بعد تصدر حفله التريند .. هاني شاكر هو العلاج الرسمي للقضاء على الغناء الهابط !
كتب : أحمد السماحي
منذ فترة كتبت أن مصر لم تعد تغني، وأن عدم غناء مصر هو سبب كل الكوارث التى حدثت لمصر في الربع قرن الماضية، فبعد اختفاء حفلات (أضواء المدينة، وليالي التليفزيون) الشهرية، وحفلات مهرجانات السياحة والأغنية، وغيرها من الحفلات التى كانت تقام في كل المناسبات القومية والوطنية، بدأ يتسرب لنا الغناء الهابط من خلال ثورة الفضائيات الغنائية التى روجت هذا النوع من الغناء بقوة لمصالح خاصة بها، وأصبح هناك من يطالب بضرورة التصدي لهذا النوع من الغناء بقوة القانون، بينما يراه آخرون انعكاسا لحالة المجتمعات المتردية، ويفسر محللون الظاهرة بأنها امتداد لتطور كل عصر، رافضين اعتبار انتشاره دليلا له بعد اجتماعي فقط لأنه يعبر عن مضامين كثيرة.
المهرجانات والجماعات الإرهابية
وسط هذا بدأت الجماعات الإرهابية مع عدم وجود غناء في حفلات الجامعات تقترب من الشباب وتلوح لهم بالجنة والنار، وبدأ الشباب المسكين يسمع لهم وكثير منهم انجرف واتبعهم، بعد كل هذا ابتلى الله مصر بنوع أخر من الغناء أخطر وهو مؤدين المهرجانات أو غربان الملاهي الليلية هؤلاء الذين يعيشون حاليا حالة من المجون الغنائي ويعيشون أولادنا حالة من الرخص والتدني والإنحدار!.
أكتب هذه المقدمة الطويلة لأذكر شيئا واحدا أننا بكثرة الغناء الراقي من خلال كثير من الحفلات الغنائية المحترمة يمكن أن نقضي على كل ماهو تافه وسطحي، ومبتذل، لأن كثير ممن يحترفن الغناء الهابط كل هدفهم الشهرة وجمع الأموال بأسرع وأيسر طريقة، لكنهم يجرفون في طريقهم قواعد الذوق والأخلاق.
الجمهور يريد الجمال
الدليل على صحة ما أذكره حفل أمير الغناء العربي (هاني شاكر)، وتمرحنة الغناء (نادية مصطفى) الذي قدماه أول أمس على خشبة مسرح قلعة صلاح الدين، ضمن فعاليات (مهرجان محكى القلعة الدولى للموسيقى والغناء) في دورته الثلاثين وسط حضور جماهيري كبير لم نعتده في أي حفلات من قبل.
استطاع هذا الحفل أن يؤكد أن الجمهور برئ من جملة (الجمهور عايز كده!) أوجملة (أن الجمهوريحب هذا النوع من الغناء الهابط) ويستشهد من يقول الجملة الأخيرة بالإقبال الجماهيري الضخم على حفلات مغنيين المهرجانات والراب، ونسى هؤلاء أن الجمهور يقبل أيضا بقوة وشهامة على الخناقات والمعارك في الشارع!، فضلا على عدم وجود حفلات أصلا وبالتالي يُقبل الجمهور على أي حفل، وإقباله ليس دليلا على حب، ولكن دليلا على الحرمان.
جاء حفل (هاني شاكر ونادية مصطفى) ليقول أنه لن يستطيع أي مخترع ولو بعد مليون عام، أن يخترع آلية تنافس المسرح، لأنه الآلية الوحيدة والفن الوحيد الذي يعتمد على اللقاء الحي مع الجمهور، ومتعة المشاهد تكمن في أن يلتقي الجمهور مع مبدعه، فتلك المتعة تعود لفترة وجود الإغريق.
هاني يهز أرجاء القلعة
في حفل (محكى القلعة) صال وجال أمير الغناء العربي في بستان وروده وقطف كثير من الورود والزهور وأهداها لجمهوره الذي أقترب من 15 ألف متفرج في ظاهرة لم تحدث من قبل حتى أن الحفل لم يقتصر على الجمهورالذي كان حاضرا في المحكى، ولكنه كان في الحدائق والمتنزهات المجاورة للمحكى، واستطاع هاني شاكر أن يهز أرجاء القلعة بعذوبة وجمال صوته وليس بأسلحة أخرى!.
