بقلم : علا السنجري
من الجاني ومن الضحية، سؤال يظل يتردد في ذهنك طوال فترة مشاهدتك لمسلسل (منعطف خطر)، فهي ليست كالمعتاد جريمة قتل ونبحث عن الجاني وتنتهي، بل مع تواصل الأحداث تجد أن الجاني هو أيضا ضحية لقاتل آخر، فليست كل الجرائم بالدم ، قتل الضمير والروح أشد الجرائم التي تواجه المجتمع، وتعتبر منعطف خطر، إلا أنه في الحقيقة يضع يده على منحنى خطر آخر تسلل لحياتنا ويهدد شبابنا والأسر المصرية ، والذي اعتبره أكبر (منعطف خطر) يهدد مجتمعنا، وهو كيف يؤثر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على الأطفال والشباب في مرحلة المراهقة، ومدى تأثير مكسب الفلوس في أيدي مراهقين يشعرهم بالاستقلالية بعيدا عن سلطة الأهل الذين لا يستطيعون مواكبة التطور التكنولوجي، وكما يؤثر على قدرتهم على التربية الصحيحة لأولادهم، والأولاد يروا أن آبائهم دقة قديمة أمام التكنولوجيا الحديثة.
المسلسل يركز في أحداثه على علاقة الآباء بالأبناء ، تجد من هجر طفله صغيرا، ومنهم بسبب ماضيه المخفي عن الجميع يخاف مما يجعل ابنته تتصرف من ورائه دون الرجوع إليه لتسافر، ومنهم من يريد أن يعيد أمجاده من خلال أبنائه ويعيشوا حياتهم التي رسمها لهم ويجعلهم مهزوزين.
صدق من أسماها شبكة عنكبوتية، متشابكة العلاقات ومعقدة، لكنها في ذات الوقت ضعيفة قد تؤثر بالسلب على حياة الفرد، خاصة المراهقين والشباب، تصيب بالاكتئاب والتفكير بالانتحار أو قد تسبب حوادث وجرائم كما حدث مؤخرا.
الأحداث تدور حول مقتل الفتاة سلمى (الانفلوسر فتاة التيك توك) في حقيبة سيارة تابعة لحملة الدعاية الخاصة بخالد المرشح لرئاسة أحد النوادي الرياضية ليكمل مسيرة والده، يتولى المحقق هشام مع المحقق مصطفى، تتوجه أصابع الاتهام الى (كريم الصباغ) الشاب الذي يمتلك مخبأ بالنادي يستخدمه لنزواته مع الفتيات ولتناول المخدرات، لكنه ينتقم من سلمى بتلفيق فيديو لها معه ونشره، والدها يعيش هاربا من ماضي يطارده بعد مقتلها، تاجر المخدرات الذي كان يتعامل معه قبل زواجه يهدده بفضح أمره، الأم مصدومة من موت ابنتها ومن حقيقة زوجها بعد ما اعترف لها بقتله لكريم و باسمه الحقيقي وعلاقته بسالم الصعيدي الذي ظهر في عزاء سلمى.
يتم اكتشاف دماء سلمى في أحد الشقق التابعة لحملة (خالد سليمان) ويتم القبض عليه، ليعترف أنه صاحب أكاونت (الناجي) بموقع التواصل الاجتماعي وتحدث مع سلمى من خلاله، لكنه ينكر أي صلة بمقتلها،عند اعتراف مدير الحملة محسن بالحقيقة يتم اغتياله على يد أخو خالد سليمان، حتى لا يفضح أمر علاقته مع سلمى ولا يتم اتهامه بقتلها نظرا لظروفه الصحية عقب حادث سيارة.
لكن النهاية ربما تكون غير متوقعة من البعض، عم سلمى كان يراقبها ويتصل بوالدها ليأتي بمواجهة سلمى يكتشف أمر سفرها دون أن تفلت سارة من بين يد والدها فتقع فوق لوح زجاجي وعمود يخترق جسدها، أي قتل عن غير عمد .
