حسن رمزي .. ابن البشوات الذي أضاع عمره في السينما، ولم يذكره أو يكرمه أحد ! (2/2)
* بسبب حبه للسينما أعاد تصوير ديكور صالون قصر الباشا في فيلم (خاتم سليمان)
* قام بإعادة تصوير فيلم (الهاربة) لشادية بالكامل بعد أن قام بإخراجه أحمد بدرخان
* ستديو الأهرام كان سببا في تعارفه بزوجته (برلنتي العشري)
* أعاد إكتشاف شادية وكمال الشناوي في فيلم (المرأة المجهولة)
* رحل في مجلس الشعب وهو يدافع عن حق السينما والسينمائيين
كتب : أحمد السماحي
اقترن اسم الفنان (حسن رمزي) بالسينما كاتبا، ومخرجا، ومنتجا، ورئيسا لغرفة صناعة السينما، ولاتحاد المنتجين، وعضوا في لجنة السينما بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، وكادت شهرته كسينمائي أن تطغى على شهرته كمهندس تخطيط كان له دور هام في تجميل وجه مدينة القاهرة على مدى ما يقرب من ربع قرن.
عشق السينما
في الحلقة الماضية توقفنا عند نشأة هذا المنتج والمخرج الشهير، وعرفنا أنه ولد في عائلة ميسورة فوالده هو (إسماعيل باشا رمزي) الذي كان يحمل الليسانس في الحقوق، ثم عين محافظا للقاهرة، ثم وزيرا للأوقاف، وعرفنا أيضا أنه أحب الحياة الفنية عن طريق عمه الأديب والكاتب (إبراهيم بك رمزي) الذي كان أديبا ومؤلفا مسرحيا، وكان صديقا حميما للموسيقار الراحل الشيخ (سيد درويش) ولعمالقة المسرح الكبار مثل (يوسف وهبي، جورج أبيض، نجيب الريحاني)، وكان العم يصطحب ابن شقيقه الصبي (حسن رمزي) إلى ما وراء كواليس المسرح يتفرج على الممثلين وهم يعملون المكياج، وبدأ عشقه للفن من خلال هذه الزيارات.
تجميل القاهرة
تحدثنا أيضا عن تخرج (حسن رمزي) من كلية الهندسة وتدرجه في عدة مناصب حكومية إلى أن وصل إلى رتبة وكيل وزارة، ثم نائبا لوزير الإسكان، ومفتش عام تخطيط القاهرة الكبرى، وكل ما نفذ في القاهرة من شوارع كبيرة ومناطق سكنية منذ 75 عاما كان من تخطيط (حسن رمزي) مثل (كورنيش النيل).
بدأ كومبارس
رغم عمله في التخطيط لكنه لم ينس حبه للسينما فدخل السينما من باب الكومبارس عن طريق مكتب الريجسير (قاسم وجدي)، وقام بأدوار بسيطة أقرب إلى الكومبارس الصامت أو الذي يقول كلمات معدودة، لكن طموحه السينمائي وحبه للفن جعله يتمرد على هذه الأدوار البسيطة ويؤسس شركة إنتاج بعنوان (أفلام النصر) كان باكورتها فيلم من بطولته بعنوان (خفايا الدنيا) من إخراج إبراهيم لاما، لكن فشل الفيلم جعله يتوقف عن التمثيل نهائيا ويتجه إلى الإنتاج والإخراج.
13 منصبا
توقفنا فى الحلقة الماضية أيضا عند مساهمته في تطوير صناعة السينما، حيث جمع عام 1956 بين ثلاثة عشر مركزا قياديا في عالم السينما وأيضا في الدولة، وظل (حسن رمزي) يعمل ويجمع بين كل هذه الوظائف حتى عام 1958 عندما خيره وزير الإسكان بين أن يبقى في الحكومة ويتخلي عن أعماله الخاصة ومناصبه في الهيئات السينمائية، وبين أن يبقى في هذه الأعمال والهيئات ويقدم استقالته من الحكومة، ولأنه كان عاشقا للسينما فإنه اختار أن يترك وظيفته الحكومية بعد خدمة استمرت ثلاثة وعشرين عاما، وقد خرج يومها بلا تعويض ولا مكافأة ولا معاش!.
