كتب : محمد حبوشة
لايكف الكاتب الصحفي الهارب من مصر على أثر الإفلات من ديونه المليونية عن الاستفزاز بلغة خطاب مكشوفة للجميع، فتارة يلعب على استدرار عطف وتزلف بعض القادة العرب على حساب اقتصاد بلده الذي يوجه إليه سهاما مسمومة بطاويسية فجة وغرور مقيت، معتقدا بأنه هو وحده من يفهم دون غيره أمور السياسة عندما تختلط بالاقتصاد والمصالح التي يحيلها إلى أزمات حاكمة تعصف بمستقبل البلاد والعباد، وآخرها عندما أطل من برجه العاجي كاتبا مقالا بعنوان (14 سببا لسقوط الحكام والأنظمة)، في محاولة يائسة للنيل من مصر قيادة وشعبا، خاصة أنه جاء من شخص طالما دافع عن الدولة المصرية وثورة 30 يونيو.
ويأتي هذا المقال الذي احتفت به فضائيات (الإخوان الإرهابية) في وقت تقوم فيه الدولة المصرية بإعداد حوار وطني، وفتحت المجال أمام الجميع لتقديمه آرائه وخططه في هذا الحوار، ومن ثم فإن هذا المقال يبث الإحباط، ويحاول إثناء الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الترشح لفترة رئاسية جديدة، وهذا الأمر حدث أكثر من مرة، ولكن الجديد أن هذا الأمر جاء من رجل يؤمن بثورة 30 يونيو، ويلاحظ أنه ين الحين والآخر يخرج علينا الكاتب الصحفى الكبير عماد الدين أديب بمقال يثير الإحباط، ويبشر بالدمار، ويرسم ملامح نهاية التاريخ، وانهيار الدولة الوطنية، وقبيل مقاله الأخير (الأحد 14 أغسطس) الذى تحدث فيه عن أسباب سقوط الأنظمة العربية المعاصرة، والأسباب التى ساقها، كان قد نشر مقالا فى شهر يونيو الماضي، توقع فيه خلق حالة من عدم الاستقرار فى مصر، تعيد البلاد إلى حالة الفوضى التى سبقت أحداث 2011، والتى لا يتوقع كما قال، كيف ستكون ردود أفعالها لدى القوى الشعبية.
توقع عماد الدين أديب فى هذا المقال نزوح المصريين عبر ليبيا وفلسطين والسودان، وهجرة الملايين عبر البحر المتوسط والبحر الأحمر ودول الخليج، وقال: إن ترك الوضع المصرى دون تدخل اقتصادى ومالى عاجل (كارثة بكل المقاييس)، ولست أدري لحساب من يبشرنا قبل ذلك بالفوضى العارمة وهجرة المصريين للخارج والآن تتحدث عن الانهيار الكبير منتصف العام المقبل، ورغم أن الكاتب لم يقدم روشتة تذكر سوى مطالبة دول الخليج بضخ الأموال لإنقاذ الأوضاع فى مصر، فإنه ظل يحذر من الانهيار الكبير من بداية المقال وحتى نهايته، وهو أمر من شأنه إثارة الإحباط والإعلان عن نهاية دولة، وهجرة شعب إلى المجهول!
وعلى حد قول النائب والإعلامي (مصطفى بكري)، تحدث أديب سابقا عن الأسباب العشرة لسقوط الأنظمة العربية المعاصرة، وراح يحاور ويناور، ويغوص فى العموميات، التى تنطبق على كل عصر وزمان، دون أن يعطى أمثلة يمكن الاعتداد بها إنطلاقا من أن الإثارة فى الطرح، والتلميح فى العبارات، كفيل بصنع حالة من الجدل والنقاش، وهنا فارق كبير جدا بين التحذير من الأخطاء وطرح البدائل، وبين الحديث بعبارات إنشائية تنطبق على كل الأزمنة والعصور، ودعونا نقل منذ البداية إنه من الواضح أن بين الأستاذ عماد الدين أديب وبين المؤسسة العسكرية فى عالمنا العربى خصام لدود، هو يتحدث منذ البداية عن أن (الأنظمة رغم اختلافها بين ملكية وجمهورية وثورية ومحافظة وعلمانية ودينية ومدنية كلها عسكرية)!!، وكأنه أراد أن يقول: إن الخلفية العسكرية للقادة فى عالمنا العربى هى أحد أبرز أسباب فشل المشروع الوطني.
