رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب : يخاطبون أنفسهم ويستفزون الناس

بقلم : محمود حسونة

ليست الصحافة الورقية في مصر وحدها التي تعاني أزمة، فقد لحقها الإعلام المرئي ليشرب من نفس الكأس. فقدت الصحافة مصداقيتها بعد أن أصبحت الصحف القومية وتلك التي كانت مستقلة نسخ كربونية من بعضها البعض، شكلاً ومضموناً، وخلا معظمها من الخبر الانفرادي معتمدة على البيانات التي تصلها من المؤسسات والهيئات الرسمية، وتمكن منها العجز عن محاورة مسؤول كبير أو حتى فنان أو رياضي شهير إلا فيما ندر، بعد أن أدركت المصادر فقدانها التأثير على الرأي العام وعدم جدوى التعامل معها، وأن (تغريدة) أو (بوست) على مواقع التواصل الاجتماعي يثير من الجدل ما تعجز عن إثارته صفحات لا تقول جديداً ولا تتخذ موقفاً ولا تنتقد سلوكاً.

وفي المقابل فإن الإعلام المرئي لم يكن أحسن حالاً بعد أن أصبحت معظم برامجه تستقي موادها من المواقع الصحفية الإليكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما يحاول أحد مقدمي برامجها الاجتهاد والخروج عن النمطية يشطح بما يثير غضب متابعيه ويجعله مادة للسخرية والتهكم على مواقع التواصل الاجتماعي. ومثلما تعتمد برامج (التوك شو) على المنشور في المواقع الإليكترونية، تعتمد أيضاً الصحف الإليكترونية على ما يقوله المذيعون عبر برامجهم بعد أن جعلت منهم مصادر للخبر وللرأي وخصصت أفراداً من طاقمها التحريري للجلوس أمام الشاشات ونقل افتكاسات هذا المذيع وذاك، متجاوزة أبسط القواعد التي تعلمناها في كليات الاعلام والتي تعتبر نقل وسيلة إعلامية عن أخرى عيب ولا يجوز.

سئم الناس الملل والكبر والعنجهية

سألت عدداً من المعارف عن القنوات التي يتابعونها والبرامج التي ينتظرونها كل يوم والمذيعين الذين يثقون فيهم، فجاءت الاجابات صفرية تقريباً، وحاولت أن أعرف الأسباب متوهماً أنه ضيق الوقت وكثرة المشاغل، فكان شبه الإجماع على أنهم فقدوا الثقة في التليفزيون ونجومه الذين لا يأتون بجديد، ناهيك عن حالة الغرور التي أصابت كثيرهم ولغة التعالي التي يخاطبون بها جمهورهم، بعد أن  تقمص  معظمهم دور المعلم والطبيب والمحلل الاقتصادي والأستاذ الجامعي.

كثيرون يزعجهم أن الوجوه التي تسيطر على الإعلام المرئي هى ذاتها التي اعتلت شاشاته في زمن مبارك، وهى التي بدّلت الأقنعة بعد 25 يناير 2011، وهى التي ادعت الثورية ومنحت لنبت يناير الشيطاني مساحات زمنية في برامجهم، وبعضهم  بارك الاحتلال الإخواني للسلطة في 2012، وعندما بدأ الشباب التمرد على الحكم الإخواني وأيقنوا أنه ذاهب إلى غير رجعة بفعل التحرك الجماهيري واستجابة أجهزة الدولة العسكرية والأمنية للمطالب الجماهيري انقلبوا صاغرين، وبعضهم له في الذاكرة والأرشيف صوراً ومشاهد وهو يقبل أيادي و(خشوم) رموز الجماعة الإرهابية، وهم الذين يعجزون عن الابتكار سوى فيما يستفز مشاعر الناس ويثير سخطهم.

حاول أن تطالع تعليقات الناس على (تغريدات أو بوستات) أي منهم على مواقع التواصل الاجتماعي لتكتشف مدى غضب الناس منهم وعليهم، وهو الأمر الذي لم يعد صادماً لأحد لأنه متوقع وليس فيه مفاجآت، وهو رد الفعل الطبيعي على ما يقولون وما يسلكون.

