كتب : محمد حبوشة
ظني أن كثير من نساء مصر الحاليات خاصة منهن الحقوقيات والطبيبات والإعلاميات المتشدقات بكلام يخالف الواقع والدين والمعتقد، بهدف ركوب (الترند) لايقرأن التاريخ المصري لا القديم منه ولا الحديث، فقد لعبت المرأة المصرية العاملة منذ فجر التاريخ أدوارا رائدة في مختلف مجالات العلوم والإنسانيات، وعلى الرغم من التحديات والمعوقات التي فرضها عليها كل من الفكر الذكوري المهيمن، والقمع المتعمد في مختلف السياقات الثقافية، فقد شقت بعض الأسماء اللامعة طريقها إلى الخلود بما خلفته من إسهامات عظيمة للبشرية، والطبيبات لسن بمستثنيات من ذلك، ففي الوقت الذي حرم على المرأة ممارسة الطب خلاله، قامت بعض السيدات بالتنكر في أزياء الرجال لتلبية شغفهن.
في مصر دائما الأمر مختلف، فلا عجب أن الحضارة المصرية القديمة، بوصفها حضارة أتاحت للمرأة تحقيق طموحاتها التي تتعدى الأمور المنزلية، واحدة من أعظم الحضارات الإنسانية، فقد كانت جميع المهن في مصر القديمة متاحة للمتعلمين من الذكور والإناث، وأول امرأة معروفة في تاريخ العلم، وليس الطب فحسب، الطبيبة المصرية (ميريت بتاح)، والتي عاشت منذ أكثر من 4700 عام، أي في آواخر عهد ملوك الأسرة الثالثة.
وللأسف لا يوجد الكثير يمكن أن ندونه عن (ميريت بتاح)، أو حبيبة (الإله بتاح)، وعن إنجازاتها في مجال الطب، غير أن ابنها، والذي كان يشغل منصب كبير الكهنة، خلد ذكراها عن طريق تصويرها في مقبرتها وتلقيبها بـ (رئيسة الأطباء)، في مقابر العاصمة المصرية القديمة (ممفيس) التي تقع ثلاثين كيلومترا جنوب القاهرة، وهو لقب يتشابه إلي حد كبير مع منصب وزير الصحة في عصرنا الحالي، ولم يظهر في سيرتها أي تناقض لهذه المرأة العظيمة مع زوجها على سبيل الجدل الدائر حاليا حول عمل المرأة الذي يتنافى مع كونها ربة منزل وأم تقوم بواجباتها على أكمل وجه.
ورغم أن أكثر من 90% من المصريات لا يعلمن أي شيء عن جدتهن (ميريت بتاح)، جاء التكريم لها كالعادة من الغرب، فقد أطلق الاتحاد الفلكي الدولي اسم (ميريت بتاح) على أحد الفوهات الصدمية علي كوكب الزهرة، لانها كانت تعمل في مجال العلوم، ولكونها أول طبيبه في التاريخ يذكر اسمها في السجلات علي أنها طبيبة، برعت في الطب ومرعاة أسرتها، ومن الطبيبات الأخريات البارزات في زمنها (بيسيشيت)، والتي عاشت في أثناء حكم الأسرة الرابعة، والتي امتدت من عام 2613 حتي عام 2494 قبل الميلاد، فوفقا للكتابات المنقوشة على عامود حجري وجد في مقابر الأسرة القديمة، كانت تلقب بـ (مراقبة الطبيبات)، ولا يشير هذا اللقب إلى وجود كيان من الطبيبات في مصر القديمة فحسب، ولكن أيضا إلى أن سيدة كانت تشرف عليهن.
وكلا السيدتين العظيمتين كانتا بالطبع من المتزوجات التي تعيلن أطفالهن دون أي نوع من الاستنكاف أو تقاضي أجرا جراء الرضاعة أو القيام بأمور بيت الزوجية، كما أثارت أثارت الجدل مؤخرا كل من (نهاد أبو القمصان، رضوى الشربيني، هبة قطب)، هذا الثلاثي الذي يبدو وكأنه متسلط لهدم الأسرة المصرية من خلال تصريحات من قبيل (أن الزوجة غير مكلفة بخدمة زوجها، وغير مكلفة بإرضاع أبنائها، أو خدمة والدة زوجها حتى لو مريضة، وغيرها من التصريحات اللي تصنع بلبلة في المجتمع، وتتسبب في زيادة نسب الطلاق وتشريد الأطفال.
هذا الأمر أثار حفيظة رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى حد قولهم: أن الأزمة الأكبر أن لا نهاد أبو القمصان فقيهة في الدين، ولا رضوى الشربيني ولا هبة قطب عندهن القدرة الكافية على تحليل طبيعة عمل الأسرة وطبيعة دور الأم، وعلى ما يبدو أن الثلاثة حاقدات على الرجال، وبالتالي يظهر عندهم نزعة الانتقام من الزوج الذي يضيف عندهن حب الظهور والحديث عن (الاسترونج إندبندنت وومان) وهو المصطلح الذي اكتشف كثير من البنات والسيدات أن العمل به مرهق أشد الأرهاق عليهن.