يقوم البناء الدرامي بتداخل أحداث الجريمة مع حياة المقدم (هشام) صاحب الشخصية القوية الجاد طوال الوقت، تشعر أن بداخله بركان على وشك الانفجار لأن بداخله صراعات تجعله قاسيا في تصرفاته، يتقرب من زميله مصطفى وزوجته، ليحكي لهم عن طلاقه من زوجته، علاقته السيئة بوالده الذي تركه هو ووالدته منذ صغره ترك أثرا سلبيا جدا في حيات ه،ويعبر لهم عن خوفه من أن يتعامل مع ابنته بنفس طريقة والده وألا يكون له دور في حياتها ولا تربيتها، يحاول أن يكون ضهر وسند، لا يريد أن يتحول إلى أب سيىء، تجد مصطفي مختلف تماما، روحه مرحة، يأخذ الأمور ببساطة أكثر، لكن هذا لم يقلل من ذكائه، أو تعامله بحب مع زوجته.
العمل معالجة درامية لـ (محمد المصري مع أحمد جودة و علي جبر)، الفكرة مقتبسة من مسلسل أمريكي بعنوان: (القتل – the killing)، جعل النص مصريا إلى حد كبير، لم يكن نسخة مكررة بالكربون من العمل الأجنبي، بل ابتكر وجعل القصة مناسبة لمجتمعنا يناقش به قضايا التربية و تأثير التكنولوجيا على الأسرة، رغم الاعتماد الكبير على الفلاش باك، لكن أسلوب السرد يشبه الاعمال الأسبانية إلى حد ما، استطاعوا ربط خيوط العمل ببعضها جيدا من حيث ردود الأفعال للشخصيات وتنظيم جيد لتواريخ الأحداث، لكن لم أفهم كيف تسافر الأسرة إلى مرسى علم لتصيف رغم أن الجميع يرتدي ملابس شتوية، ومن أين جاء المطر الغزير، ثم كيف لأب صعيدي بهذا التفكير المنغلق والغيور ومراقبته لها أن يوافق لابنته على الاشتراك بـ (التيك توك) وأن تصبح مشهورة وفي ذات الوقت يرفض سفرها للخارج .
ريهام عبد الغفور، كما قلت من قبل تخطت حدود الإبداع والنضج الفني،يحسب لها الظهور بلا مكياج لأم فجعت في موت ابنتها، تمكنت من تفاصيل الشخصية والتعبير بصمت والتحدث بصوت مرتجف يعبر عن الخوف الذي يدور داخلها، أجادت دور الأم التي اختفى من ملامح وجهها أي تعبير ليصبح ثلجي معبرا عن الحزن والصدمة.
ريهام عبد الغفور وباسم سمرة معا قدما مباراة فنية رائعة في أكثر من مشهد في تناغم الأداء بينهم ، مشهد انتظارهم في الشرطة، كل منهم حالة صمت كان الصراع النفسي بداخلهم بين الحسرة واللوم وجلد الذات لتركهم ابنتهم، وبين الوجع والألم لفقدانها.
باسم سمرة، صدق من أطلق عليه (الجوكر)، فقد أجاد دور الأب المصري الصعيدي الأصل، صاحب الدم الحر والغيرة والخوف على أسرته من ماضيه، قدم الأب التائه بين الندم و الانتقام ممن يرى أنهم السبب في تفكير ابنته، ليس لديه رفاهية البكاء والحزن، بل عقله يدور في كيفية التصرف وإخفاء الحقيقة قدر الإمكان والانتقام، قمة الروعة في الأداء، خاصة في مشهد حمله لكفن ابنته مع مشهد حمله لها عند ميلادها، من يتمعن في ملامحه في المشهدين يعرف أنه كان السبب في موتها، فهو ليس مشهد حزن بل اعتذار لها، لم أفهم المغزى من تحدثه بلهجة عامية في البداية لتتحول إلى لهجة صعيدية دون مبرر.
باسل خياط، يجيد دائما الأدوار المعقدة ذات أبعاد نفسية، أجاد التعبير عنها بملامح جادة ونظرات ثاقبة، خاصة في المشهد مع والده في المستشفى، والحوار الذي قاله لوالده أكثر من رائع: (معنديش مشاعر ليك )، ليثبت أن فاقد الشيء لا يعطيه،متخبط المشاعر مع ابنته، ربما إجادته للقسوة والعصبية الداخلية التي تظهر على ملامح الشخصية جعل أدائه للهجة المصرية يصبح ضعيفا.
