يحقد عليك فقط من يريد أن يطمع فيك أو يريد أن يأخذ منك ما هو حق لك، بل أصبح الأذى يأتيك أحياناً من حيث لا تعلم ولا تعرف، وقد يملأ الحقد عليك قلوباً وعقولاً لا تعرف أصحابها ولم يسبق لك أن التقيتهم ولا يُتوقع أن تلتقيهم في حياتك، وقد يسقط الأذى والحقد عليك من الفضاء، سواء الفضاء الإليكتروني الذي أصبح منبراً للسخرية والتنمر وخلق الشائعات وترويج القيم الهدامة ونشر الأفكار المتطرفة والسلوكيات العنيفة، أو الفضاء البشري الذي يضم أشكالاً وألواناً من البشر الذين يتفاوتون قيماً وسلوكاً وخِلُقاً.
وإذا أردت أن تتصدى للعمل العام أو تصبح ناجحاً أو مشهوراً، فعليك أن تتسلح بسلاح اللامبالاة تجاه أقوال وأفعال الفاشلين والحاقدين الذين تمكّن منهم الفراغ الفكري والثقافي والديني وتحولوا إلى كائنات تؤذي كل مجتهد وتنال من كل ناجح وتتنمر على كل متميز وناجح، وخصوصاً الفنانين الذين يؤدون رسالة سلام في مجتمعاتهم ويسعون لنشر البهجة والفرح في محيط جماهيرهم سواء المحبين أو الحاقدين.
الحقد والتنمر لا يمارسه فقط أفراد على أفراد ولكن يمارسه، الخارجون على أوطانهم، والمتمردون على أهلهم، وتمارسه طبقات على طبقات وعرقيات على عرقيات وشعوب على شعوب وأنظمة حكم على أنظمة حكم، وهو ما يضاعف الكراهية وينشر العداء حول العالم ويهدد أمنه وأمانه واستقراره.
كلما ازددت نجاحاً اعلم أن مستهدفيك سيزدادون ويتضاعفون، وحاول أن تتحصن باللامبالاة تجاه أقوال وشائعات وأحقاد الفاشلين، والأكثر استهدافاً من المتنمرين في مصر هو لاعبنا الدولي (محمد صلاح) الذي نتباهى به جميعاً ونعجز عن حمايته من ظنوننا وألسنتنا وبعضنا يحمله فوق ما يحتمل البشر، نتباهى به ونقذفه ونتجاوز في حقه بما ليس فيه، وتضيق عقول بعضنا لتكون بحجم النملة عندما يفعل ما ليس على هواهم، إذا التقته معجبة وحيته بقبلة بريئة ومتعارف عليها في الغرب اتهمه بعضنا بالخروج على الدين وتجاوز عاداتنا، وإذا خسر ليفربول مباراة حملناه وحده المسؤولية وكأنه الوحيد الذي يلعب وليس له شركاء.
خالقو ومروجو الشائعات استهدفوا نجمنا الكبير (عادل إمام) مراراً خلال السنوات الماضية، وأماتوه عشرات المرات بدلاً من أن يدعوا الله له بتمام الصحة والعافية باعتباره مَن أمتعهم وأمتع آبائهم وأمهاتهم وأضحك الجميع وأزال هموماً عن ملايين المهمومين على مدار نصف قرن.
من حق أي مشاهد أن ينتقد نجومه في مسلسلاتهم أو أفلامهم، ومن حقه أن يلقي اللوم على نجم أو نجمة نتيجة هبوط مستوى عمل له أو لها، ومن حق كل إنسان أن ينتقد فستان ظهرت به فنانة أو بذلة ارتداها فنان في مناسبة عامة، ولكن ليس من حق أحد أيًا كان، أن يتنمر على شكل فنان أو فنانة أو يحط من قدر كبير أو كبيرة زحفت التجاعيد إلى وجه أي منهما، أو يتجاوز في حق ابن أو ابنة معاقة لفنان أو فنانة، أو يدعو بالموت على فنان أو فنانة لأنه صاحب عقل منغلق يحرّم الفن ويعتبر الفنانين خارجين على الملة والدين.
لم يعرف المصريون هذا القدر من التنمر الذي نطالعه على مواقع السوشيال ميديا كل يوم، والذي لا يعكس سوى أننا شعب ينحدر خلقياً بدلاً من أن يحافظ على قيمه التي أذهلت شعوب الدنيا على مدار التاريخ. المتنمرون لم يتركوا فناناً أو فنانة إلا وحاولوا النيل منه أو منها، وكانت الطامة الكبرى عندما خرج بعضهم متنمراً على تجاعيد جميلة الجميلات (ميرفت أمين) عندما ظهرت في عزاء المخرج الراحل (علي عبدالخالق) لتواسي أهله وأصدقاءه وأحبابه، ظهرت من دون ماكياج احتراماً للموت، وثقة في جمهورها وفي الشعب الذي رفعها عالياً وهي شابة، وهي فنانة قدمت مئات الأعمال وجسدت مئات الشخصيات وأمتعت ملايين المشاهدين من عشاق الفن، ولكن البعض أخاب ظنها وظننا وتجاوز عليها متنمراً على تجاعيدها، وكأن هذا البعض لم ير التجاعيد تغير ملامح والدته، أو لم ير فعل الزمن في أهله وناسه.
هؤلاء المتنمرون من فعل الزمن في البشر سوف ينال منهم الزمن ان عاجلاً أو آجلاً، وهم فئة من الناس أصابها الضلال ولا تؤمن بفعل الزمن، أو فئة فاقدة للخلق والأدب وعاجزة عن احترام الكبير، أو فئة تعادي الفن وأهله وتحاول النيل منهم (عمّال على بطّال)، وبالتالي فهم فئة ليسوا منا ويسيئون إلى شعب بنى حضارة عريقة وزرع قيماً ستظل تتداولها وتتذكرها الانسانية حتى اليوم المعلوم.
لن تكون (ميرفت أمين) أول ولا آخر المتنمر عليهم، فالحاقدون الفاشلون فاقدو الأدب والخلق تنمروا من قبل على معظم الفنانين ووصلت دناءتهم للتنمر على الفنانة (يسرا اللوزي) لأن لديها ابنة صماء، وتنمروا على ابنتي (شريف منير) وتنمروا على (سوسن بدر)، وتنمروا على (نور عمرو دياب)، والقائمة تطول وستطول.
هذا الكلام ليس دفاعاً عن (ميرفت أمين)، فهي ليست متهمة في شيء حتى أدافع أنا أو غيري عنها، وتجاعيد ميرفت آمين زادتها جمالاً على جمال، ولكنه الجمال الذي لا يراه الحاقدون والمتخمون بالأمراض النفسية والسلوكية، ولكنه حزناً على أخلاقنا المهددة بسبب قلة منا خرجت على الأعراف وتجاوزت القيم ونالت من أخلاق شعب كريم.