بقلم : محمد حبوشة
يقول الواعظ الشهير (تشارلز سيرجيون): (خلق الله الطبيعة ليس فقط لحاجياتنا الأساسية، وإنما أيضًا لاستمتاعنا بها، إنه لم يكتف بخلق حقول الذرة، وإنما خلق البنفسج وزهر الربيع العطري)، إن عنصر الجمال يبدو مقصودا قصدا في تصميم هذا الكون وتنسيقه، ومن كمال هذا الجمال أن وظائف الأشياء تؤدى عن طريق جمالها، فهذه الألوان العجيبة في الأزهار تجذب النحل والفراش مع الرائحة الخاصة التي تفوح، ووظيفة النحل والفراش بالقياس إلى الزهرة هى القيام بنقل اللقاح لتنشأ الثمار، وهكذا تؤدي الزهرة وظيفتها عن طريق جماله، والإحساس بالجمال حركة عاطفية في الروح وشعور بالفرح والطمأنينة، وهو ينتشر في النفس دون أن نعرف السبب في ذلك، وهو أمر فطري في الإنسان، وليس من حاجة للبرهان على ذلك؛ فيقول الفيلسوف صاحب النظرية المادية الجدلية (هيجل): (وهذا الحس – حس الجمال – ليس فطريا في الإنسان، كغريزة، أو كشيء معطى له من الطبيعة، وممتلك من قبل منذ ولادته، كما يمتلك أعضاءه.
والاستماع الى الصوت العذب والغناء الجميل شيء مثير ومفرح، إلا أن الأحاسيس التي يختبرها من يترجم بصوته اللحن والكلمة، لا يعرفها سوى من خاض تجربة الغناء بنفسه، وتعرف إلى حلاوة وقع صوته في أذنه وكيانه، علماء النفس الذين عاينوا عن كثب تأثير الغناء في نفوس المغنين وصحتهم إضافة الى علاقاتهم الإجتماعية والإنسانية، أكدوا أن آراء هؤلاء كانت متجانسة إلى حد ما، وخصوصا في ما يتعلق بتجربة الغناء التي تجمع عددا من المواهب والقدرات الراقية وأهمها: الشعر والموسيقى والصوت والأداء.
وأكد أحد الباحثين الفرنسيين في علم الغناء بالبراهين الحية، أن الصوت أداة تخضع للتطوير في مختلف مراحل العمر، وحسب رأيه، فإن باستطاعة أي منا بلوغ الصوت الجميل والأداء الجيد إذا ما حاول الاستماع بعمق الى صوته الداخلي، وهذا يعني أن الإنسان لا يحتاج الى مدرب يعلمه أصول الغناء وتقنياته، إذ يكفي أن يتعرف إلى نفسه، ويتعلم كيف يستمع الى نبضات جسده ومشاعره، ويجسدها من خلال صوته، وفي حال نجح في التوحيد بين إيقاعات جسده وصوته، فهو يتمكن بدون ريب من السيطرة على مسارات الطاقة التي تربطه بنفسه وبالعالم من حوله، وهذا يحدث عموما عندما ينجح في إزالة الحواجر الإجتماعية الضاغطة والتي تعرقل إنسياب هذه الطاقة.
من جهة ثانية، يؤكد معظم محترفي الغناء أن فهم إيقاع الموسيقى ضروري للتحكم بطبقات الصوت ومسارات الطاقة، لأن اللحن عندما يتوحد مع الكلمة والصوت والإيقاع، يتحول بفعل هذه الوحدة إلى رياضة روحانية تؤمن الارتقاء الذي سبق وأشرنا إليه، ويصبح بالتالي علاجا نفسيا يزيل الضغوطات والحزن والتوتر ويساعد في مداواة الكثير من الأمراض، وجهة النظر تلك عبر عنها بوضوح أحد أساتذة الغناء الفرنسيين، حين عاد بالذكرة الى أيام الطفولة، حين كان يضطر الى كبت غضبه وحزنه تجاه قساوة والديه ومعلميه ومواقف بعض زملائه، كان عندها يلجأ الى الغناء بصوت مرتفع، كان يغني ويغني إلى أن يشعر بضغط الألحان يهدهد مشاعره، وزفير الهواء الصاعد من حنجرته يلامس صدى أحزانه.
هذا الشعور المرافق للغناء عبر عنه كثيرون ممن غنوا الحزن والفرح، وهو ما حدث في حالة المطرب النقاش (أحمد سالم)، والذي أعلن في فيديو ركب (الترند) خلال الأيام القليلة الماضية مشاعره بصدق وسعى إلى التعرف الى قدراته الكامنة، بما فيها المقدرة على الصفاء لما فيها من منافع وإيجابيات على الصعد كافة، وآمن (أحمد) أنه ليس من الضروري أن يحترف الغناء أو يسعى إلى الظهور والربح المادي، إذ اكتفي أن يغني لذاته حيث أمكنه أن يرفع صوته لتوحد أصداؤها القلوب والعقول التواقة للغناء العذب الرقيق، كما جاء في أغنيته لوردة (بكره يا حبيبي)، والتي أحدثت انقلابا في مفهوم الغناء عبر صوت سليم يحمل من العذوبة ما يكفي لأن يكون مطربا لا يشق له غبار.
