كتب : أحمد السماحي
خلال الأيام الماضية انشغلنا بمتابعة المهرجانات الغنائية المصرية والعربية التى عادت بقوة في صيف 2022 ، ونتمنى أن تدوم هذه الحالة الغنائية المفرحة كثيرا وطوال السنوات القادمة ويعم الأمن والأستقرار على عالمنا العربي، وفي دوامة متابعتنا لهذه المهرجانات توقفنا عن الكتابة عن بعض الأغنيات الجديدة التى طرحت خلال الفترة الماضية لعدد كبير من المطربين مثل (سميرة سعيد، أنغام، تامر حسني، حماقي، أصالة، رامي صبري، عمرو مصطفى) وغيرهم من النجوم الذين يسعدوننا بفنهم الراقي، وشدوهم العذب الجميل.
وهذا الغياب غير المتعمد جعل كثير من الجمهور يرسل لنا ويحدثنا ويعاتبنا على عدم تناولنا بالتحليل لبعض الأغنيات التى طرحت، لكن ما حدث كان رغما عنا لأن التحليل ليس شيئاً بسيطاً، ويحتاج لمزاج حلو لإعادة سماع الأغنية عدة مرات لبيان مواطن الجمال فيها، ومعرفة التنقلات اللحنية والرتمية والتوزيع أيضا، وما يزيد المسألة صعوبة أننا نبسط التحليل، ونتعمد ألا نتعمق كثيرا في التنقلات اللحنية والمسائل المتخصصة في الموسيقى حتى لا يشعر القارئ بنوع من الملل، وبداية من اليوم سنتناول الأغنيات التى طرحت مؤخرا بالشرح والتحليل.
من الأغنيات التى طرحت وحققت نجاحا كبيرا على موقع الفيديوهات الشهير (اليوتيوب) أغنية (عارفة قيمتي) التى تقترب الآن من الـ 4 مليون مشاهدة، وهى من كلمات أمير طعيمه، ألحان عمرو مصطفى، توزيع تميم، غناء القيثارة أنغام، التى تتعاون لأول مرة منذ بدأت مشوارها مع المبدع (عمرو مصطفى)، الذي أحُب أن أطلق عليه (الوحش) لأنه قادر على السيطرة، وأن يجعلنا بمزاجنا ورغما عنا نتابع ما يقدمه، لأنه مخلص لفنه ولا يجامل فيه.
ويسعى دائما للاختلاف، فهو يسير في سرب خاص به، لهذا فهو لا يشبه أحدا ولا أحدا يشبهه، يبدع بأدائه وألحانه ويقدم فنا حديثا متطورا، وفي سعيه إلى التطور لا ينسى شرقيته وآصالته فيقدم الحداثة ممزوجة بروح شرقية تظهر في نغمة هنا، وعزف هناك، ودائما لديه الجديد الذي يفاجئنا به.
ناس مش وش كسوف
أعطى (عمرو مصطفى) في تعاونه الأول مع (أنغام) طعم ولون وشكل جديد عليها، شعرنا من خلاله أنه جدد دماء (أنغام) وأعطاها جرعة لحنية متعددة المقامات في (عارفة قيمتي) التى تتحدث عن إنسانة يبدو أنها كانت في حالها وتسير جنب (الحيط) وتخشى من القيل والقال وكلام الناس، لكن واضح أنها تضررت من شخص ما (مش وش كسوف)!، فقررت التكشير عن أنيابها والتمرد، وأعلنت هذا التمرد قائلة: (بقيت ما بجيش على نفسي عشان مخلوق) خاصة وأنها حسبتها ووجدت أن الحياة سريعة ولا تنتظر أحد مثل القطار، فتصرخ قائلة (بنخطف وقت من الدنيا ونتسابق مع الأيام، وعمرنا كام عشان نقبل ثواني في عمرنا يضيعوا).
أي أن بطلة أغنياتنا في لحظة حاسمة مع نفسها وبعد مرورها بتجارب عديدة مع ناس تعبت معاهم وكبرتهم وقدرتهم وهم لم يراعوا هذا، قررت أن تعمل وقفة مع النفس، وتعيش لنفسها فقط، لأنها وكما تقول :
عارفة قيمتي وعارفة أنا مين، ده الطريق اللي أنا ماشياه
مش مهم الناس عايزين، المهم اللي أنا عايزاه
كل ثانية أنا ناوية أعيش، واللي فات هنساه
في هذه الأغنية ابتعد الشاعر الغنائي المبدع (أمير طعيمة) الذي يعيش في السنوات الأخيرة مرحلة نضج فني متميزة أن يبتعد عن أغنيات العاطفة والرومانسية ويطرق موضوع اجتماعي إنساني، والحقيقة أنه قدم موضوعا ليس جديدا، لكن تناوله جاء جديدا ومختلفا، وتوجد لديه بعض الجمل في الأغنية تصلح كحكم أو رباعية مثل جملة (لو خايف تخسر حاجة اخسرها وإنت تبطل خوف).
مقام كرد الدو
جاءت الأغنية من مقام (كرد الدو)، والسينيو ولزم الكوبليهات حجاز، وبيلمس جنس نهاوند، لكنه لا يمكث فيهما كثيرا ويعود سريعاً للكرد، وكأن (عمرو مصطفى) خشى أن يصاب بالبرد خارج الكرد، عموما جاء اللحن فخما وثريا، وكان اختيار الكرد موفقاً، فهو مقام مرح وشجى فى نفس الوقت، ويصلح لمختلف الأشكال الغنائية، ومقام شديد الرحابة والاتساع، لقربه من مقامات مجاورة كثيرة، وهو هنا يعبر عن حالة التمرد التى قررت إعلانها بطلة أغنياتنا.
وتنقل (عمرو) سريعا بين أكثر من مقام بطريقة سلسة وليس فيها تعقيد، وبالطبع ساعده الموزع المتجدد (تميم) الذي صاغ اللحن بشياكة ورقي، ووظف كثير من الآلات بشكل مدهش وبديع ساعد على إبراز الخطوط اللحنية، وساعدتهما (أنغام) على ذلك بفضل مقدرتها الفذة فى الأداء، حيث استطاعت أن تصول وتجول في اللحن، وتؤديه بحرفية عالية، دون أن يشعر المشاهد بما قدمته نظرا لبساطة وعذوبة وجمال أدائها.
القيثارة
أدت أنغام الأغنية بمزاج عالي وحرافية كبيرة، وشكلت لغزاً محيراً لكل محب للجمال، كيف تعيش وتتنقل بين كل هذه الأحاسيس والمشاعر في أغنياتها وتعبر عنها بصدق وكأنها عاشت ألف عام، ومرت بمئات التجارب الإنسانية والشخصية، (أنغام) حالة خاصة جدا في الغناء المصري والعربي، وخط الدفاع عن الفن الجميل المليئ بالمشاعر والأحاسيس والشجن الجميل، فهى تشدو دائما في سماء الآصالة والفن الراقي.
الكوبليه الأخير
شكرا حقيقي وبجد لصناع هذا العمل الراقي (أنغام، أمير طعيمة، وعمرو مصطفى، وتميم) فأغنية (عارفة قيمتي) أغنية بحجم ألبوم.