لقد حدد السيد عماد الدين أديب الموعد بالضبط، منتصف العام المقبل، ولم يوضح للأسف لماذا منتصف العام القادم وليس غدا أو بعد غد، طالما أن لديه معلومات موثقة، فلماذا لم يكتبها أو يسمعنا إياها؟ ولماذا تناسى أو تجاهل إمكانية تراجع الأزمة، أو زيادة معدلات النمو الاقتصادى لسبب أو لآخر وركز فقط على الانهيار الكبير، وكأنه جاء بـ (التايهة) عندما قال: (حينما تصبح لقمة العيش واستحالة الحياة اليومية، نكون أمام اضطرابات اجتماعية مدمرة)!!، وربما ندرك جميعا أن واقعنا الاقتصادى صعب للغاية وأننا أمام أزمة لها أسبابها التى يمكن أن نناقشها بكل وضوح وصراحة، وهى أزمة ليست فقط (الأزمة الروسية -الأوكرانية) هى المسئولة عنها، هناك عوامل عديدة ومتعددة تتحمل حكومتنا تبعاتها، ولكن هل معنى (الأزمة) حدوث الانهيار الكبير، الذى يبشرنا به السيد عماد الدين أديب بكلمات وشعارات فيها من العمومية ما ينطبق على كل أنظمة العالم بلا استثناء؟، إن قراءة مقاله تقول: (إن السيد عماد الدين أديب يعطى إشارات واضحة على أن هذا الوطن فى طريقه للانهيار الكبير والفوضى العارمة بقصد أو بدون قصد).
صحيح أن مصر تعاني أزمة اقتصادية.. لكنها قادرة على الخروج منها في أقرب وقت، فيا أيها الكاتب (التخين عرض عرضين) والزميل العزيز: نحن لسنا أمام نهاية التاريخ وانهيار دولة فى حجم مصر، بهذه السهولة التى تبشرنا بها بين الحين والآخر مهما كانت حدة الأزمة، التى أثق أننا قادرون وبقيادة الرئيس السيسى على الخروج منها والاستمرار فى إعادة بناء الدولة الحديثة، والسعى إلى تصحيح المسارات الخاطئة، وهو ما فعله جمال عبد الناصر بعد 1967 رغم حجم الكارثة التى واجهتها مصر، وإذا أردت أن أضرب لك الكثير من الأمثلة، فنحن حاضرون، ولكن اخترت لك بلدا مثل ألمانيا أصبحت الآن رابع اقتصاد عالمى بعد أمريكا والصين واليابان.
لقد استسلمت ألمانيا للحلفاء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فى عام 1945، انهارت الدولة، دمرت بنيتها التحتية، أغلقت مصانعها وتم نقلها إلى خارج البلاد، تم أسر 3 ملايين ألمانى فى هذه الحرب، وتم الدفع بهم إلى سيبيريا، لم يتبق فى البلاد سوى الشيوخ والنساء والأطفال، غابت الحكومة وأصبحت البيوت أطلالا، والجوع مسيطرا، فى هذا الوقت خرجت النساء لتكتب على جدران البيوت والمؤسسات المهدمة: (لا تنتظر حقك – افعل ما تستطيع – ازرع الأمل قبل القمح)، والآن نحن فى حاجة إلى زراعة الأمل بدلا من إشاعة الإحباط واليأس، الشعب المصرى واعٍ ويدرك الحقائق، ويكفى صموده أمام الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يعانى منها، ولأنه شعب واعٍ، ويدرك أن المؤامرة على بلاده كبيرة، ويعرف خطورة تكرار سيناريو ما بعد 25 يناير، فهو لن يسمح بالفوضى التى قطعا ستؤدى إلى انهيار الدولة والقضاء على الحاضر والمستقبل.
