لأول مرة ننشر الأبيات المحذوفة من قصيدة (سمراء) التى قام بغنائها (حليم وكارم محمود)
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة،أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفها .
كتب : أحمد السماحي
بعد أن لقي تشجيع كل من حوله ممن يرتادون صالونه من الشعراء البارزين كل ليلة قطع الأمير (عبدالله الفيصل) حبل هيبة الخوف والتردد، وبدأ في نشر قصائد في الصحف والمجلات، فذاع اسمه داخل مجتمعه المحدود، وأصدر أول ديوان له عام 1953 بعنوان (من وحي الحرمان) دون أن يضع اسمه عليه حتى لا يكون سبباً في رواجه بين القراء، بل اختار اسماً مستعاراً له وقعه على نفسيته وهو اسم (محروم).
شاعرنا إنسان رسم صفة الحرمان عنوانا لمعاناته، فارتسمت كثير من التساؤلات عن سبب هذا الحرمان ومصداقيته، وكانت الإجابة على لسان الشاعر حيث قال: (الحرمان مرادف للشقاء أو بداية له أو هو دليل عليه، والشقاء عكس السعادة، والسعادة ما هى؟ وفي أي شيء تكون؟ هل هى في المنصب والجاه؟ أم هي في الإمارة والوزارة؟ أم هى في الشباب والجمال؟ أم هى في الثورة والمال؟ إن كانت كذلك فأنا سعيد كل السعادة، ولكنك تعلم – يا عزيزي – أن السعادة ليست في كل هذه الصفات والمميزات!!، إن مقرها في النفس، ومنبعها الإحساس.
فأنت سعيد إذا أحسست بالسعادة، ولو فقدت كل أسبابها الظاهرة ومقوماتها المعبرة، وأنت محروم من السعادة إذا فقدت الإحساس بها ولو اجتمعت لك كل مقوماتها واعتباراتها، لماذا؟: لأن إحساسك متأثر بعوامل أخرى من الألم والأسى تشغله وتستأثر به عن الشعور بالسعادة، لهذا وحده أنا محروم).
حمل ديوان (من وحي الحرمان) مجموعة من القصائد الرائعة المعبرة عن الحب والحرمان، من أجمل هذه القصائد وهى عنوان موضوعنا هذا الأسبوع في باب (محذوفات الأغاني) قصيدة (سمراء يا حلم الطفولة) التى نالت إعجاب الموسيقار(حسين جنيد) فور طرح الديوان، واختارها ليلحنها، ووقع اختياره على المطرب الرقيق (كارم محمود) الذي غنى هذه القصيدة من الحنجرة، ولم يغنيها من القلب، فجاء أدائه لها باردا لا يحمل أي تعاطف معه، ولا مع الموضوع الذي يغنيه، لهذا لم تحقق القصيدة النجاح المرجو منه، ولم يشعر بها أحد، وحتى نكون منصفين ربما هذا راجع إلى أنها كانت من إنتاج إحدى الإذاعات الخاصة وهي إذاعة (الشرق الأدنى).
وفي عام 1955 وقع اختيار الموسيقار المجدد (كمال الطويل) على هذه القصيدة ولم يكن يعلم بأن زميله الموسيقار(حسين جنيد) قام بتلحينها، وقام بتلحينها لصديقه المطرب حلم قلوب العذارى العندليب الأسمر (عبد الحليم حافظ) فغنى قصيدة (سمراء) العذبة فتغلغل اسم الشاعر في الوجدان المصري والعربي.
هذه القصيدة تم حذف بعض أبياتها وتعديل بعض كلماتها، ولأول مرة في الصحافة المصرية والعربية ننشر المحذوف من القصيدة، حيث اتفق من قبيل المصادفة كلا من (حسين جنيد، وكمال الطويل) على حذف البيت الذي يقول: (إن كان في ذليي رضاك فهذه روحي ذليلة)، وقام (الطويل) بحذف جملة (واسمعي فيه عويله) لأنها واستبدلها بكلمة (واسمعي ترتيله)، أما (حسين جنيد) فحذف البيت الذي فيه هذه الكلمة كاملا والذي يقول (فلترحمي خفقانه، لك واسمعي فيه عويله).
وفي الوقت الذي حافظ (حسين جنيد) على هذين البيتين (ما بال قلبك ضل عنه فما اهتدى يوما سبيله، وسبيلك الذكرى إذا ما داعبتك رؤى جميله) قام (كمال الطويل) بحذفهما.
جدير بالذكر أنه بعد غناء (عبدالحليم حافظ) لهذه القصيدة ونجاحها وانتشارها بين الجمهور، تم اتهام شاعرها (عبدالله الفيصل) بسرقة كلماتها من الشاعر اللبناني (سعيد عقل) الذي كان له قصيدة بعنوان (سمراء يا حلم الطفولة) أيضا، وستجدون القصيدتين مكتوبتين وعليكما المقارنة!.
سمراء يا حلم الطفوله يا منية النفس العليلة
كيف الوصول الى حماك وليس لي في الأمر حيلة
ان كان في ذلي رضاك فهذه روحي ذليلة
ووسيلتي قلب به مثواك ان عزت وسيله
فلترحمي خفقانه لك و لتسمعي ترتيله
قلب رعاك و ما ارتضى في حبه أبدا بديلا
أسعدته زمنا روى وصلك الشافي غليله
ما بال قلبك ضل عنه فما اهتدى يوما سبيله
وسبيلك الذكرى اذا ما داعبتك رؤى جميله
في ليلة نسج الغرام خيوطها بيد نحيله
وأطال فيها سهد كل متيم يشكو خليله
سمراء يا أمل الفؤاد وحلمه منذ الطفولة
………………………………………
وفيما يأتي قصيدة سعيد عقل (سمراء ياحلم الطفولة) و للقاريء الحكم على الجمال والأصالة إزاء ما كتبه الأمير عبدالله الفيصل:
سمراء، يا حلم الطفولة وتمنّع الشفة البخيلة
لا تقرُبي منّي، وظلّي فكرةً، لغدي، جميلة
قلبي مليءٌ بالفـراغ الحلو، فاجتنبي دخوله
أخشى عليه يَغَـصّ بـالْقُبل المطيّبة البليلة
ويغيبُ في الآفاق، عبْرَ الهُدب من عينٍ كحيلة
ما آخذٌ البهاءُ منك ومن غدائرك الجديلة؟
ضوءًا؟ فديتُ الضوءَ يُولدُ طيّ لفتتكِ العليلة
ويقـولُ للبسماتِ ثغرك (لوّني زهر الخميلة)
فـالأرضُ بعدك يقظةٌ من هجعةِ الحلمِ الثقيلة
طَرِبَتْ، كأنّ سنى ابتسامكِ كُوّة الأملِ الضئيلة
سمراءُ، ظلّـي لذّةً بينَ اللذائذِ مُستحيلة
ظلّي على شفتيّ شوقهما، وفي جفني ذهوله
ظلّي الغد المنشود يسْبقنا الممات إليه غيْلة.