بقلم : محمد شمروخ
قريبا قد يصدر حكم بصحة أو بطلان انتخابات نقابة الصحفيين، النقيب وأعضاء المجلس، وفي حال البطلان الكل كسبان، فالنقيب يكسب لأنه قضى عامين في منصبه لن يحسبا عليه ولن يضطر لاتخاذ فاصل ونعود كما كان يحدث!، وكذلك أعضاء المجلس ممن أصابهم الدور للتجديد إن لم يكسبوا كالنقيب، فعلى الأقل لن يخسروا لنفس ذات السبب!
ونأتى للكتلة الصماء، أعضاء النقابة من الصحفيين العاملين في المؤسسات القومية والصحف الحزبية، هم كمان كسبانين لأن استمرار النقيب يعنى بقاء ممثل لها لدى الدولة ذى حظوة وسمعة طيبة بين الصحفيين والأهم أنه قادر على إحداث توازنات قد يجفل حيالها غيره بين الحكومة والصحفيين أو بين الصحفيين وبعضهم البعض!
وهذا ما لم ولن يعترض عليه أى عدد يشكل تهديدا ما لا على المهنة ولا على النقابة واستقرارها، خاصة وأن النقابة والمهنة وجميع المؤسسات الصحفية تعانى أشد معاناة حتى وصلت هذه المعاناة إلى تهديد استمرار هذه المؤسسات غير المرغوب في بقائها من جانب كثير من (مراكز إدارة شئون الدولة) التى تسعى سعيا حثيثا إلى نقطة صارت قريبة للغاية وهى إعلان إنهاء عهد الصحافة الورقية ومن ثم سيتبعه أى عمل صحفي إلكتروني مؤسسي، مكتفين بما يبث على مواقع التواصل الاجتماعي من غثاء وثرثرة مما خف وزنه وتفه شأنه وصار جديرا بأن يطمر أى رؤى أو آراء أو أطروحات ذات قيمة تأتى من جانب قد لا يرغب في الاستماع إليه أو مطالعة ما يكتبه ولو كان من جانب مؤيدى سياسة الدولة!، إذ أن الدولة لم تعد بحاجة إلى تأييد ممن فقدوا قوة التأثير!
ثم إن المؤسسات الصحفية القومية والنقابة نفسها صارت عبئا كبيرا على ميزانية الدولة ولم تعد لها أهمية تذكر لا في الخبر ولا في التحقيق ولا في الرأى ولا في التقرير ولا في العير ولا في النفير.
فالقراء صاروا يدفنون وجوههم في شاشات هواتفهم المحمولة بالساعات لهثا وراء ثرثرة أخبار الفضائح والتريندات وهجروا الصحافة لأنها.. هههههههههههه.. لا تعبر عن مشاكلهم!
وحتى كبار المسئولين وصغارهم خاصة ممن لهم ثارات أو مواقف سلبية مع الصحافة لأى أسباب كانت، صاروا يتفنون في عرقلة عمل الصحفيين وتصدير الوشوش الخشبية لهم (بعد ما كانوا على الحجر) فقد مضت عهود كان فيها الفريقان يتبادلان المكاسب الشرعية واللاشرعية (وشيلنى وأشيلك وفوت دى أفوت لك دى)!
فلم تعد الصحافة لها الرهبة المقرونة بالكلمة الحرة، ذلك لأن أحدا لم يعد يعترف بقيمة الكلمة إلا إذا ترجمت إلى نفع مادى مباشر، أما الحرية ففقدت جلالها القديم لكثرة ما عبث بها الحمقى ما بين الميديا والميادين، كما صارت بابا خلفيا لكل دعوات الفتن والسقوط الاجتماعي والأخلاقى!
ونعود إلى حيث بدأنا ونطرح سؤالا جديدا: ماذا تعنى النقابة للصحفيين غير منافذ خدمات ومصايف وحجز تذاكر وبدل شهرى؟!
لكن أليس هذا أفضل من فقد كل شيء؟!
حقا سنموت غدا ولكن ماذا عن اليوم؟!
هناك مثل شعبي يجسد منتهى الانتهازية ولكنه في النهاية يساير روح البرجماتية العصرية التى يسير عليها العالم كله والتى أثبتت أنها الأكثر مناسبة للواقع والمثل يقول:
(إن خرب بيت أبوك خدلك منه قالب).
فهذا القالب المرتجى من بيت الأب الخربان صار هو المطلب المنتظر!
وبما أن الحكم المأمول أن يصدر بالبطلان، سوف يعيد الأستاذ الكاتب الصحفي ضياء رشوان النقيب الحالى إلى كرسي النقابة، إذن فقد ضمن الصحفيون زيادة القوالب التى يتقاضونها كمنحة مالية شهرية تشكل ركنا ركينا من دخلهم الشهرى وليس لديهم أي تقبل لطرح مغامرة قد تؤدى إلى تأجيلها، بل عن توقفه، وهو ما يمكن أن يشكل كابوسا ثقيلا على قلوب وجيوب أبناء المهنة المكلومة وهو ما يعرف ببدل التكنولوجيا الذي يتقاضاه كل عضو بالنقابة وهو الآن حوالى 2500 جنيه وقد يصل مع انتخاب رشوان إلى ما يقرب الثلاثة آلاف جنيه أو يزيد مع الانتخابات المقبلة.
