بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح
تعودت من عملي مع شقيقي (محمد نوح) بالموسيقي وعند عودتنا في طريقنا لمصر الجديدة بعد أن صرخ محمد نوح بـ (مدد شدي حيلك يابلد، والله حي بكرا جاي ونغني في الجبهه للجنود حراس الوطن)، وفي طريق عودتنا ليلاً نبحث عن الجرائد وإصدارات الكتب الجديدة وكانت لها أماكن محددة في القاهرة العامرة بالسهر ليلاً، فأحد الباعة بعد نفق الهرم وبعده آخر وسط ميدان شيراتون الجيزة، ثم آخر في ميدان طلعت حرب بجوار مكتبة مدبولي، والأخير تحت كوبري 6 أكتوبر بالعباسية، وناخذ الجرائد ونتجه معظم الأوقات في حالة اليسر المادي إلى كبابجي (محمد رفاعي) بالسيدة زينب أو أحياناً مطعم (الجحش) لنتقاتل مع الفول والبصل والبيض، ونقرأ وقت إعداد الطعام ونعود للمنزل ولا ننام إلا بعد التعرف علي ما يحدث حولنا من خلال الصحافة.
لم يعد يقابلني الآن لا صباحاً ولا مساءً منصات بيع الجرائد وأصبحت بصعوبة أجد بعض منافذ البيع وكيف لا؟ ، فلا توجد صحافة بالمعني الذي أعرفه منذ الستينيات والسبعينيات، الآن فقط محاولات لبعض الكبار ولكنها غير كافية لدولة تجاوز عدد سكانها المائة مليون، والسؤال: ماذا حدث ؟، لقد قرأت لـ (محمد التابعي ومحمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وأحمد صبحي منصور ومحمود السعدني ومحمود أمين العالم ولطفي الخولي ولويس جريس وكامل الشناوي وثروت أباظة وفكري أباظة وجمال بدوي وموسي صبري ومكرم محمد أحمد وسعد هجرس وسلامة أحمد سلامة وسعيد سنبل وصلاح منتصر وأنيس منصور وعبد الرحمن الشرقاوي وعبد القادر القط) وكم كبير من أسماء لكبار.. تلك فقط أمثلة
والسؤال: أين كُتاب الافتتاحيات، وهل مازال البعض منا يبحث بشغف عن عمود ليمتع عقله؟، أين الكبار بل أين الصحافة؟، ما يحدث في بعض الصحف الآن؟، هو بحث عن (ترند) كما يفعل رواد شبكات التباعد الاجتماعي وأبطال اليوتيوب، وهذا لا يجوز لتاريخ مصر الصحفي، فقد نجد لغة سقيمة وفبركة للخبر بصور الفوتوشوب، وأصبح الأسلوب واحداً عند البعض مستخدماً لبعض مفردات الردح المقتبس من بعض برامج المساء الفضائية فتسقط المقاصد والأهداف للمهنة العريقة، لا أتغافل عما حدث من سيطرة المواقع الإليكترونية ولكن أتحدث هنا عن المحتوي وليس وسيلة التواصل .. ماذا يصل للمواطن !
حين اتجهت إلى الفراش للنوم عبثاً وبعد محاولات استسلمت للنوم وجاء الحلم: بوابة كبيرة مكتوب عليها بالنحاس الأصفر (الصحافة) والتي انعكست عليها أشعة الشمس فأصبحت ذهبية لامعة متلألئة وجموع من شخوص وكأننا في سيرك كبير وقد ارتدى البعض ملابس تنكرية فمنهم (الأسد والضبع والحمارالوحشي والتمساح والفيل والقرد والخنزير)، وأنا أقف مندهشاً أنظر لأعلى و أصوات عالية وتكتلات عجيبة والأسد يأكل والبعض يحاول الاقترب فنسمع زئيراً، والقردة تلعب وتأكل الموز والتمساح منتظر لفريسة وتكتلات لغرض السيطرة فقط علي الطعام، وانتفضت صارخا معتلياً فوق أحد العربات مردداً أيها الأصدقاء لقد انتهت الحفلة ولم يعد لحالة التنكر أي قيمة، كفانا وحان الوقت لندخل إلى المقر ونعرض مشاكلنا ونتحدث بصدق فزاد ت الهمهمة والهرج والأصوات، فالكل منشغل بما يأكل وأكملت رجاء الانتباه.
