بقلم : محمد شمروخ
إنه لانتصار زائف ذلك الذي انتشى بلذته الكاذبة من فرحوا بتراجع ديزنى لاند عن نشر إنتاجها في المنطقة العربية والذي تبث فيه دعاية للمثلية الجنسية من خلال شخصيات كرتونية شاذة، ويا لها من سذاجة في التفكير بأن المعركة انتهت بانتصار الإصرار العربي على الرفض!
وفيما يبدو أن العرب مازالوا يظنون أن التراجع يعنى الانسحاب وأن الهدنة تعنى التسليم!
لكن لو رجعنا قليلا إلى التاريخ القريب لن نجد أي من القوى الغربية المعرضة قد تراجعت في معركة أو أعلنت عن هدنة إلا للاستعداد للحشد مرة أخرى والعودة أشد شراسة بتخطيط أكثر خبثا وبسلاح أشد فتكا!
ولعلنا لم نزل على فهمنا القديم أن الثقافة الغربية تتعامل مع الشذوذ الجنسي على أنه قضية حريات اجتماعية وأنه مسالة حقوقية.
لا يا أيها السادة فدعاية الجنس عامة والمثلية الجنسية خاصة في الثقافة الغربية ليست كما يدعون فقط مسألة حرية قد تقصر عقول الشرق المتخلف عن استيعابها ولابد للعودة بعد حين عندما تنضج هذه المجتمعات وتدرك قيمة الحرية.
هذا ما يصدرونه في دعاياتهم وهو في جانب كبير صحيح ولكنه صحيح مرحليا، فلكل مرحلة لها ما بعدها وكل خطوة لها ما يتلوها من خطوات.
فالشذوذ الجنسي كأفعال ليس غريبا على أي مجتمع إنسانى وموجود من عصور موغلة في القدم وتختلف مواقف المجتمعات منه منذ قديم الأزل، ولكن الشذوذ الجنسي الذي نجح الغرب في تغيير مفهومه من (شذوذ) إلى (مثلية) ومن اعتباره فعل خطيئة إلى كونه حقا أساسيا للإنسان، بل محو مفهوم الخطيئة نفسه واستبعاد معنى (الحرام) إلى درجة أنه أصبح مرفوضا في الخطاب الثقافى المعاصر لبعض التكتلات الفكرية العربية وصار من (المحرمات) التى يتجنبها الخطاب التنويري.
بعد كل هذا، صارت المثلية (الشذوذ سابقا) لم تعد فقط فعلا حرا أو حقا من حقوق الإنسان، بل هى المشروع الإنساني القادم للعالم، وفي سبيل ذلك سوف تتجاوز المفهوم الرومانسي للحرية وكذلك كحق واقع من حقوق الإنسان، إلى اتخاذ خطوات تكتيكية لفرضها كمقدمة لتطبيق المشروع المستقبلى للإنسانية، بمفارقة مرحلة الإنسان كآخر حلقة من حلقات التطور والانتقال الى مرحلة (ما بعد الإنسان).
أنت تظن أننى أبالغ وأرسخ لخرافات تدور في ذهن الكائن الشرقي المتخلف المؤمن بنظرية المؤامرة على الدين والشرق والعرب والماسونية والصهيونية، حسنا طالع بنفسك من مصادر أخرى فإنى هنا أحيلك إلى مصادرك الغربية نفسها فابحث من خلال أى موقع بحث عن مشروع (ما بعد الإنسان) الذي يستعد الغرب لاستقباله عبر نشر ثقافات تؤسس لهذا المابعد والذي وردت به إشارات في فلسفة (نيتشة) ودعوته الشهيرة إلى (السوبر مان) وكذلك اتباع المدرسة الداروينية القديمة والجديدة.
وأهم صفات هذا الكائن الذي سيوجد على الأرض أنه أول نوع من الكائنات الذي لم يخلقه الله لو كنت مؤمنا بقوى غيبية فوق الطبيعية أو هو مشروع متمرد على الطبيعة ذاتها والتى اتخذت عند منكرى الغيببيات فسيكون أول إنتاج تكون فيه للإنسان الحالى اليد العليا في وجوده.
لا يمكن أن يطلق على هذا الكائن المستقبلى أنه من الأحياء البيولوجية أو حتى هو نتاج مخلق منها، بل كائن يجمع ما بين (متخلقات) من نتاج المعامل البيولوجية وابتكارات الورش الإليكترونية.
وقد تم اختراع شرائح إلكترونية مبرمجة بها (داتا) تحمل معلومات لا حصر لها في غاية من الدقة تم الإعلان عنها ولم تعد سرا يمكن زرعها في جسم الإنسان في المخ مثلا أو الحبل الشوكي أو مستقبلا في أى مكان آخر وقد يتطور الأمر إلى أن يتم وضعها بعيدا عن هذا الكائن، ولكنها تظل على اتصال دائم به!
ولهذا الكائن الذي بشر به (نيتشة) بصورة ما عنه قد تكون ساذجة أو تخيلية ولم تستبعد نظريات التطور وجوده صفات تفصله عن الإنسان أهمها أنه ليس له انتماء جنسي أى لا ذكر ولا أنثى، وهذا إذن مستقبل الإنسانية كما هو مرسوم له، ولكن ما علاقة تلك التى تعتبرها حتى الآن تخاريف بالدعاية إلى المثلية الجنسية؟!
يا صديقي المثلية الجنسية لم تعد تعترف بهذه الازدواجية في الجنس التى تقرها الطبيعة التقليدية بل لم تعد العلاقة بين الزوجين المثليين من نفس النوع تشترط زوج وزوجة ولو بالتمثيل بل لاحاجة للزواج بين الشاذ السلبي والشاذ الإيجابي، بل يمكن ابتكار أشكال أخرى من العلاقات تنفلت من (القيود) التى هى أساسا على شاكلة ثقافة المجتمعات الإنسانية التقليدية الغارقة في مستنقع التمييز الجنسي.
