بقلم : بهاء الدين يوسف
في جميع أنحاء العالم تقريبا تعرف المجتمعات ثقافة الإعلانات والهدف منها بل وهناك الكثير من الدول حول العالم تجاوزت ذلك إلى دراسة سيكولوجية الإعلان وكيفية دفعه المستهلكين ليس فقط لشراء المنتج المعلن عنه، ولكن لخلق طاقة إيجابية داخل المشاهدين مما سوف ينعكس بالضرورة على الروح المعنوية السائدة في ذلك المجتمع، ومن ثم زيادة الإقبال على شراء المنتج.
لكن كما هى العادة يسير العالم كله في اتجاه بينما نسير في مصر في اتجاه خاص بنا لا يمكن القول أنه اتجاه مضاد أو متوافق مع الآخرين لأنه ببساطة اتجاه ليس له معالم، فضلا عن أن القائمين عليه ليسوا متخصصين وأغلبهم لم يدرسوا فنون الإعلان ولا حتى استراتيجيات الترويج السلعي وإنما هم مجموعة من الهواة أصحاب الحظوة والمعارف التي نعرف جميعا أنها الطريقة الوحيدة للحصول على الوظائف والمناصب في مصر.
من يتابع الإعلانات على القنوات المصرية عليه أن ينجو من مضارها الكثيرة التي يمكن رصد أضعف الأضرار في سد نفسه عن الحياة والدنيا كلها بسبب الإعلانات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فلا فكرة ولا اجتهاد ولا تعب ولا حتى اختيار مناظر جيدة للتصوير يمكن أن تخلق أي طاقة إيجابية في نفوس المشاهدين، وإنما على العكس من ذلك تؤدي الإعلانات المصرية إلى العديد من السلبيات منها التقليل من احتِرام الذات عند بعض الأطفال الذين يُشاهِدون الإعلانات ويشعرون بأنهم أقل من الآخرين بسبب عدّم استطاعتهم الحصول على هذه المُنتجات، فضلا عن تشويه الواقع لديهم بسبب مبالغة الإعلانات في الخيال في طريقة عرضُها للمنتجات الأمر الذي يسبب للطِفل ارتباكا في التمييز بين الواقع والخيال.
واحد من هذه الإعلانات إعلان عن بطاطس يقود الأطفال خصوصا إلى الاقتناع بأنهم لكي يحصلوا على حقوقهم يجب أن يكونوا عديمي الأدب، حيث يطلب الطفل قطعة بطاطس بأدب فلا يتلقى سوى الرفض لكنه عندما يتحول إلى وحش ضخم ويعيد طلبه بكل وقاحة ووحشية يحصل على الكيس بكامله.
إعلان آخر يروج لقطع بسكويت بالشوكولاتة على ما اعتقد يظهر فيه ممثل وممثلة يعطيان الجمهور نصائح فاسدة بمنتهى العجرفة، حيث يطلب الممثل من المشاهد أن (يقطم عن الكلام) فيما تأمره الممثلة التي ذاع صيتها بفضل شائعات علاقتها بمطرب مشهور أن يبطل (لوكلوك) والمقصود هنا الرغي والشائعات دون أن تدرك المسكينة إنها لولا الشائعات لما حصلت على دور في الإعلان ولاغيره من الإعلانات التي تدر عليها عشرات الملايين.
إعلان ثالث لبنك تجاري تكلف عشرات الملايين جزء كبير منها ذهب لمطربة اشتهرت في الفترة الأخيرة بإذاعة أسرار علاقتها مع طليقها، ورغم الأموال الضخمة التي تكلفها الإعلان إلا إنه يبث اليأس في نفس نفوس المشاهدين حين يؤكد من خلال صوت المطربة أن الله لا يعطي حملا تقيلا غير للناس التي تستطيع حمله ما يعني أن المعاناة التي يتكبدها البعض ليست نتيجة أخطاء بشرية أو توزيع غير عادل للثروة ولكنها إرادة الله، وبالتالي فلا يجب على من يعاني حتى أن يفضفض عن معاناته باعتبار أنه إن فعل سيكون ذلك اعتراضا على حكمة ربنا، ولم يوضح لنا مصممو الإعلان ما هى حكمة ربنا في إنفاق ما يقرب من 100 مليون جنيه على إنتاج الإعلان وإذاعته على مختلف القنوات بشكل مستمر!
ناهيك عن سخافة وسماجة أغلب الإعلانات المذاعة في القنوات المصرية وكأن خفة الدم المعروفة عن المصريين طوال تاريخهم الحديث على الأقل تحولت بفعل الظروف المعيشية الضاغطة إلى ثقل دم تعكسه تلك الإعلانات، ولا عزاء لمن عايش منا إعلانات الزمن الماضي التي كانت تتحول إلى موضة بين الشباب ربما لأن أغلبها كان يستوحي أفكاره من إعلانات أجنبية ويحسب لمصممي تلك الإعلانات أنهم كانوا يحسنون الاختيار على الأقل.