حمزة العيلي، رجل ملبوس بعفريت الإبداع، ليس صعب عليه تقمص أي دور ويجيده دون تكرار الأداء، متجدد في دوره، موهبة رائعة، قدم نموذج الأخ السند ظهر أخيه، الرجل العصبي العنيف يثأر لشرفه دون تفكير.
الفنان ياسر علي ماهر، ممثل من العيار الثقيل كما يقولون، وأراه أنا الطاووس المنفرد بالأداء السلس لأب يريد ألا تنحسر عنه الأضواء، يريد لأبنائه أن يعيشوا حياته والاستحواذ على السلطة والنفوذ، قاسي ولا يرى سوى رغباته، دق بأدائه ناقوس لمنعطف خطر للأب المتسلط الذي يحول ابنه لشخص مهزوم بطمس هويته ليكون نسخة منه.
عودة الفنان أحمد ماهر في هذا العمل رائعة، فهو فنان قدير،غول تمثيل، أسطورة حقيقية في السرد والأداء بالصوت والملامح، شكل المباراة الفنية الثانية في هذا العمل مع فريق هذا العمل .
محمد علاء، في شخصية الابن المهزوز الذي ينفذ تعليمات والده، حالة نفسية دفعته للمخدرات بعد انتحار زوجته، تعبيرات وجهه جيدة إلى حد كبير وإن كنت أتوقع الأكثر منه.
تامر نبيل وجه محبب للنفس، أداء راقي سلس للظابط المرح والناجح اجتماعيا بلا مشاكل نفسية.
رغم أنه ظهر في مشهد واحد إلا أن الفنان صبري عبد المنعم أبدع في الأداء وكسب تعاطف المشاهد لأب يظهر مشاعر الندم لابنه قبل وفاته.
آدم الشرقاوي، أظهر نضجا كبيرا في التمثيل لدور الشاب المستهتر، والفنان محمد أبو داود الأب القاتل الحقيقي لابنه بنفوذه التي تحميه مهما عمل المهم ألا يتحدث دون وجود محامي.
سلمى أبو ضيف، أداء جيد للضحية التي تحرك الأحداث، هى أيضا تطور رائع لموهبتها وتمكن من أدواتها، الفتاة التي عانت من تنمر مجتمع بسبب الفرق الكبير بين مستواها المادي والاجتماعي، دون أن تتأهل للاختلاف الكبير، وأب من أصول صعيدية.
من وجهة نظري المتواضعة (خالد كمال) قمة في التمكن من التلعثم في الكلام، رعشة اليد والجسد بسبب الدواء الذي يتناوله، تشوه وجهه في حادث سى، قمة الحنان وهو يشعر بالحب تجاه سلمى ويساعدها ولا يخبرها حقيقته، خوفه من أن يفضح سره.
الفنان أحمد صيام كعادته إجادة للدور مهما كان حجمه.
الإخراج السدير مسعود جيد، استطاع إجادة مشاهد التشويق، لكنه استخدم الكثير من الاضاءة ربما ليظهر ما هو خفي بداخل الشخصية ربما، ويحسب لمحمد مشيش براعة وروعة الإنتاج الذكي.
جريمة قتل قدمت العلاقات غير السوية بين الآباء والأبناء، فالقسوة لا تولد إلا قسوة، أهم المشاعر التي يجب أن تتواجد في هذه العلاقة هى الحب والتفاهم، التعاطف وخلق حوار بينهم فيما يخص مطالب وحقوق كل منهم، والاهتمام بالجوانب النفسية المظلمة لكل منهم، ومن خلال علاقة الضابط هشام ووالده وابنته، سلط الضوء على فكرة أنه يجب تفكر جيدا قبل أن تأتي بإنسان إلى الدنيا وأنت غير مؤهل، ولديك شيء أهم بكثير من غريزة الأبوة أو الأمومة، وهو الذكاء النفسي لتقبل أفكارهم والقدرة على إمدادهم بما يحتاجونه ليس بالشكل فقط بل الاجتماعي والنفسي لاحتوائهم ويصبحوا أشخاص أسوياء يفيدوا المجتمع.
كما أضاءت تلك الجريمة على فجوة اختلافات الثقافة والمستوى الاجتماعي، والتنمر وعلاقته بهذا الجانب السيىء للميديا ومواقع التواصل الاجتماعي وما توفره من استقلال ولو قليل عن سلطة الأسرة.