لذلك مسألة اختلاف الجنس هى جائرة من جوائر الطبيعة التى يحب التشديد على رفضها إذ تنتمى إلى مرحلة متخلفة من مراحل حياة الإنسان السابق على الأرض، فإن كان هناك جبرية طبيعية في فرض النوع على الإنسان كذكر أو كأنثى فيجب التحرر من هذا الإلزام الطبيعى الذي لا أثر للحرية فيه برفض التصنيف المسبق وممارسة الحرية باللاتصنيف واللاتمييز، كذلك فنموذج الأسرة لم يعد مناسبا للمجتمعات المستقبلية لأنه قائم في الأساس على على هذا التصنيف ومؤسس على التمييز بين الجنسين.
ولذلك فالدعاية التى تتفرغ لها المؤسسات الغربية المهتمة بنشر ثقافة المثلية تعمل في الدعوة لممارسة الجنس المثلي تقدمه على أنه ممارسة لهذه الحرية بكسر القيود الطبيعية والاجتماعية ولن يتم ذلك الا بتبنى منظومة اخلاقيات جديدة تعمل على انتزاع الموروثات الثقافية والأخلاقية المضادة للمثلية، وبالطبع يأتى الدين كأول هدف تعمل هذه المؤسسات للقضاء عليه أو على الأقل تحجيمه أو نزع الاعتراف منه ولو قسرا بالسماح بالعلاقات المثلية ونجحت الدعاية بالفعل بأساليب الضغط المباشر وغير المباشر حتى وجدنا بعض الكنائس الغربية تعترف بالمثلية بل وتقوم بتعيين رجال دين مثليين ووصل الأمر بأحد المساجد بألمانيا أن قام برفع شعار الرنبو كاعتراف بحقوق المثليين!
وربما أصبح معلوما للجميع أن قضية المثلية الجنسية لم تعد في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ودول غرب أوروبا وبعض شرقها كأوكرانيا مثلا، بل وبعض دول أمريكا اللاتينية، لم تعد فيها المثلية فضية حريات فقط، بل قضية وجود!
أنت لا تدرى أن كبرى الشركات (العابرة للجنسيات) من ذات رؤوس الأموال التريليونية، أصبحت تشترط في تقييم مراكز عملائها ومنح درجات متقدمة لهم ليس على الأسس الاقتصادية والتسويقية التقليدية ولا حتى المبتكرة، بل لابد من إسهامات فى تبنى قضايا بعيدة نوعا عن الاقتصاد كمحاربة التلوث البيئي وتغير المناخ ومظاهر الفقر ومكافحة التمييز العنصري و.. وتشجيع المثلية!
ولابد حينئذ أن تصدق أن كل هذه القائمة فقط من أجل ان يتم حشر (المثلية) فيها!
والآن هل انتهيت من البحث عن هذا الذي سبق أن حدثتك عنه؟
أكيد أنك وجدت كلاما في منتهى الجدية مع ورود أسماء لمفكرين وفلاسفة وعلماء نفس واجتماع، فضلا عن علماء من شتى التخصصات الطبية والبيولوجية والإلكترونية في مراكز الأبحاث وجيوش من مجموعات البحث المتخصصة التى ينفق عليها المليارات من أجل إخراج هذا الكائن المنتظر والذي يمهد لمجيئه في لحظة ما مختبئة في المستقبل الذي يرون ساعة ظهوره قريبة جدا، بل على وشك التحقق بعد أن تحققت أشراطها!
هم يرونه طفرة تؤكد سيطرة الإنسان كتمفرد بالقدرة والوعي والقدرة الخلاقة (الوحيدة) في الحياة ولابد من تمهيد الظهور لهذا الكائن (المابعدى) الذي لن يكون ذكرا ولا أنثى ولن يسير على ما سارت عليه أمم الإنسانية السابقة!
قد تراه الأمم المخالفة مسخا أو مسيخا لكن الغرب يراه ثمرة مجهود حضارات متعاقبة على مدى عمر الإنسان على الأرض وأن إخراجه هو ضرورة حضارية!
هل فهمت هذا من مجهود بحثك؟!
إذن فهناك مشروع لكنك قد تختلف في كل أو تتفق في بعض، لكن ألا ترى مع أن هذا الاهتمام الغربي بالمثلية ومحاولته فرضها فرضا آلى درجة أنه مد يده لخصومه التقليديين ممن يطلق عليهم (أصوليين إسلاميين)، حسب ما يزعمون حدث ذات مرة مع وفد من قياداتهم زار الكونجرس الأمريكي ومرة أخرى في جلسة استماع خاصة مجلس العموم البريطاني.
كان في كلا الجلستين سؤالين بدا كلاهما كشرطين مسبقين للقبول والتفاهم وبمنهتى الجدية:
١- ما موقفكم من المثلية الجنسية؟
٢- ماذا ستفعلون مع الملحدين؟
وكانت الإجابات الواضحة أن هذا يحدده المجتمع!
يحضرني مثل شعبي بذيء عن (لو في بلد ما تعرفش فيها حد، ….. و….. )
.. شكلك ابن ناس ومؤدب ولا تعرف بقية المثل!، لذلك لم أستغرب من مسجد في ألمانيا يرفع شعار المثليين!
لكنى استغربت كثيرا من سذاجة البعض لفرحتهم الطفولية بتراجع ديزنى!
هههههههههههه.. والنعمة أنتم عالم مسخرة!