وتابع: هؤلاء الرواد: وعلى إثر تحليلاتهن غير العميقة وغير الموزونة، زادت نسب الطلاق بسبب الصدام الكبير بين الأزواج على خلفية هذه التصريحات المريبة، مع العلم أن الدولة تحارب بشق الأنفس من أجل تقليل نسب الطلاق وقضايا الأسرة في المحاكم، ومن ثم فعلى الزملاء الإعلاميين والصحفيين أن يكفوا عن نشر مثل تلك التصريحات التصريحات لهولاء المتنطعات في الفضاء التخيلي وعلى الشاشات ولا هدف لهن سوى لركوب (الترند) في إطار هوس الشهرة، وفي النهاية لايوجد سند شرعي أن (نهاد أبو القمصان وهبة قطب ورضوى الشربيني) كي يهبون علينا بين الحين والآخر حتى يتكلموا عن الشرع الذي ينظم العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار العلاقة الزوجية التي تقوم على المودة والتراحم.
وتعليقا على حديث (نهاد أبو القمصان)، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن ما يتداوله الأشخاص على حساباتهم الشخصية ما هى إلا أشياء تعمل على تضيع الوقت وإشغال الناس قائلا: (هو كل يوم لازم يطلعوا – ترند – عشان تشغلوا الناس بفرقعة أخرى)، وأضاف كريمة في تصريحات صحفية، أنه شرعا على الأم إرضاع طفلها في قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، كما قال عز وجل في سورة الطلاق: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى).
ومن جانبه أعرب الشيخ محمد أبو بكر جاد الرب، الداعية الإسلامي وأحد علماء الأزهر الشريف، عن استنكاره لتصريحات المحامية (نهاد أبو القمصان) بشأن إلزام الزوج بدفع أجر لزوجته لإرضاع أطفالها، وقولها بأن هذا ما نص عليه القرآن الكريم، وقال (أبو بكر) خلال حلقة من برنامجه (إني قريب) المذاع على قناة (النهار) الفضائية: (ياريت السادة الأفاضل اللي بيخرجوا علينا ليل نهار يكلمونا في الأمور الزوجية، يكونوا متخصصين، لأن الحياة الزوجية مبقتش مستحملة)، واستطرد قائلا: (الست والراجل محتاجين اللي يطبطب عليهم عشان يكملوا من شدة ما يعانيه الطرفان من بأس وغلاء، مش محتاجين حد يفسد البيوت، ومش محتاجين حد جاهل يظلع يتكلم).
وتساءل الشيخ محمد أبو بكر جاد الرب: (أنا مش عارف جيبتوا الكلام دا منين، وتقولك دين ربنا.. كذبتي وصدق الله ورسوله، وأكد أن الله لم يقل إن المرأة المتزوجة تأخذ أموالا من زوجها نظير إرضاع أطفالها، متابعا: (يبدو إن معاكي نسخة من القرآن الكريم غير النسحة اللي معانا)، وأوضح أن القرآن في هذا الشأن تحدث عن المطلقة وليس الزوجة، لأنه في ساعة الطلاق يكون أحيانا هناك شقاق وسوء أخلاق بين الطرفين، وأضاف الشيخ محمد أبو بكر، إن (الأم حينما ترضع أولادها فإنما ترضعهم حنية وعطفا وشفقة ولينا وأمومة، وترضعهم برا وإحسان)، لتقول له يوم القيامة يابني لقد كان صدري لك سقاءً، وحضني لك أمانًا، وحجري لك غطاء، ووجه نصيحة للمتزوجين قائلا: (متخلوش حد يفسد علينا بيوتنا، ومتخلوش كل تصريحات تطلع من اليمين ومن الشمال تخرب علينا البيوت.. حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن أراد هدم البيوت، وفيمن أراد بمصر سوء، وأشار (أبو بكر) إلى أن الشيطان لا يلبس التاج لأحد من الأبالسة إلا لمن يفسد امرأة على زوجها، وينجح في قطع العلاقة بين زوجين، ووجه الداعية حديثه للأزوج: (أقول لكل زوج اتقي الله في زوجتك، ولكل زوجة اتقي الله في زوجك، وأن تتحملا سويا من أجل أن تنعما سويا، وأسأل الله أن يعين بيوت الناس أجمعين وأن يلهمنا الصبر معا.
وفي النهاية أقول أن العالمين الأزهريين أوضحا لنا معالم الطريق الصعب الذي تسكله بعض النساء من هاويات الشهرة على حساب العقل والمنطق والدين، وترتيبا على ذلك ينبغي انتباه وسائل إعلامنا المرئية والمسموعة إلى خطور من تفتي منهن في دين الله دون سند شرعي فيجلب ذلك الخراب للمجتمع بضرب إسفين بين الرجل وزوجته، كما ينبغي أن تكون هنالك وقفة حازمة من جانب المجلس الأعلى للإعلام بضبط فوضى الفتاوي التي تتشدق بها تلك (الغاويات شهرة) على حساب الدين والمجتمع والأسرة المصرية التي تعاني الأمرين من شظف العيش الحالي.