لا أعرف لماذا لا تقوم أي من مراكز البحث والاستقصاء والاستبيان باستطلاع الرأي العام (بلا انحياز) حول أزمة الإعلام ونسب المشاهدة التليفزيونية ومستوى لغة الخطاب الإعلامي؟

قد يكون السبب في حالة الصمت تجاه وضع الإعلام المرئي هو الخوف من رد فعل هؤلاء الإعلاميين الذين حوّلوا برامجهم إلى منصات لتصفية الحسابات مع من يختلف معهم، وقد يكون السبب هو الرغبة في إبقاء الوضع على ماهو عليه وتركهم يخاطبون أنفسهم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

إذا كنا قد ارتضينا أن يظل كل هؤلاء في مواقعهم حالياً، فعلى الأقل ينبغي تنبيههم إلى عدم ابتزاز مشاعر بسطاء مصر الذين يعانون من موجة الغلاء التي تضرب العالم كله، ولا تنال سوى من الغلابة الذين أصبح همهم الأكبر هو تدبير لقمة عيش تسد رمقهم ولا تدع أبناءهم ينامون جياعاً.

لم تعد القنوات تلبي حاجة المواطن

أحد إعلاميينا (الكبار) أجاد في ابتزاز مشاعر محدودي الدخل، وكلما ارتفع سعر سلعة وتجاوز المعقول دعا الناس إلى مقاطعتها، وكأنه لا يدرك أن الذي أصبح أكثر غلاءً ليست السلع الترفيهية وإنما المواد الغذائية التي لا يستطيع أحد الاستغناء عنها، ووصل به الأمر إلى حد مطالبة الناس باللف (كعب داير) على مراكز البيع حتى يجدون الأرخص. كلام يفتقد الوعي بأن الفقير ومحدود الدخل لا يحتاج نصائح من أحد حيث أنه لا يشتري سوى الأرخص ويحسب الفرق في الأسعار بالقرش وليس بالجنيه لحاجته إلى كل قرش يمكنه توفيره؛ طالب الناس أحياناً بالتوقف عن أكل البيض والفراخ والأرز وتقليل استهلاك الخبز وكأنه لا ينقصه سوى مطالبتهم بالتوقف عن الأكل تماماً.

صغيرنا وكبيرنا يدرك أبعاد الأزمة التي نعيشها ويعيشها العالم من حولنا، ولكننا جميعاً لا نقبل ولن نستوعب لغة الاستفزاز وابتزاز المشاعر التي يمارسها علينا أباطرة الإعلام الأجوف، والذي وصل بأحدهم إلى حد الذهاب للترويج لقرية سياحية يمتلكها صاحب القناة الذي يعطيه أجره الشهري، وهو حق له والترويج حق لـ (معلمه)، ولكن أن يسأل عن الشاليهات التي تناسب أسعارها محدودي الدخل فيأتيه الرد (لدينا شاليهات بأربعة ملايين جنيه)، فيقول مستفزاً البسطاء (هذه لمحدودي الدخل) وكأنه لا يستوعب قدرات محدودي الدخل في مصر ولا يعي معنى المصطلح الذي يردده!

ندرك أن أباطرة الإعلام الخاوي والهاوي لم ينزلوا من أبراجهم العاجية، وأن عجزهم لا يتمثل فقط في خطابهم غير الواعي تجاه البسطاء، بل يمتد إلى عدم قدرتهم على التعبير عن النهضة العمرانية التي تحققت في مصر خلال السنوات الأخيرة، ولكننا ندرك أيضاً أن الناس قد ضجت منهم ومن برامجهم، وأنهم يخاطبون أنفسهم بعد أن انصرفت قطاعات عريضة من الناس عن برامجهم، بل وعن الإعلام كله بعد أن أصبح لا يعبر سوى عن أباطرته وصناعه وبعض مموليه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.