نقاش بدرجة فنان انتشر مقطع فيديو له وهو يؤدي عمله اسمه (أحمد سالم) خطف قلوب من سمعه وأصبح حديث كل الفنانين يبحثون عنه وعن شغله الذي أمتعهم بعد سماع هذا الفيديو، بينما هو يقف ممسكا فرشته بيده ووجهه للجدران، منتبها في عمله لا يلفت، صوته العزب يطرب المكان معه بأغان تشعر بأن جانب (وردة وبهاء سلطان) يقف بجانبك، الصوت يخرج من فم (أحمد سالم) ابن محافظة الغربية مركز زفتي ، (نقاش – 32 عاما)، ، ورغم جمال صوته إلا أنه يستبعد الغناء في المناسبات أو الأفراح، ويكتفي بها أثناء عمله، وهو الذي بدأ الغناء منذ صغره (8 سنوات) في المدرسة، والغريب أن والده خوفاً عليه رفض حلمه.
أحمد أكد أنه عرض عليه العمل في الأفراح لكنه رفض، مضيفا: (من وأنا في المدرسة كنت عارف إني موهوب، ولما كبرت شوية غنيت لبهاء سلطان ووردة بس كنت بسن صغير متحملش مسؤلية القرار إلابموافقة الأهل، أنه الأخ الرابع ويعمل مع والده منذ سن 8 سنوات في مهنة النقاشة، وأكد أن حلمه أن يكتشفه الفنان تامر حسني والأستاذ حلمي بكر، الذي أكد أنه من الأصوات النادرة ويستحق كل الدعم، بدلا من الأصوات غير الموهوبة التي حققت شهرة وانتشرت في كل البيوت وشاشات التلفزيون.
وقد أثار الفيديو بعض الفنانين والشعراء بإحساسهم بعد سماعه، فقد نشر المطرب (رامي جمال) علي صفحتة الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك قائلا: (أنا عاوز حد يوصلني بالراجل الجميل الجدع ده أبو صوت مسمعتوش من زمان ضروري ضروري)، ونشر أيضا الشاعر (عمر حسن) علي صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك قائلا: (ايه ده؟)، وشاركت المطربة (مي فاروق) مقطع فيديو علي صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك قائلة: (ايه الحلاوة دي .. ايه العظمه دي .. ماشاء الله).
فى أول ظهور على شاشات التليفزيون، حل (أحمد سالم) صاحب الفيديو المتداول وهو يغنى أثناء تأدية عمله كـ (نقاش)، ضيفا على برنامج (الستات مايعرفوش يكدبوا)، مع المطربة والإعلامية (منى عبد الغنى) وزميلتها (إيمان عز الدين)، عبر قناة cbc، وقال المطرب النقاش، خلال لقائه بالبرنامج: إنه لم يكن يتوقع أن يحدث كل تلك الضجة على الفيديو الخاص به الذى ظهر فيه وهو يغنى إحدى أغنيات الفنانة الراحلة وردة، مشيرا إلى أن الفيديو مر على تصويره عام ونصف، وحقق 10 آلاف مشاهدة فقط على قناته على (يوتيوب) خلال تلك الفترة، وأضاف: (فوجئت وأنا فى عملى بأحد الأشخاص يقول لى أن الشاعر عمرو حسن، نشر الفيديو الخاص بي، وحقق تفاعل كبير للغاية عبر صفحته على فيسبوك) وقال: (عندما فتحت وشاهدت التفاعل لم أصدق فى البداية أن كل هذا التفاعل على فيديو لغنائي).
والآن بعد أن أصبح الشاب (أحمد سالم) معروفا إعلاميا بـ (المطرب النقاش)، هل من شركة إنتاج واعية مثل (المتحدة للخدمات الإعلامية)، أن تتبنى هذه الموهبة الفتية خاصة أنها تتفوق على كل المتسابقين في برنامجها الشهير (الدوم)، ومن ثم تستحق الرعاية الكاملة والدعم الذي يكفل لها استكمال دراسته الموسيقية ليصبح نجما غنائيا في عالم الغناء الرصين، بحيث يكون المثل والقدوة لكثير من مواهبنا التي يحفل بها الريف المصري الغضن، ولا تجد من يهتم بها في ظل فوضى المهرجانات الحالية التي تنعق كغربان في ساحة الغناء المصري الذي يعاني أزمة حقيقية على مستوى الصوت والكلمات اللحن الذي يخاطب الذئقة السلمية؟ .. اللهم بلغت .. اللهم فاشهد.