خاتم سليمان
خروج (حسن رمزي) من العمل الحكومي جعله يركز أكثر في الإنتاج والإخراج السينمائي، الذي لم يكن في البداية يكسب منه كثيرا نظرا لأنه كان يعمل بروح المحب العاشق للسينما، فمثلا عندما قام بإخراج أول أفلامه (خاتم سليمان) عام 1947 والذي وضع له القصة والسيناريو، وكتب الحوار (السيد زياده)، وقام ببطولة الفيلم مجموعة كبيرة من النجوم منهم (ليلى مراد، زكي رستم، يحيي شاهين) طلب (حسن رمزي) من مهندس الديكور أن يبني له في الاستديو صالون داخل قصر الباشا، ونفذ المهندس التعليمات، وتكلف الديكور مبلغ 2000 جنية وكان هذا مبلغا كبيرا جدا بمقياس فترة الأربعينات.
وعندما شاهد (حسن رمزي) الديكور قال: مش ممكن يكون ده صالون في قصر باشا؟! وأمر بهدم الديكور وبنائه من جديد، وتكلف ذلك ألفي جنيه أيضا.
الهاربة
لم تقتصر دقة وحب وكرم (حسن رمزي) على هذه الواقعة فقط، فعندما بدأ الأعداد لفيلم (الهاربة) بطولة شادية وشكري سرحان وكريمان وزكي رستم، عام 1958 ، أسند مهمة إخراجه في البداية إلى صديقه واستاذه (أحمد بدرخان) الذي قال له: (شوف يا عزيزي حسن، أنا عاوز أكون مسؤول عن الفيلم من الألف إلى الياء، وأرجوك أن لا تتدخل أبدا في عملي، لأنه كان قد اشتهر عن (حسن رمزي) رغبته في الإشراف بنفسه على كل صغيرة وكبيرة في الفيلم.
ووافق (حسن رمزي) وأخرج (أحمد بدرخان) الفيلم – حسب ما رواه لي المنتج الراحل محمد حسن رمزي – الذي تكلف ثمانية عشر ألف جنية، وكان هذا مبلغا ضخما، وعندما انتهى إخراج الفيلم شاهده (حسن رمزي) في عرض خاص فلم يعجبه، وعلى الفور قال للمخرج أحمد بدرخان: (اعذرني إذا قلت لك إنك لم توفق في إخراج الفيلم، وأنني سأعيد إخراجه من جديد)!.
وفعلا أحرق (حسن رمزي) كل ما صور من الفيلم، وأعاد إخراجه من جديد، ودفع مرة ثانية تكاليف الإنتاج من جيبه، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يصور فيها فيلم كامل مرتين.
15 فيلما كمخرج
أخرج (حسن رمزي) 15 فيلما سينمائيا متنوعا جمع فيها بين أكثر من شكل سينمائي منها الفيلم الغنائي، والعاطفي، والرومانسي، والإجتماعي، وهذه الأفلام هى: (خاتم سليمان، أميرة الجزيرة، ماكانش عالبال، المعلم بلبل، بشرة خير، انتصار الحب، أحلام الربيع، الهاربة، معا إلى الأبد، الليالي الدافئة، ملكة الليل، العاطفة والجسد، أبدا لن أعود، إمرأتان، الرداء الأبيض).
كما كتب العديد من السيناريوهات لأفلام قام بإخراجها زملائه المخرجين منها (المخربون) إخراج كمال الشيخ،، (جريمة في الحي الهادي) إخراج حسام الدين مصطفى، (المرأة الأخرى) إخراج أشرف فهمي.
برلنتي العشري
في عام 1961 نشرت مجلة (الموعد) تحقيقا صحفيا كان عنوانه (وراء الثورة السينمائية الجديدة حسن رمزي، ووراء حسن رمزي برلنتي العشري)، وقد جاء في هذا التحقيق قول المخرج والمنتج السينمائي الراحل: (لا يمكن أن أقع وزوجتي تقف إلى جانبي، إنها تشبه الدينامو الذي يولد في العزم والمثابرة على العمل، وحتى في منتصف الليل تستيقظ من نومها لتجلس أمامي على المكتب وتساعدني في إعداد التقارير التى لا أهدف من ورائها إلا خدمة السينما والسينمائيين!).
ستديو الأهرام
عن ظروف تعارفها بالمنتج والمخرج حسن رمزي قالت (برلنتي العشري) لمجلة (الموعد): أثناء دراستي في كلية الحقوق، كان شقيقي (محمد العشري) يعد رسالة ماجستير عن (اقتصاديات السينما)، وكان إعداد هذه الرسالة يتطلب منه الذهاب إلى الاستديوهات والتحدث مع المنتجين، وفي إحدى الأيام طلبت منه أن أذهب معه إلى الاستديوهات لرؤية نجوم السينما، ونظرا لأني أخته الصغيرة فقد استجاب لطلبي.