كن متفائلا أيها الحاقد (عماد الدين أديب)، ودعك من لغة التشاؤم، فالقائد الذي أسقط حكم جماعة الإخوان، وأنقذ البلاد، وأعاد بناء المؤسسات، وحقق الإنجازات الكبرى، قادر على الخروج من الأزمة ومراجعة كل الملفات، ولتدع غرورك جانبا ولا تكن عبده مشتاق لمنصب وزير الإعلام المصري، ما هكذا تورد الإبل (ياعماد)!، فكيف بالله عليك أن تقفز فوق ديونك وإساءاتك المتكررة لزملاء مهنتك الذين عصفت بهم مرة بالهروب من ديونك لمؤسسة (الأهرام)، ومرات أخرى في تصفية جريدة (العالم اليوم) بطريقة عدوانية بالجور على حقوق زملاء عملوا وأخلصوا لهذا الكيان عشرات السنين .. هل يمكن تجاوز كل تلك الإساءات البالغة في حق مهنة وزملاء وتريد أن تكون سيدها في منصب رفيع؟!
فجر الكاتب الصحفي المصري عماد الدين أديب، جدلا كبيرا بالشارع السياسي المصري والعربي عبر مقاله الأخير، رصد فيه (14 سببا لسقوط الحكام والأنظمة) وخاصة العربية منها، وهي الأسباب التي تنطبق جميعها على رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وفقا لتلميحات أديب المريبة، حيث حصر أسباب فشل (طبخة استقرار الأنظمة في الفساد المطلوب للحاكم وتغاضيه وسماحه للحلقة الضيّقة القريبة منه بممارسة الفساد والإفساد، والاعتماد على رجال ثقة موالين له على الرغم من ضعف كفاءتهم وفشلهم، تحول رجال الثقة بعد تمكّنهم من مفاصل الدولة إلى خدمة مصالحهم، واستقواء بعض رجال السلطة وتضحيتهم بالحاكم من أجل بقاء مصالحهم، وقيام بعض عناصر الحكم بالارتباط بعلاقة عمالة مع قوى إقليمية أو دولية للاستقواء بها في معادلة اختطاف الحكم لصالحها، وصراع أجهزة الحكم بعضها مع البعض الآخر بشكل مدمر، انصراف أجهزة الدولة المنوط بها الحفاظ على المال العام إلى الانشغال بتحقيق مكاسب شخصية.
لقد ذهب أديب عبر مقاله المسموم، إلى الخوض في مناطق شائكة بتعال شديد قائلا: هناك أسباب أخرى تتلخلص في: (عدم اهتمام فريق الجهاز الحكومي بشؤون الدولة وانصرافه إلى تصفية بعضه البعض، وشعور بعض التيارات أو القوى بعدم أحقية الحاكم في الحكم، وتعرض بعض الحكام إنسانيا لضغوط عاطفية من أفراد عائلتهم تجعلهم يضعونهم في مناصب لا يستحقونها، وحاكم يجهل ما يرضي شعبه وما يغضبه، وحاكم يعطي امتيازا خاصا استثنائيا لجهاز سيادي أو طبقة أو طائفة أو منطقة حيوية مفضلا أحدها على الآخر، وحاكم لا يتابع مدى التزام جهازه التنفيذي بأوامره وقراراته الرئيسية، ثم كانت كذبت الكبرى: (تذكّروا كلامي، وأضاف: إن أخطر ما يمكن أن يقع فيه الحاكم هو ألا يحسن اختيار فريقه الأساسي، وألا يتعامل مع أعضائه بناء على مدى التزامهم بالإنجاز بل على أساس عبارات المديح والولاء الفارغة).
في مقاله المليء بالتلميحات المريبة، أشار إلى سقوط نظام عربي في العام المقبل، وأكد أن (كل الأسباب السابقة تزداد خطورتها وتصبح معها الأنظمة في مهب الريح إذا ما توافرت واجتمعت في عالم مرتبك فوضوي مثل عالم اليوم، وختم بجملة قال فيها: (لذلك كله، وتذكروا كلامي، يا خوفي الشديد على كثير من أنظمتنا وشعوبنا من الآن حتى منتصف العام المقبل، حينما تصبح لقمة العيش وسوء الخدمات واستحالة الحياة اليومية هى وقود اضطرابات اجتماعية مدمّرة).