العالم يتغير والناس بالخارج تنتظر منكم المعرفة بما يدور حولنا، ماذا يحدث؟ البعض منكم يعمل في أربعة أنشطة وأكثر وفقط ليأكل، والبعض له سبوبة في برنامج ليلي والآخر يشارك في أنشطة وجمعيات وإصدارات واستشارات وتدريس ويتحول آخر لخبير ومحللاً ومنظرً وفقط يوجه الأسئلة وضيف في المحطات وصاحب منصة و جريدة أحياناً، ولكن ليس هناك مردود الناس في الخارج لا تعرف ماذا يحدث من إنجازات ويفتقد البعض قيم الانتماء والتقييم الحقيقي لما يحدث حولنا، وفي مصر الغالية كيف بالله عليكم فلن يبقي منكم إلا ما تكتبون، أدعوكم لليقظة والانتباه، وأخذت أنظر حولي فما زال المشهد والسيرك قائم منتصب.
وصرخت بأعلى صوتي: ياساده لقد اقترب رصيدكم من النفاذ، رجاء الانتباه، ابتعدتم عن الكيان الورقي وأصبحتم كيانات نقابية لحل المشاكل وتخصيص الأراضي والمنافع والخدمات والتجديد للنقابات والجمعيات العمومية والانتخابات والعلاج للمرضي، نعم مجهود كبير تشكرون عليه لكن المهنة العريقة تندثر ورقيا، ولولا ظهور بعض المواقع الإليكترونيه وجذبها لكبار الصحافيين الحقائق لأصبحنا نستشرف الأخبار من الوكالات والصحف والمحطات العالمية والعربية، أنتم مسؤلون عن تاريخ صحفي كبير كان ومازال به كثير من عمالقة، وقد انسحب الكثيرون منهم وفقط يتابعون.. إنها دعوة للتركيز وتقديم المنفعة العامة عن منافع قصيرة المدي، مصر تستحق منا جميعاً وفي كل المجالات أن نقف معها لتكمل مسيرة التقدم والتميز وتحقيق رفاهية ومتطلبات المواطن في حراسة صحافة مهنية مخلصة تدعو للوحدة والتميز والانتماء.
ياسادة: أري أن الأسرة أصابها عطب وزادت بشكل ملحوظ، حالات الطلاق وعقوق الأبناء، وقد وصل عدم الانتماء لبعض الشوارع وأخشي أن ينتقل عند بعض السذج إلى عدم الانتماء للوطن وسط صراعات دولية وأطماع وجشع اقتصادي وغدر الكبير بالصغير، ومصر تحاول ويبذل فيها المخلصون أقصي ما لديهم من مجهودات لنعبر تلك المرحلة المحملة بغدر المناخ أحياناً والطبيعة أحياناً أخرى والأصدقاء في بعض الحالات.. استفيقوا مصر في أشد الحاجة إلى الوعي والتنوير والثقافة وفنون تخاطب العقل وتتجاوز أعمال الصدف والعنف واللامعني واللاهدف إلا استنزاف الوقت لبعض الطيبين.
أين الحارة المصرية والريف المصري وقيم المحبة وحسن الجوار واحترام الكبير والانتماء للأسرة الذي ينتقل بالحتمية إلى الانتماء للوطن، العالم في سباق نحو تحقيق التنمية وتجاوز ظروف الأوبئة والتقلبات المناخ فهل لنا أن ندرك خطورة المرحلة وتعود الصحافة كما أعرفها واستمتعت بها واستنار عقلي من مقالات الكبار وآخرهم وليس بآخر الدكتور جابر عصفور رحمة الله عليه، حين كتب منذ فترة في الأهرام على حلقات دراسة ونقد لكتاب في (الشعر الجاهلي) للعملاق الدكتور(طه حسين) لعله ينير الطريق إلى أهمية التعليم وسبل النهوض بالأمة.
لقد أردت أن اذكركم بأسماء البعض من الكبار لعلكم تدركون عظمة التاريخ الصحفي المصري، وأضيف والفني والأدبي والتنويري.. مصر في مرحلة حاسمة في تاريخ أصبح البقاء للقوي والواعي المستنير، وكما قال المفكر الجزائري (مالك بن نبي): (إن الأمم تُقيم لا بمساحة الأرض ولكن بقيم الفكر التي فوقها)، الدولة تحاول وتنطلق ولكن البعض لا يدرك ما يحدث وتلك من مهام الصحافة الواعية والمهنية ويشاركها الاعلام .. مصر تنطلق وتستحق ان يقف العقلاء معها.