وذهبنا إلى ستديو الأهرام، وهناك التقينا بالمخرج والمنتج (حسن رمزي) الذي كان يخرج فيلما هناك، وجرى التعارف بيننا، وبعد أيام فوجئت بوالدي (محمود العشري) مفتش الري يسألني: (أنت تعرفي يا برلنتي مخرج سينمائي اسمه حسن رمزي؟)، فأجابته : أيوه يا بابا أنا تعرفت عليه مع شقيقي في ستديو الأهرام.
فقال لي والدي: (هو أيضا مهندس في تفتيش تخطيط القاهرة ومكتبه في البلدية بقرب مكتبي، وقد زارني اليوم في مكتبي وطلب يدك مني للزواج).
زواج برلنتي وحسن
تستكمل السيدة برلنتي العشري قصة تعارفها فتقول: فوجئت بطلب حسن رمزي، فقلت لوالدي : لكن يا بابا أنا لا أعرف عنه شيئا سوى أنه رجل لطيف ومهذب، فقال الأب: أنا سألت عنه، فقيل لي أنه رجل ممتاز، ولكن هناك فرق ثلاثة وعشرين عاما في السن بينك وبينه).
ونظرا لأنني كنت مررت بتجربة زواج فاشلة مع شاب زميلي في كلية الحقوق، لهذا لم أتوقف عند فارق السن كثيرا، ووافقت على الزواج وتمت الخطوبة أولا حتى نتعرف على بعض، وبعدها تم الزفاف لكن حدث أن انتقلت زوجة عم حسن إلى رحمة الله في نفس الأسبوع، فاضطررنا إلى إقامة حفلة زفاف على الضيق وفي البيت، ثم لبينا دعوة إلى حفلة أقامها له زملاؤه السينمائيون في ملهى (الأوبرج).
هدي ومحمد
أنجبت السيدة (برلنتي العشري) لزوجها (حسن رمزي) توأم هما الفناة (هدى رمزي) التى كانت ممثلة تتمتع بحساسية عالية وثقافة عالية، وقدمت مجموعة من الأعمال الدرامية والسينمائية الجيدة، وبعدها اعتزلت العمل الفني، وكان توأم (هدى) المنتج السينمائي الشهير (محمد حسن رمزي) الذي رحل عن حياتنا عام 2015 بعد أن أثرى حياتنا بالعديد من الأفلام المتميزة.
غرفة صناعة السينما
بجانب تكريس جهود (حسن رمزي) كرئيس لغرفة صناعة السينما
على مدى ثلاثين عاما، في تنظيم ممارسة العمل بالإنتاج السينمائي
ووضع تقاليد لتلك الصناعة، فإنه كان له الفضل في إعادة اكتشاف المطربة (شادية) في واحد من أهم أدوارها على الشاشة وهو دورها في فيلم (المرأة المجهولة)، وكذلك أعاد اكتشاف (كمال الشناوي) الذي أسند له في نفس الفيلم لأول مرة دور الفتى الشرير بعد أن كانت أدواره قاصرة على دور الفتى الأول.
وكانت آخر هدية قدمها للسينما قبل رحيله هى اكتشاف ابنته (هدى رمزي) التى قدمها في أول أفلامها (إمرأتان) ثم (الرداء الأبيض).
نهاية بطل
كانت نهاية المنتج والمخرج حسن رمزي نهاية لا تحدث إلا في ملامح البطولة عندما يخلع الموت إكليل المجد والغار على هامات الأبطال، فقد سقط شهيد الواجب، وهو يدافع عن هوايته ومهنته صناعة السينما المصرية، وأين؟ في منبر من أعلى المنابر، في مجلس الشعب، حيث وافته المنية في مساء يوم السبت 19 فبراير عام 1977 وهو يدافع عن السينما وحقوق أبنائها.
غدر السينما والسينمائيين
رغم دفاعه عن السينما والسينمائيين وتقديمه لعشرات الأفلام كمنتج ومخرج وكاتب إلا أن السينما كانت خائنة له ولم تعطيه حقه، فرغم كثرة المهرجانات السينمائية لم يفكر أحد في تكريم هذا الرجل الذي وهب حياته للسينما، ولم يقتطع أي برنامج تليفزيوني في أي فضائية مصرية جزء بسيط من وقته للحديث عن هذا الرجل!، ولم يكتب أحد عن هذا الرجل حتى أن موضوعنا هذا يعتبر أول موضوع صحفي يكتب عنه، وما أحزنني أنني لم أجد إلا صورة واحدة غير صالحة للنشر هى الموجودة عن هذا العملاق!.