ورود مليئة بعطر الرومانسية والأصالة
بدأ (هاني شاكر) حفله بوردة بلدي مليئة بعطر الأصالة لم يقدمها منذ فترة وهى رائعته الوطنية (بلدي)، أو (إن كان على القلب مافيش غيرك) كلمات الشاعرعبدالرحمن الأبنودي، وألحان الموسيقار جمال سلامه، التي تفاعل معها الحاضرون بقوة ورفعوا علم مصر، بعدها ومعه الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو الدكتور(مصطفي حلمي) بدأ يهدي الورود فهذه وردة حمراء مليئة بعطر الرومانسية اسمها (نسيانك صعب أكيد) وأخرى تؤأم لها اسم (غلطة) والتى رددها معه الجمهور كلمة بكلمة، وتلك فلة لم يقدمها منذ فترة اسمها (أنا مش بعتبك عليك)، وهذه زهرة التوليب البيضاء وعنوانها (شاور)، وتلك زهرة الجاردينيا التى حملت إسم (لو بتحب حقيقي صحيح)، وهذه زهرة السوسنة البيضاء التى أطلق عليها (متهدديش بالانسحاب).
وتوالت ورود أمير الغناء العربي المليئة بالعاطفة والرومانسية والشجن وسط تصفيق الحضور وزغردة البنات والنساء فغنى (بحبك يا غالي، يا ريتنى، وعد منى، مشتريكى، لسه بتسألى، واديني قلب تاني، وأنا قلبي ليك)، واختتم حفله بأغنيته الشهيرة (علي الضحكاية علي).
الحضور تحول إلى كورس
أما النجمة (نادية مصطفى) فتألقت وأبدعت هى الأخرى في الحفل وتحول الحضور الى (كورس) في معظم أغانيها التى رددها معها الجمهور بحب وحماس بدأتها بـ (حبايب مصر) كلمات مصطفى الضمراني، ألحان حلمي بكر، وتوالت الأغنيات مثل: (سلامات، والله العمر، بكل لغات العالم، مسافات، إمبارح، فرحتنا بكره، قبلك لا، قلوب كتير، لو كنا عالبال، الصلح خير، سلامات، شدوني عينيك، جيت أهنى، جاى في إيه)، إلى جانب أحدث أعمالها (يحلها الحلال) وغيرها، ثم استعادت بمصاحبة فرقتها الموسيقية بقيادة عازف الكيبورد (مدحت حميدة) ذكريات من إبداعات نجوم زمن الفن الجميل منها (لولا الملامة يا هوي) لوردة الغناء العربي، التي تفاعل معها الحضور بقوة.
رسالة لمسئولي بلدي
يا مسئولين عن الثقافة في بلدي مصر المحروسة استغلوا (هاني شاكر) وتفرغه حاليا للغناء، واجعلوه يقف على كل مسارح محافظات ومدن مصر فالرجل تاريخ طويل ومحترم، والجمهور المصري يعشقه، وهو صوت فواح بعطور شرقية، دون على أوتاره تفاصيل هويته كالبطاقة الشخصية، ما أن تسمعه حتى تتعرف عليه في الحال دون احتياج لمذيع يقدمه أو نوته بيانات تشرحه، كما أنه يعتبر آخر حبة في عنقود جيل من المطربين العرب يجمع بين العذوبة والبساطة في الكلمة، وفي الموسيقى كما في الأداء والحضورالأنيق الراقي الذي ينضح بالاحترام الشديد للجمهور وللذات.
وهومع بعض زملائه المحترمين قادرين على القضاء على الغناء الهابط والتدني، والإنحدار الذي وصل إليه الغناء المصري الآن، والدليل أن قناة الحياة أصبحت تريند رقم (4) على منصة تويتر، بعد انفرادها بحفلة هانى شاكر ونادية مصطفى.
كوبليه أخير
كلمة أخيرة لابد أن نقولها ظهرت بقوة من خلال حفل (هاني شاكر ونادية مصطفى) أن الجمهور البسيط الذي لا يملك سعر تذاكر حفلات الأوبرا أو الساحل الشمالي متعطش لسماع الأصيل من الفن، ويارب نفهم مغزى هذه الرسالة!.