بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
سمعت صوتها خلال الروضة المظلمة الطويلة في مقر مجلة (المجلة)، كانت تتحدث العربيه الفصحى مرة والفرنسية مرة ثانية والإنجليزية مرة ثالثة.
وكنت في شرفة (المجلة) عصر ذلك اليوم احتسي قهوتي انتظارا لتوقف المطر حتى أعود إلى بيتي في الميريلاند بمصر الجديدة، خرجت إلى الروضة وأضأت النور فوجدتها حسناء في حوالي الثلاثين من عمرها تسال عن المسيو (إبراهيم اصلان) وسألته عن هويتها؟، فقالت أنها مستشرقه فرنسية أوفدتها دور النشر الفرنسية التي تعمل بها لتبحث عن الروائي المصري (إبراهيم أصلان) للحصول على حق على ترجمه بعض أعماله.
قالت إنها في إجازه 10 أيام آخرها اليوم أمضتها كلها تبحث عن مسيو (أصلان) في كل مكان وقالوا إنه من الممكن أن تجده فيه ولكن دون فائدة، وأضافت إن اليوم هو الأخير لها في إجازتها وأنها ستسافر فجرا عائدة إلى فرنسا، لكن قالت أن الصدفة وحدها هي التي قادتها إلى المكان الأخير حيث مقهى ريش لتسأل عن المسيو (أصلان) فقالوا انه منذ فتره لا يأتي إلى المقهى، لكن جرسونا عجوزا قال إنه من الممكن أن تجده في مجله (المجلة) لو أنها ما زالت مفتوحه حتى الآن ووصف لها المكان حتى التقينا أنا وهى.
قلت لها بالعربيه الفصحى والفرنسية المكسرة والإنجليزيه أن من حظها أن (إبراهيم أصلان) كان جاري في السكن في إمبابة، لكنني الآن وبعد الزواج أقيم في مصر الجديدة، ثم كتبت لها رسالة لسائق التاكسي الذي ستركبه إلى إمبابه شرحت للسائق فيه عنوان (أصلان) شرحا ونفيا ورجوت أن ينادي لها أيا من أبناء المنطقه ليوصلها إلى شارع (فضل الله عثمان) من شارع (سماحة) حيث يقيم أصلان.
باقي الحكايه يحكيها لي (أصلان) عندما زارني في المجلة بعد حوالي الشهر ليعاتبني بطريقته المرحه على ما فعلت فيه من الفضيحة عندما فوجئ بالمستشرقه تقف أمام نافذة غرفته في إمبابه وأبناء الشارع كله يقفزون حولها ويتسارعون الخوجايه بتسال عليك يا عم إبراهيم.
يضيف إبراهيم: الفضيحة هى أن المستشرقه الجميله كانت قد كشفت حال إمبابة جراء المطر فخرج إليها إبراهيم مسرعا من غرفته ليدعوها لتدخل ثم سال جيرانه في الغرفه عن مقعد لها تجلس عليه، وقالت هى إنها جاءت من فرنسا لأجل أن تترجم ما يختاره هو من أعماله وأن يومها هذا هو اليوم الأخير ولولا صديقه وجاره القديم (مسيو سامي) لما استطاعت الوصول إليه.. وقد أعطاها أصلان بعضا من أعماله كان منها (يوسف والرداء، بحيرة المساء، ما لك الحزين) وحكى لها أن (مالك الحزين) قد اختارت السينما بعض مشاهدها لتحولها إلى فيلم سينمائي (الكيت كات)، يخرجه (داوود عبد السيد) وينتجه (حسين القلا).
وحكى لها كيف أنهم ذهبوا لتصوير حارات إمبابة التي اختارها أصلان حيث تدور الأحداث وقد أبدع مهندسه الديكور في تصويرها ونقلها للاستوديو ليعملوا منها نموذجا للتصوير، إما في (ستوديو نحاس أو الأهرام أو ستوديو مصر).