وفي إشارة غير مباشرة إلى إطاحة قريبة متوقعة بنظام السيسي في مصر، قال عماد أديب: إنه يتم الإطاحة بالأنظمة عبر استقواء بعض رجال السلطة وتضحيتهم بالحاكم من أجل بقاء مصالحهم، بمعنى (فليذهب الحاكم مقابل أن يبقى الحزب أو الجهاز أو التيار أو الطائفة)، وأضاف أيضا: (قيام بعض عناصر الحكم بالارتباط بعلاقة عمالة مع قوى إقليمية أو دولية؛ للاستقواء بها، في معادلة اختطاف الحكم لصالحها)، ولفت الكاتب التخين إلى أن من أسباب سقوط الأنظمة، (صراع أجهزة الحكم بعضها مع البعض الآخر بشكل مدمر)، وهو ما يجعل حالة العداء بين أجهزة الحكم بدلا من أن يكون العداء أو الخصومة لأعداء النظام الحقيقيين، ذاهبا بخياله المريض إلى القول: (باختصار أن تكون مشاكل النظام الداخلية ذات أولوية على مشاكله مع الأعداء).
وهنا أقول: لو كان الاستاذ عماد الدين اديب يقصد الرئيس السيسي فمن الشجاعة أن يوجه الكلام له وليس كما كتبه كلام مثل الحكمة أو الفزورة، (ولما تسأله هل تقصد السيسي هايقولك لا طبعا أنا قصدت مبارك لأنه لم يكن يفعل مثل السيسي الذي يختار معاونيه بدقة وعلى أسسس علمية وخبرة فى مجالهم)!، ومن هنا نتساءل: (هل هذه النصيحة موجهة للحاكم فى المطلق أم المقصود حاكم محدد فى بلد معينة)، نرجوا أن يوضح أكثر من هو المقصود بكلامك عن هذا الحاكم الذى لا يحسن اختيار فريقة السياسى، فضلا عن تلميحاته وإشاراته الغامضة غير المفهومة لننا جميعا
واختتم بقول زميلنا الكاتب الصحفي والإعلامي (حمدي رزق): هرمنا من التلاعب بالمصطلحات الناعمة التى تتسلل بهدووووووء إلى مخادع البسطاء فتدغدغ مشاعرهم فينامون فى خدر لذيذ، سئمنا من (العرّابين) الذين يجولون على الفضائيات حاملين بضاعة منتهية الصلاحية بحثاً عن أسواق تهضم بضاعتهم الفاسدة، حديث المصالحة الذى أعلنه زمنا بـ (فجاجة) العرّاب الدكتور سعد الدين إبراهيم، ولقى رفضاً بلغ حد الكراهية المجتمعية يعانى منها الرجل فى سنواته الأخيرة، يعاد ضخه بـ (نعومة) بلسان معسول يمتلكه الأستاذ عماد الدين أديب، الذى يجول على الفضائيات حاملاً رسالة مفخخة مؤداها (لنكن أكثر تعاطفا مع شباب الإخوان) يشيرها بطرق أكثر (احترافية) التفافاً على الرفض المتوقع نخبوياً وشعبوياً.
لا تسل عن مصلحة العرّاب فى مصالحة مرفوضة، العرّاب له حسابات أخرى، يعرف أن المهمة مستحيلة، يعلم أنه حتماً ولابد من حساب كل من تآمر وخان وباع أو كسر (كوباية) من ممتلكات الشعب، الإخوان حسابهم مع الشعب المصرى عسير وثقيل، والدم مغرق أيديهم جميعاً لا أستثنى منهم أحداً حتى الشباب المتعاطف، الأستاذ (بيحوّر فى الحوارات)، لعلمك هذه أفكار ليست واردة على عقول هؤلاء المجرمين لتتبناها عنهم وتحمل وزرها، (أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون)، هؤلاء يرومون انتقاماً، ومفطورون على الثأر، ويقتاتون القتل، الإخوان قتلوا أولادنا، نحروا قلوب الأحبة، طيب وأولاد الشهداء المكلومون.. ألا يستحقون تعاطفكم، وحتى تعاطفك معهم مش كفاية، هو إيه الحكاية؟!