ومهما كان من ضآلة المبلغ بالنسبة لقوة الجنيه الشرائية التى انزلقت إلى الحضيض، إلا أن هذا القالب صار بمثابة المقياس لدى الناخب لقدرات المرشح على النجاح وضمان أن له اتصالات مع ذوى الشأن من أولى الأمر والنهي!
لكن دعنى أزعم أن هذا الوضع مهين للصحفيين خاصة الذين لا مصادر لدخولهم إلا مرتبات مؤسساتهم + بدل النقابة وهؤلاء بالرغم من أنهم الأغلبية الساحقة بين أعداد الصحفيين وهؤلاء أنهكتهم الحياة وتكاليفها وهم ينظرون إلى مستقبل مفعم بالإحباط بعد أن تكالبت الهموم على مهنة القلم الذي لم يعد له وجود حقيقي أو مجازى، خاصة أن السيول الإلكترونية للمنشورات تعج بالتافه والسطحى ولم يعد هناك المفكر الذي يطل على قرائه من زاويته الصحفية في فكرة أو مواقف او يوميات أو من قريب، ولا الأديب الذي تنتظر قصته على صفحات (ملحق أهرام الجمعة)، ولا الشاعر الذي تتلهف الجماهير لقصيدته الجديدة في (الملحق الأدبي)، ولا الرسام الذي يسخر بالكاريكاتير من ساقين قصيرتين معلقتين فوق كرسي السيد رئيس الوزراء كما كنا نطالع على صفحات (أخبار اليوم) كل سبت!
حقا.. أتاحت مواقع فيسبوك وتويتر وغيرها لكثير من الناس نشر آرائهم وأطروحاتهم لكن جاءت نتيجة مفزعة بأن الغث طغى على الثمين والعبث صار سيدا للموقف وتلاشت جدية الرأى والمعلومة أمام السخف والاستظراف والادعاء والكذب المتفق عليه!
تراجعت الصحافة بعد أن تهاوت علىها المطارق من كل حدب وصوب، حتى من بين المنتمين إليها الذين هجروها لهثا وراء أموال رجال الأعمال الكبار من جمعية (اتحاد ملاك مصر) الذين غزوا العقل المصرى وتمكنوا من تشوشه عبر قنواتهم التلفزيونية الخاصة أو مواقعهم الإلكترونية التى تعمل لأجل مصالحهم الشخصية والتجارية في غيبة تامة عن صحافة الدولة التى لم تعد تهم أحدا منهم فكثر من رجال جمعية الاتحاد صارت لكل واحد منهم أداته المتصلة بالجماهير والتى يوجهها بتعليماته.
كان يمكن تقبل ذلك باعتبار سطوة المعايير الحالية للاقتصاد الليبرالى البرجماتى الذي صار يجر قاطرة الإعلام، ولكن لابد من وجود كيان حقيقي للدولة يعلن عن وجودها مباشرة بدون غطاء رجل الأعمال المتعاون.
وكل هذا يحدث فى الوقت الذي لا يكاد مرتب مدير تحرير في جريدة قومية كبرى اقترب من سن التقاعد، يزيد عن عشرة آلاف جنيه شاملا منحة الحكومة التى تمن بها على النقابة، نجد محررا مبتدئا يعمل في برنامج بإحدى القنوات أو بموقع إلكترونى يتقاضى على الاقل أربعة أضعاف هذا المبلغ وهو لا يعبأ بقبض مرتبه الهزيل من جريدته + منحة الحكومة إلى النقابة!
أى هوان بعد هذا الهوان؟!
ومع ذلك فإنى أضع يدى على قلبى خشية أن تغضب الحكومة على الصحفيين وتقرر وقف المنحة الشهرية لأي سبب وهناك ألف ألف سبب!
ولم تعد هناك طاقة لأى من الصحفيين للاحتجاج خاصة أن الاحتجاجات نفسها لها أصحابها وهم معروفون بالأسماء ولكنهم (ما بين وبين.. وبين هذين البينين بون بين)!
الخلاصة : نحن الآن في الانتظار حتى يصدر الحكم الذي قد يتيح البقاء فترة ثالثة متوالية للسيد النقيب الحالى ليسجل كأول نقيب يستمر لثلاث مدد متتالية في تاريخ انتخابات النقابة منذ حظر تكرار البقاء في المنصب لأكثر من مدتين!
وليصدر الحكم بأى نتيجة وليجدد (الأستاذ ضياء) بقاءه أو يأتى مرشح آخر.. لا يهم.. المهم ضمان الخروج بالقالب الأخير من بيت المرحوم أبونا!.