وفسر لها إبراهيم أن الفيلم قد تأخرت بسبب تردد المخرج بين التصوير في الديكور أو في الاماكن الطبيعية، وأن سفر ابراهيم أصلان أكثر من مرة للخارج لحضور بعض المؤتمرات الأدبية ساهم في هذا التأخير.
وقالت المستشرقة أنها كانت تود لو أن وقتها يسمح لترى الفيلم ثم استأذنت لتنصرف وخرج معها أصلان وسط وحل حواري إمبابه يسير معها مسافه حتى شارع النيل يوقف لها عربية أجره لتعود قبل سفرها بساعات عائدة إلى بلادها ووعدته أنها سترسل له الترجمه فور صدورها وتمنت أن تعجبه.
وعاد إبراهيم إلى غرفته الخالية من أي أساس وهو جزء من الفضيحة التي عاشها أمام المستشرقة، وقال إنه كان يستعد للانتقال إلى الشقة الجديدة بعد ما حدث من تطورات وزيارات النقاد والسينمائيين له وكان لابد أن يكون له شقه تليق به.
والحقيقه أن (الشيخ حسني) اسمه الحقيقي (الشيخ حسن) وكان يعرفه شخصيا ولم يكن الرجل إلا مجرد رجل كفيف كثير الكلام والحكايات والدعاء وأن الموسيقار محمد عبد الوهاب كان يسرق ألحانه دائما، وأنه سبق أن كلمه أكثر من مرة دون فائدة وهو ما كان يسبب لكل من يسمعه نوبة من الضحك، لكن الفنان محمود عبد العزيز قد نقل الشخصية نقلة بعيدة وأضاف إليها السيناريو والحوار أبعادا إضافيه ولكن النتيجة هى هذا الفيلم الكوميدي الظريف الذي شاركت في بطولته (أمينه رزق وعايدة رياض ونجاح الموجي وعلي حسانين وشريف منير) واستطاع الفصل الجيد بشكل الحارة في الحي الشعبي وكان أحد أهم أسباب نجاح الفيلم.
وانتج الفيلم عام 1991 ورحل الروائي المبدع (إبراهيم أصلان) عام 2012 ولم تعد المستشرقة الفرنسية مرة ثانية إلى القاهرة لتشاهد الفيلم كما تمنت، ولم يرى إبراهيم أصلان كتابه الذي قامت بترجمته، وإن كان قد سمع من بعض أصدقائه في فرنسا عند زيارتهم للقاهرة أنهم شاهدوها كتابه الذي قامت بترجمته وأنه قد سمع من بعض أصدقائه أيضا في فرنسا عند زيارتهم للقاهره أنهم شاهدوا كتبه مترجمه في أرقى المكتبات بباريس.
ونعود للفيلم وملابسات إنتاجه وإخراجه فنسمع كلاما من مخرجه (داوود عبد السيد) يقول كلاما عن بناء ديكورات حواري إمبابه أكثر من مره للتصوير في ستوديو النحاس والأهرام وستوديو مصر، ثم التصوير الحي في في مواقع الأحداث الطبيعية في إمبابة ليكون الفيلم مقنعا بواقعيته عند الحكي عن روح الطبقة الشعبية وحياتها ومشاكلها وأحلامها.
أما الكلام عن الكوميديا في الفيلم فيقول (داود عبد السيد) أنها جاءت تلقائية من واقع أداء الشخصيات بحكم تكوينها، فها هو مثلا (الشيخ حسني/ محمود عبد العزيز) الكفيف يصر على التعامل مع الآخرين على أنه مازال مبصرا وهو يحكي في دار السينما لصديقه الكفيف والذي أدى دوره (علي حسنين)، فكان كفيفا يحكي لكفيف أو مشهد الميكروفون المفتوح في العزاء بعد انصراف عامل الميكروفون فيحكي (الشيخ حسني) عن فضائح وأسرار أهل الحي الشعبي ليسمع الجميع أسرارهم على الملأ، وهكذا لكن الفيلم رغم كل هذا نجح نجاحا باهرا وجاءا لوحة من حياة الحي الشعبي.